اليمن / ميدل إيست مونيتور – في أحد الأيام كنت أقرب حليف للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، وفي اليوم التالي تجد نفسك على قائمة الاغتيالات الخاصة بها. وهكذا يكون جنون هذه الحرب التي لا نهاية لها. فقد وجد الرئيس السابق لليمن، علي عبدالله صالح، الأسبوع الماضي، نفسه على قائمة “الإرهاب” السوداء على الرغم من كونه حليفا لواشنطن في تلك الحرب لسنوات.
التغيير الذي يواجهه صالح، يوضح اثنين من الخصائص الثابتة للحرب على الإرهاب: أولا أن خيارات “الأعداء” التي تتخذها أميركا غير عقلانية إلى حد كبير. وثانيا أن كلمة “إرهابي” الآن هو المصطلح الأكثر استخداما من معجم السياسة الخارجية.
لسنوات، كان صالح رجل واشنطن، حليفا ضروريا لأن بلاده استضافت فرع تنظيم القاعدة الجديد والأكثر تهديدا -تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP). ومنذ عام 2002، قامت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، جنبا إلى جنب مع قيادة العمليات الخاصة المشتركة (المعروفة أيضا باسم JSOC)، بتعقب القاعدة في جزيرة العرب كجزء من برنامج سري شمل جمع المعلومات الاستخبارية على الأرض والضربات الجوية عبر الطائرات بدون طيار أو الصواريخ، ونشر القوات الخاصة، والتعاون مع الشركات الأمنية الخاصة التي كان الكثير منهم يعمل سابقا داخل المجتمعات العسكرية أو الاستخباراتية الأمريكية.
قد حدث كل ذلك تحت مرأى ومسمع الرئيس صالح، الذي وجه إليه اللوم حول برنامج الطائرات بدون طيار المثير للجدل. ووفقا لبرقية دبلوماسية مسربة من يناير عام 2010، قال صالح للجنرال ديفيد بتريوس قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط: “سنواصل القول بأن القنابل هي ملك لنا، وليست لكم”. فقد كذب صالح أمام البرلمان اليمني بخصوص من الذي قام بتنفيذ الضربات ضد القاعدة في جزيرة العرب، حيث ادعي أن اليمنيين قاموا بإسقاط القنابل بدعم من الاستخبارات الأميركية. بينما كان البرنامج في الواقع مملوكا للولايات المتحدة الأمريكية بأكمله. وفي رسالة أخرى بعث بها السفير الأمريكي ستيفن سيش، قال إن “اليمن مصرون على “الحفاظ على الوضع الراهن” فيما يتعلق بالنفي الرسمي لتورط الولايات المتحدة في تلك الضربات. وصالح يريد مواصلة العمليات دون توقف حتى نقضي على هذا المرض“.
كانت القوات الحكومية الخاصة بصالح تشارك بالتأكيد في الضربات ضد القاعدة في جزيرة العرب. كما كانوا يعملون أيضا بشكل مستمر تقريبا ضد التمرد الحوثي في الشمال. وحتى يومنا هذا، لا يزال الحوثيون، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب والحكومة المركزية يتصارعون من أجل السيادة اليمنية، ولكن منذ إسقاطه في عام 2011، وقف صالح حديثا مع الحوثيين. ووجد نفسه الآن على قائمة الإرهاب الأمريكية، على الرغم من محاربته لنفس العدو -تنظيم القاعدة في جزيرة العرب- الذي يفترض أن تستهدفه الحرب على الإرهاب.
صالح متهم بمحاولة زعزعة استقرار اليمن. وقد قوبل إعلان “الحرب على الإرهاب” وتحويل صالح من “حليف” إلى “هدف” باعتراض من النقاد الذين يقولون بأن ذلك سيزيد من شعبية صالح وأتباعه فقط.
الارتباك يسود حرب أمريكا على الإرهاب. فحالة صالح تتزامن مع الحرب الجديدة في سوريا والعراق، التي ترى في الدولة الإسلامية هدفا، بينما يشكو الجيش السوري الحر بأن الحملة تضعف فرصهم في إسقاط الرئيس بشار الأسد. كما سادها الارتباك من قبل عندما غزا بوش وبلير العراق في عام 2003، وهو نوع خاص من المثالية الوحشية التي يدفع ثمنها شعوب الشرق الأوسط الآن. فالمملكة العربية السعودية قد اختيرت حليفا في تلك الحرب على الرغم من أن الكثير من الخاطفين في حادثة 11 سبتمبر قد جاءوا من ذلك البلد نفسه.
