السعودية / أوريون XXI – يوم 3 نوفمبر، قام أمير قطر بزيارة للصين استمرّت يومين وهي زيارته الأولى لآسيا الشرقية منذ أن وصل إلى السلطة في يونيو 2013. الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سافر في إطار تعاون اقتصادي وطاقي، ولكن بعيدًا عن اتفاقات الغاز والاتفاقات المالية الّتي تمّ توقعيها يسعى الأمير إلى تشكيل تحالفات دبلوماسية جديدة.
وقد نتجت عن زيارة أمير قطر إلى الصين ـ الّتي تخلّلها لقاء مع الرئيس تشي جين بينغ ـ سلسلة من الاتّفاقيات الّتي تجسّد العلاقة الجيّدة بين العنصرين الفاعلين والّتي تستحضر غالبًا “التكامل” بين تبادلاتها. وعلى المستوى الاقتصادي، البنكان المركزيان للبلاد اتّفقا على العملات من شأنه أنّ يمكّن من “صرف اليوان والريال بمبلغ أقصاه نحو 35 مليار يوان (أي نحو 5 مليار يورو). كما تمّ في إطار هذه العملية توقيع مذكرات أخرى، مثل تخصيص حصّة ما يقرب من 4 مليارات يورو لقطر للاستثمار مباشرة باليوان في أسواق رأس المال الصينية. وقد رحّب البنك المركزي الصيني بهذا الشكل الجديد من التعاون بين الشركات والمؤسسات المالية في البلدين، الّذي يتمثّل تميّزه في أنه سيجرى بالعملة الصينية. وبالنسبة لبنكيي بكين لهذه الاستراتيجية فائدة تتمثّل في “تعزيز المبادلات التجارية الثنائية وتسهيل الاستثمارات”.
وتأتي زيارة الأمير ـ بعيدًا عن طبيعتها الثنائيةـ في إطار أوسع. فضمن التزامها بمنافسة مع الولايات المتّحدة، تسعى الصين إلى حرمان واشنطن من مكانتها كالقوّة الاقتصادية الأولى في العالم. وفي الاتجاه نحو هذا الطموح، تسعى العملة الصينية إلى تعويض الدولار تدريجيًا؛ وبالتالي ليس من الصدفة أن تجري الدوحة وبكين كلّ اتفاقاتهم مع الأخذ بعين الاعتبار تفادي العملة الأمريكية. وأيضًا ضمن هذا المنطق، يجب أن يتمّ وضع المشروع المستوحى من بكين لبنك آسيوي للاستثمار في البنية التحتية الـ AIIB وكانت قطر ضمن 21 دولة وقعت على برتوكول اتّفاق يطمح إلى إنشاء هذا البنك الإقليمي الجديد، وهدفه حلّ محلّ البنك الآسيوي للتنمية الّذي تسيطر عليه اليابان جنبًا إلى جنب مع الولايات المتّحدة الأمريكية.
الكفاح من أجل حصص سوق الغاز
بالنسبة للدوحة، استهداف السوق الصيني الواسع ذو فائدة والزيادة الهائلة في المعاملات التجارية تؤكّد ذلك: خلال عقد من الزمن زادت قيمتها من 1.5 إلى 41 مليار ريال (أي نحو 9 مليار يورو). مثل الدول الآسيوية الأخرى، يقوم الجزء الأكبر من التبادلات على الطاقة، وبالتحديد تصدير الغاز.
كلاعب مهمّ على الخارطة العالمية للغاز الطبيعي، ولكن تواجه بيئة تنافسية جدَّا، قطر في حاجة ماسة إلى تعزيز حصصها من السوق حول العالم. في السنوات الأخيرة، الدخول الكبير للولايات المتّحدة في اللعبة بفضل ثورة الغاز الصخري جعلت من أمريكا أكبر منتج للغاز، وهذا ما كان له نتائج مؤسفة على الزعماء التقليديين للقطاع. لم يُغلق السوق الأمريكي الشمالي سريعًا أمام الصادرات الأجنبية، ولكن صعود هذا العملاق الأمريكي جلب مخاوف من أن يهدّد هذا المنافس المواقع القطرية. من هذه المخاوف وُلدت في الدوحة فكرة توقيع اتّفاقات طويلة المدى مع حرفاء كبار مثل اليابان (الّذي، بعد كارثة فوكوشيما، كثّف من وارداته من الغاز) وأن يظهر كمزوّد يحظى بأولوية من قبل الدول الأخرى.
