السعودية / تيلغراف – تدخل المملكة العربية السعودية، ودول أوبك الأساسية، في مقامرة سياسية هائلة عن طريق السماح لأسعار النفط الخام بالهبوط إلى 66 دولارًا للبرميل، إذا ما كان هدف هذه الدول من كل هذا هو إضعاف منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة. حيث إن الركود العميق في أسعار النفط قد يزيد من الاضطراب الجيوستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط الكبير، ويرتد ضد مشايخ النفط في الخليج، قبل أن يلحق الضربة القاضية بمنافسيهم في الولايات المتحدة.
وقد افتتح زعيم الخلافة، أبو بكر البغدادي، بالفعل “جبهة ثانية” في شمال أفريقيا، تستهدف الجزائر وليبيا، وكذلك مصر ومنطقة الساحل في شمال نيجيريا. وقال اليستير نيوتن، وهو رئيس المخاطر السياسية في نومورا، إن: “صمود إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة قد يكون أكبر من قدرة أوبك على الصمود”.
وبدوره، قال كريس سكيبوفكسي، وهو رئيس التحرير السابق لمجلة بترول بريفيو، إن السعوديين يريدون خفض معدل النمو السنوي لناتج الولايات المتحدة من النفط الصخري من 1 مليون برميل يوميًا إلى نصف مليون برميل يوميًا، من أجل إعادة توازن السوق. وأضاف: “إنهم يريدون إلحاق الاضطراب بنموذج النفط الصخري وتقويض الثقة المالية، لكنهم لن يوقفوا النمو تمامًا”.
وليس هناك شك في أن بروز الولايات المتحدة قد يغير المشهد العالمي للطاقة تمامًا، وقد يشكل تهديدًا وجوديًا لأوبك. حيث إن أمريكا خفضت وارداتها النفطية الصافية بنسبة 8.7 مليون برميل يوميًا منذ عام 2006، أي بما يعادل صادرات النفط من المملكة العربية السعودية ونيجيريا مجتمعة.
وبعد أن كانت البلاد تعاني من عجز تجاري بقيمة 354 مليار دولار في النفط والغاز مؤخرًا في عام 2011، قالت سيتي جروب إن التوازن سيعود ليتحقق بحلول عام 2018، في واحدة من التحولات الأكثر استثنائية في التاريخ الاقتصادي الحديث.
وقد أخطأت أوبك في حكمها على التهديد الأمريكي. ففي وقت متأخر من العام الماضي، كانت المنظمة قد تجاهلت الإنتاج الصخري في الولايات المتحدة معتبرةً أنه ومضة سريعة لا أكثر. ولا يزال عبد الله البدري، وهو الأمين العام للمجموعة، مصرًا على أن نصف إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة هو عرضة للخطر إذا ما كانت الأسعار أقل من 85 دولارًا للبرميل.
ولكن هذا ليس سوى تبجح. فقد قام المنتجون الأمريكيون بتأمين أسعار مرتفعة من خلال عقود المشتقات. وكل من نوبل للطاقة، وديفون للطاقة، على حد سواء، قامت بالتحوط بما هو أكثر من ثلاثة أرباع إنتاجها لعام 2015.
وقالت بايونير للموارد الطبيعية إن لديها خيارات حتى عام 2016 تغطي ثلثي إنتاجها المحتمل. وقال هارولد هام من الموارد القارية: “نحن نستطيع الإنتاج وصولًا إلى 50 دولارًا للبرميل”. وبدورها، قالت وكالة الطاقة الدولية إن معظم حقل باكن الواسع شمال داكوتا “سوف يبقى مربحًا عند أو دون 42 دولارًا للبرميل. وإن سعر التعادل في مقاطعة ماكنزي، وهي المقاطعة الأكثر إنتاجية في الدولة، هو فقط 28 دولارًا للبرميل”.
ويقول مورس إن تكلفة “الدورة الكاملة” لإنتاج النفط الصخري هي ما بين 70 إلى 80 دولارًا للبرميل، ولكن هذا يشمل الاستيلاء على الأراضي والبنية التحتية، وإذا ما تم استثناء نفقات الاستيلاء هذه، فستكون النفقات المتبقية أقل بكثير، ويمكن أن تكون منخفضة إلى مستوى 30 دولارًا.