ولكن تصنيف صالح الجديد ليس مجرد نموذج للارتباك. بل إنه يسلط الضوء على كيف أن “الإرهاب” هو مصطلح مطاطي. فصالح قد يكون رجلا فاسدا وقاسٍ (حيث توجد شائعات متداولة في ثلاثة على الأقل من السفارات الغربية في صنعاء بأنه قد كون ثروة من الاتجار بالبشر)، ولكن هل هو “إرهابي”؟. كما أن الحوثيين قد يكونون حركة التمرد التي تمثل تهديدا حقيقيا، على المدى القصير، لاستقرار اليمن، ولكن حركتهم الشعبية غير عنيفة، في حين أن الحملات العسكرية تنتشر بالقوة التقليدية. فهل هم حقا “إرهابيون”؟ فهم معارضون على نطاق واسع للتورط الأميركي في بلادهم، ويعلنون بشكل واضح أنهم مع إيران، ولكن وضعهم على قدم المساواة مع انتحاريي تنظيم القاعدة يبدو أمرا سخيفا. خصوصا وأن العشرات من الحوثيين قد قتلوا على أيدي انتحاريين من تنظيم القاعدة في الأشهر القليلة الماضية وحدها.
لذا فنحن نرى أن تعبير “إرهابي” التي سيتم استخدامه كأداة للسياسة الخارجية، لإضافة العاطفة في وضع متوتر للغاية بالفعل. برغم انتهاك أمريكا للمصطلح مع حلفاء آخرين.
كانت إسرائيل حريصة على تحويل معركتهم ضد حماس، بسبب النزاع على الأرض، إلى جزء من هذه “الحرب على الإرهاب”. وفي وقت سابق من هذا العام، مارست كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الضغوط على المملكة المتحدة لفتح تحقيق حول صلة جماعة الإخوان المسلمين “بالإرهاب”، في محاولة لحماية شرعية تلك الأنظمة الملكية الاستبدادية.
وفي الأسبوع الماضي، استغلت دولة الإمارات العربية المتحدة كلمة “إرهابية” من خلال وضع 83 منظمة على لائحة “الإرهاب”، حيث ساوت بين تنظيم القاعدة وحركة طالبان والدولة الإسلامية (داعش) وبين الجماعات الإسلامية السلمية (على سبيل المثال التجمع اليمني للإصلاح)، وحتى الجمعيات الخيرية البريطانية ومؤسسات الفكر والرأي المحترمة على نطاق واسع في وستمنستر. كما فعل النظام العسكري الجديد برئاسة السيسي في مصر والمملكة العربية السعودية الشيء نفسه.
أصبحت لغة “الإرهاب” خطيرة مثل الإرهاب نفسه. فقد سمحت للغزوات والتعذيب وفرق الموت الأميركية السرية بالتجول في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كما سمحت للجماعات المتطرفة مثل داعش بأن تتكاثر في الفراغ. وقد استخدمت التهديدات “الإرهابية” لقمع الحريات المدنية على نطاق غير مسبوق ليس فقط للجاليات المسلمة في الغرب، ولكن لأي شخص يستخدم الفيسبوك أو تويتر، أو يرسل بريدا إلكترونيا، أو يجري مكالمات عبر سكايب مع أقاربه في الخارج. فالطغاة يستغلون ذلك المصطلح فقط للبقاء في السلطة.
أحد وسائل وقف الإرهاب هو وقف “الحرب على الإرهاب”. فهناك سبب بأن وكالات الأخبار الرئيسية مثل بي بي سي، ورويترز وآخرون لا يستخدمون كلمة “إرهابي”، فكما أنه مصطلح غير دقيق بطبيعته ومنحاز بحيث لا يصح استخدامه في تقرير، فهو مصطلح خطير وعادة ما يكون قاتلا لا يصح استخدامه في السياسة الخارجية.
المقالة تعبر عن رأي الصحيفة / الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها