لبنان / نبأ – مئة عام على انتصاب المنارة، مئة عام على بزوغ فجر الإصلاح المفصلي، مئة عام على ولادة الشيخ عبد الله العلايلي. سنون تبدلت فيها الأوضاع وتغيرت فيها المعادلات حتى أضحى القتل دينا والكراهية شرعا والرجعية منهجا. على الرغم من ذلك، ما يزال الفقيه المجدد، العلامة المناضل والشيخ الأحمر رائد المتعبين إلى شاطئ الأمان وهادي الراغبين إلى دروب الحداثة والعدالة.
في محلة الثكنات ببيروت العتيقة ولد العلايلي أواخر أيام السلطنة العثمانية، تلقى علومه الأولى في كتاتيب العاصمة اللبنانية قبل أن يتوجه إلى الأزهر الشريف عام ألف وتسعمئة وأربعة وعشرين، هنا سطع نجمه وبزّ أقرانه واستقطب مودة الكبار وأظهر ميله اللامحدود إلى تمزيق الحجب وتحطيم الحواجز الواهية، إثنتا عشرة سنة تتلمذ خلالها العلايلي على أيدي الأفذاذ المقتفي آثارَ الإمامين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وفي العام ألف وتسعمئة وستة وثلاثين تخرج من الصرح العريق قامة دينية لا ينكرها إلا الأعشى، إنتسب إلى كلية الحقوق في القاهرة واضطر بعد ذلك إلى مغادرة مصر جراء اندلاع الحرب العالمية الثانية.
في مسقط رأسه بالعاصمة اللبنانية بيروت داوم على الوعظ والإرشاد في الجامع العمري الكبير، وانصرف إلى تأليف كتب يعسر حصرها ووصفها في عجالة. إنشغال لم يمنعه من اقتحام المعترك السياسي، هكذا أسهم شيخنا الأصيل في تأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي عام ألف وتسعمئة وخمسة وأربعين بعدما اطلع على الأفكار الماركسية ورسم تقاطعاته الخاصة بها، تقاطعات لم تمنعه من التعارض مع كثير من تجليات الفكر الشيوعي ونقدها، كيف لا وهو القائل: “ليس محافظةً التقليد مع الخطأ، وليس خروجا التصحيح الذي يحقق المعرفة”؟