نبأ – كتب يوئيل جوجنتسكي ويورام شفايتزر، مقالة بعنوان « العودة الدمويّة: "خرّيجو" سوريا واستقرار السعودية» في موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS، تحدث فيها الكاتبان عن عودة المقاتلين من سوريا وعودتهم إلى بلادهم الأصلية الأمر قد يشكل مشكلة أمنية بالنسبة لدول كثيرة في المنطقة وخارجها، وليس بسبب عدد المقاتلين الكبير وعدد الدول الكثيرة التي يأتون منها فحسب.
فهذه الظاهرة ليست جديدة بالنسبة للسعودية. وكان السعوديّون منخرطون في القتال في دول أجنبية منذ فترة الجهاد ضدّ السوفيات في أفغانستان في سنوات الثمانينات، بل وكانوا يشكّلون جزءًا كبيرًا فيما بعد بين أوساط خرّيجي أفغانستان من الجيل الثاني، والذين تدرّبوا في تلك البلاد من سنوات التسعينات، وهم يشكّلون اليوم إحدى المجموعات الأجنبية المقاتلة الكبيرة في سوريا.
أدّت المعركة بين سوريا وحلفائها وبين الجماعات المسلحة المختلفة، والتي من بينها عناصر سلفيّة جهادية، تتواصل بشكل مباشر وغير مباشر مع تنظيم القاعدة، إلى تيّار من المتطوّعين الأجانب الذين طلبوا دعم الأطراف المتحاربة. فتجنّد عدد كبير من المتطوّعين من الشرق الأوسط، شمال إفريقية، آسيا بل ومن أوروبا وأمريكا الشمالية، جميعًا لصالح ما يسمى المعارضة. وتأسست بمساعدة وتمويل الجمعيات الخيرية والداعمين من السعودية ودول الخليج جماعات مسلحة مختلفة في سوريا كقوى مقاتلة مستقلّة. يشكّل العدد الكبير نسبيًّا للشباب القادمين من شبه الجزيرة العربية للقتال في سوريا، وخطر عودتهم إلى بلادهم الأصلية، مشكلة أمنية كبيرة.
بينما كانت الفصائل تقاتل النظام وتقاتل بعضها البعض، استمرّ التوجّه لدخول المتطوّعين الأجانب لسوريا، بشكل أساسيّ من تركيا ولكن من لبنان والأردن أيضًا، بهدف تعزيز الجهود ضدّ نظام الأسد. من الممكن أن يشكّل هؤلاء المتطوّعون الإرهابيون، الذين يقدّر عددهم بالآلاف، تهديدًا خطرًا على استقرار وأمن بلادهم الأصلية، حيث كان "خرّيجو أفغانستان" في سنوات التسعينات عاملا مقوّضا للاستقرار حين عادوا إلى شبه الجزيرة العربية. كانت تلك العناصر التي حاربت السوفيات إلى جانب قوات طالبان، كادرًا واسعًا من المجنّدين، الذين بنوا روابط اجتماعية، وراكَموا خبرة عملية كبيرة وشكلوا أساسا للتعاون الإقليمي الذي تطوّر ليصبح تهديدًا للأنظمة "المعتدلة" في الشرق الأوسط.
فهناك أدلّة على مشاركة "خرّيجي" سوريا في نشاطات إرهابية في بلادهم الأصلية وفي ساحات قتال في الشرق الأوسط، ومن بينهم عناصر تنظيمات الجهاد العالمي، الذين يستندون إلى التجربة القتالية التي راكموها في سوريا. هكذا على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن نشاطات "خرّيجي سوريا" في مصر بعد أن انضمّوا لتنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي يعمل في سيناء ضدّ قوى الجيش المصري وضدّ أهداف على الحدود الإسرائيلية والذي يضرب في مصر نفسها أيضًا؛ أهدافًا حكومية، أمنية واقتصادية. ساهم العنف الطائفي في لبنان بين الشيعة الداعمين للنظام والسنة الداعمين للمعارضة في عودة الإرهابيين "المتطوّعين للجهاد" من سوريا.