وربما أساء نقاد النفط الصخري في الولايات المتحدة فهم اقتصادها. حيث إنّه، وفي حين أن هناك انخفاضًا سريعًا في الإنتاج من الآبار الجديدة، ما زال هناك بالمقابل إنتاج متزايد من عدد من الآبار القديمة. وصل نطاق إنتاج حقل باكن بالفعل إلى 1.1 مليون برميل يوميًا، ومن المتوقع أن يتضاعف مرة أخرى على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وقد تكون المشاريع النفطية الأخرى في جميع أنحاء العالم أكثر عرضة لأزمة الأسعار، بما في ذلك مشاريع بحر الشمال، ومشاريع المحيط الأطلسي قبالة البرازيل وأنغولا، ومشاريع الرمال النفطية الكندية، أو خطط روسيا لدخول منطقة القطب الشمالي؛ ولكن الضرر سيكون تدريجيًا.
وفي غضون ذلك، فإن النفط دون 70 دولارًا للبرميل قد بدأ بالفعل في إفساد ميزانيات الدول النفطية لأوبك نفسها. حيث إن تكلفة التعادل مع الموازنة المالية هي 161 دولارًا لفنزويلا، و160 دولارًا لليمن، و132 دولارًا للجزائر، و131 دولارًا لإيران، و126 دولارًا لنيجيريا، و125 دولارًا لمملكة البحرين، و111 دولارًا للعراق، و105 دولار لروسيا، وحتى 98 دولارًا للمملكة العربية السعودية نفسها، وفقًا لسيتي جروب.
وفي حين أن أوبك قد لا تكون قلقة تجاه دول مثل نيجيريا، إلا أنه حتى هناك قد تكون الأزمة الاقتصادية والسياسية الشاملة سببًا في أن يتحول الشمال إلى معقل للجهاديين تحت سيطرة بوكو حرام.
وتشكل الحركات الجهادية المتنامية في المنطقة المغاربية، عند جمعها مع الأحداث في سوريا والعراق، بوضوح تهديدًا أمنيًا من الدرجة الأولى بالنسبة للنظام السعودي نفسه.
المدينة الليبية درنة هي بالفعل في أيدي جماعة أنصار الشريعة التي تعهدت بالولاء للدولة الإسلامية. كما ازدهرت الحركات الإرهابية في سيناء المصرية، مما دفع الزعيم المصري، عبد الفتاح السيسي، للدعوة إلى “التعبئة العامة” لجميع القوى العربية والغربية من أجل هزيمة انتشار هذه الحركات.
ومصدر القلق الجديد هو الجزائر؛ بينما يعيش نظام بوتفليقة عذاباته النهائية. وعن هذا، قال نيوتن: “لديهم مشكلة إرهابية راسخة كما رأينا في الاستيلاء على مصفاة الغاز أميناس، العام الماضي”. وتصدر الجزائر 1.5 مليون برميل يوميًا من المنتجات البترولية.
وبالتالي، فإن السؤال عما سيحدث للجزائر، والعراق، وليبيا، إذا ما بقيت أسعار النفط لا تتجاوز نصف الأسعار المطلوبة لمعادلة ميزانيات هذه الدول خلال سنة أو سنتين، هو سؤال مفتوح.
إعصار السنة السلفيين الذي يجتاح الشرق الأوسط يتحرك وفقًا للإيقاعات الداخلية الخاصة به، وليس وفقًا للرفاه الاقتصادي أو أسعار النفط وحدها. لكن، ورغم ذلك، فإن السلالة الحاكمة في المملكة العربية السعودية تختبر مصيرها إذا ما كانت تراهن على أن النظام السياسي المتهالك في الشرق الأوسط يمكنه الصمود أمام صدمة اقتصادية إقليمية لمدة عامين آخرين.
*أمبروس إفانس بريتجارد
المقالة تعبر عن رأي الصحيفة / الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها – ترجمة التقرير