مع نحو مليار ونصف ساكن وطلب على الطاقة لا يتوقّف عن التضخّم، تظهر الصين كسوق عملاق بآفاق مثمرة. ولعدّة عوامل لا يمكن لفاتورتها الطاقية إلا أن تتضاعف. من جهة، الحاجيات الضخمة للبلاد تشكّل عنصرًا هيكليًّا بسبب الواقع الديمغرافي، ومن جهة أخرى تعتمد السلطات على الطاقات النظيفة لوقف التلوّث الّذي أصبح مزمنًا. وباعتباره أقلّ الطاقات الأحفورية تلوّثًا، يصبح الغاز الأوفر حظًّا. هذا الترتيب لا يمكن سوى أن يسعد قطر الّتي أرسلت يوم 8 أغسطس 2014 أوّل شحنة من الغاز الطبيعي المسال في اتّجاه ميناء صيني.
بالإضافة إلى الطاقة، وجد الاقتصاد حقولًا أخرى، فمع الصناديق السيادية الّتي تقدّر احتياطاتها بـ 170 مليار دولار، طوّرت السلطات سياسة استثمار في نحو 50 دولة ومجموعة منطقة آسيا مستهدفة بالتحديد وقد أعلنت Qatar Investment Authority بالتعاون مع مجموعة صينية، إطلاق صندوق استثمار بـ 10 مليار دولار. وبعد زيارته للصين، زار الأمير أيضًا كوريا الجنوبية بنفس الطموحات. سيول أيضًا -الّتي تعدّ نحو 20 % من صادرات الإمارة- شريك استراتيجيّ مهمّ يتميّز بوجود قطاعات رائدة في مجالات تطمح إليها الدولة مثل التقنيات العالية والسيارات والهندسة أو البناء البحري.
كسر العزلة داخل الخليج
أخيرًا، هذا التحوّل الآسيوي لديه جانب جيو سياسي؛ إذ أن تعزيز العلاقات الاقتصادية هو أغلب الأحيان دعامة لتوطيد الروابط الدبلوماسية وهذا ما يظهر أثناء تحليل المعادلة الاستراتيجية الّتي تربط قطر بالدول الآسيوية؛ إذ إن الصين تعدّ خيارًا كحليف باعتبارها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة والقوّة الاقتصادية الأولى في الأرض مستقبلًا واللاعب المؤثّر شيئًا فشيئًا على القارّة الإفريقية وفي المحيط الشرق أوسطي على السواء. ومن خلال إنشاء رابطة قوية في القطاع الأكثر استراتيجية للطاقة، تسعى الدوحة إلى إطلاق تقارب دبلوماسي يمكّنها من تنويع تحالفاتها. ولئن فوّضت الإمارة أمنها العسكري إلى الجيش الأمريكي، فإنها لا تسعى إلى الانغلاق ضمن منطق الاعتماد الأحادي الّذي يمكن أن يكون ضارًّا. بالإضافة إلى أنّ الإمارة الّتي تواجه عزلة مقلقة من قبل جيرانها، تسعى إلى تعويضها من خلال عقد تحالفات مع الدول الّتي وإن كانت بعيدة، فإنّها لا تزال قوى فعّالة في الأجندة الدولية.
ولئن فتح الاتّفاق الموقّع في الرياض في منتصف نوفمبر نافذة انفراج مع بقية أعضاء مجلس التعاون الخليجي، فإن استمرار التوترات الثقيلة في الكون الزاخر بالأحداث في العالم العربي لا يمثل المستوى نفسه من العلاقات المستقرة والمفيدة للطرفين مع اللاعبين الكبار لرقع الشطرنج العالمية. وفي هذه النقطة، يبدو أن قطر تسعى إلى تدارك تأخرها. وفي 2008 خلال زيارة نائب الرئيس الصيني إلى الإمارة، قبلت الدوحة استضافة فرع للبنك الصناعي والتجاري الصيني لأول مرة في الخليج. وبعد 6 سنوات، أصبحت الإمارة أول مركز في الشرق الأوسط يحصل على تعويضات من عمليات اليوان الصيني.
المقالة تعبر عن رأي الصحيفة / الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها – ترجمة التقرير