و«وحذّرت أجهزة أمنية غربية من الخطر الكامن في عودة المسلمين، من "خرّيجي" سوريا إلى بلادهم، حيث يملكون خبرة، وتدريب وعلاقات أكبر. في هذه المرحلة، لا يمكن الإشارة إلى عمليات إرهابية في الغرب من قبل أولئك العائدين من سوريا، ولكن استيضاح القلق من عمليات مستقبلية كهذه يقبع في مكانة مهمّة جدّا في سلّم الأوليات لدى الأجهزة الأمنية الغربية.
فتعيش السعودية ودول الخليج حالة أكثر تعقيدًا. فبعد الدعم المعنوي، الاقتصادي والتنظيمي، الرسمي وغير الرسمي، للمعارضة ضدّ الأسد؛ تواجه هذه الدول الآن نتائج أعمالها وتخشى من حالة يتمرّد فيها المصنوع على صانعه. وكما ذكرنا، فقد نشط في الماضي رجال القاعدة من "خرّيجي" أفغانستان الذين عادوا إلى المملكة ونفّذوا فيها سلسلة من الهجمات. وبعد صراع طويل، تمكّنت السلطات السعودية من إيقاف نشاط الكثير من قادة هؤلاء واعتقالهم. واستطاع القليل من تلك العناصر الهروب والانضمام إلى الفرع المحلّي للقاعدة في اليمن وأقاموا "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، وهو الفرع الذي يعتبر في الغرب الأخطر من بين شركاء القاعدة.
يقوم هذا التنظيم بتنفيذ عمليات إرهابية كثيرة وبشكل أساسي في اليمن، من بينها عمليات انتحارية كثيرة القتلى، وهو يعمل ضدّ قادة النظام اليمني والجيش. وقد ظهرت أدلّة المساهمة المحتملة للعائدين من سوريا مؤخرًا، حين نُشر أنّه تمّ الكشف في السعودية عن تنظيم إرهابي، والذي كان على تواصل مع عناصر من القاعدة في اليمن وفي سوريا وخطّط لسلسلة من الهجمات ضدّ أهداف حكومية، ومسؤولين في النظام وممثّلين أجانب في السعودية. ويبدو أنّ هذا التوجّه هو الذي كان يقف من وراء إعلان السلطات في الرياض أنّها تراجعت عن الدعم الكبير لقوى المعارضة، بل وحظرت بمرسوم ملكي أن يدعم مواطنيها أو ينظّموا أو يشاركوا في الحرب السورية، وفي مناطق أخرى.
ويعتبر هذا الحظر تغيّيرًا على ضوء دعم الأسرة المالكة الأول للمتطوّعين. فيخشى السعوديون من المشاركة المتزايدة لإيران في الساحة السورية، ولكنهم منزعجون بشكل لا يقلّ عن ذلك من تصاعد قوّة المعارضة الإسلامية المتطرّفة الداخلية لحكمهم بسبب عودة الشبان السعوديين إلى المملكة.
إنّ الاستثمارات الكبيرة في الدعاية ضدّ المشاركة في الحرب السورية، والجهود لمكافحة المتطوّعين والمنظّمين وأيضًا إنشاء عقبات مادية لمنع خروج العناصر إلى خارج حدود المملكة، تعزّز هذا الافتراض. ومع ذلك، فإنّ الدعم السابق والعدد الكبير للعناصر التي خرجت من حدود المملكة (نحو 1000، ومن بينهم أكثر من 200 قُتلوا في المعارك)، قد يلعب دورًا ضدّ السلطات في الرياض.
وعلى ضوء المشاركة والدعم الكبير الذي أعطيَ لفصائل المعارضة المتطرّفة من السعودية ودول الخليج، فهناك مخاوف من أنّ تتواصل عناصر متطرّفة مع تنظيمات معارضة قائمة أو أن تنشئ منظّمات تخريبية جديدة في دول الخليج المختلفة. ونظرًا إلى أنّ قوات الأمن والشرطة لم تقم بوظيفتها إزاء المتطوّعين الذين خرجوا للقتال في سوريا، فهناك خطرًا بأن تتسلّل عناصر متطرّفة إلى داخل أجهزة السلطة والأمن في تلك الدول وأن تشكّل "طابورًا خامسًا" في الصراع ضدّ المعارضة الإسلامية المتطرفة والقائمة هناك.
هناك من يعتبر أنّ الجهاد ضدّ السوفيات في أفغانستان في سنوات الثمانينات هو المرة الأولى في العصر الحديث التي تحدث فيها ظاهرة المقاتلين الأجانب في السياق العربي السنّي. وفي الواقع، فإنّ معظم المتطوّعين العرب بين السنوات 1979 – 1992 قدِم من السعودية.
واستمرّت هذه الظاهرة في سنوات التسعينات في الشيشان وفي وقت لاحق في البوسنة وفي العراق، مع كون السعوديين المجموعة الأجنبية الأكبر، والتي تقاتل إلى جانب المحلّيّين في تلك الدول. والأمر صحيح في كلّ ما يمكن أن يُقال عمّا يحدث اليوم في سوريا، حيث تضع التقديرات السعودية باعتبارها الدولة الأجنبية ذات عدد المصابين الأكبر في صفوف المتطوّعين.
بينما لم تقم الرياض بأي خطوة من أجل منع أولئك المقاتلين من السفر إلى سوريا بل قامت بتشجيعهم، تبذل الأسرة المالكة اليوم جهودًا كبيرة من أجل منع العنف لدى عودة هؤلاء إلى المملكة. في بداية شهر شباط عام 2014، أعلنت الحكومة عن مرسوم ملكي ينصّ على أنّ كلّ مواطن سعودي يقاتل في الصراعات التي هي خارج البلاد سيُسجن. بعد شهر من ذلك، تم إدخال بعض تلك التنظيمات إلى قائمة التنظيمات الإرهابية».
وأشاروا إلى أنّ معظم المتطوّعين العرب بين السنوات 1979 – 1992 قدِم من السعودية. واستمرّت هذه الظاهرة في سنوات التسعينات في الشيشان وفي وقت لاحق في البوسنة وفي العراق، حيث إنّ «عودة "خرّيجي سوريا" إلى السعودية قد يطعن بالكفاءة النسبية التي أظهرتها عناصر الأمن السعودية في صراعها ضدّ الإرهاب. هذا هو الحال خصوصًا على ضوء ما يبدو أنّه محاولات متكرّرة للإضرار بكبار الشخصيات وبمرافق استراتيجية في المملكة. لقد تمّت مقاومة موجة الإرهاب التي ضربت المملكة في منتصف العقد الماضي، بواسطة عملية، ثمة جدل حول مدى نجاحها، وأساسها "تأهيل" العناصر الإرهابية. والآن ففي نيّة السعوديين أن يفتتحوا مراكز "تأهيل" أخرى إلى جانب المركز العامل في الرياض. إنّ حقيقة أنّ السعوديين، ومعهم دول أخرى من دول الخليج، يتّخذون خطوات إيجابية في هذه القضية تدلّ على مدى خطورة التهديد الذي تشكّله عودة "خرّيجي" سوريا على الأنظمة وعلى المصالح الغربية في أراضيها.
للخلاصة، فإنّ التهديد الذي تشكّله عودة المتطوّعين من "خرّيجي سوريا" إلى بلادهم الأصلية بشكل عام إلى دول الخليج والسعودية بشكل خاصّ، يؤدّي إلى حدوث مراجعة على ضوء الأهمّية الاستراتيجية لتلك الدول، وهو أمر يُلزم بالتعاون الإقليمي، اليقظة والرقابة السياسية والاستخباراتية. إنّ "استيراد" معارضة مسلّحة، مدرّبة، لديها خبرة ومتطرّفة إلى شبه الجزيرة العربية قد يجلب معه تأثيرات إقليمية، دولية، اقتصادية وجيوسياسية كبيرة، ولذلك يلزم أن يكون هناك رصد دقيق من قبل الولايات المتحدة، إسرائيل وعناصر إقليمية ودولية أخرى».