السعودية/ أ ف ب- ينتظر محمد عرفان (27 عاما) في سجنه بالسعودية متى يحين وقت إعدامه، مثله عشرات الشباب الباكستانيين من الفقراء الذين يعدمون سنويا بالمملكة بعدما أوقعت بهم شبكات مافيا المخدرات واستعملوا كـ”بغال” لإدخال المخدرات للسعودية.
لا يزال الشيخ حاجي يستيقظ مذعورا كل صباح، خبر إعدام ابنه بالسعودية التي تعتزم إعدامه ينتظره كل لحظة، مثل الكثيرين من فقراء مهربي المخدرات الباكستانيين الذين سقطوا رغما عنهم في حبائل المافيا.
وتتوالى برقيات وكالات الأنباء وسط لا مبالاة تامة. قمران غلام ومحمد صهيب وباز محمد غول جميعهم أعدموا في الأشهر الأخيرة في السعودية. ومنذ بداية العام أعدم ما لا يقل عن 74 شخصا بينهم 15 باكستانيا أدينوا بتهريب الهيروين.
شباب من عائلات فقيرة
وفي سجنه بالسعودية ينتظر محمد عرفان (27 عاما) دوره ليعدم على بعد آلاف الكيلومترات من بساتين البرتقال وحقول القمح في موطنه البنجاب بشرق باكستان حيث أدلى والده حاجي عبد الحق بتصريحاته لفرانس برس.
وروى هذا الأخير كيف عرض رجلان قبل أربع سنوات على الأسرة إيصال عرفان للسعودية مقابل ألفي دولار. وهو ما كان سيتيح لسائق عربة “الركشو” الشاب مغادرة حيه الفقير إلى حياة مكيفة في الخليج.
وباع عرفان عربته التي تدفع باليد وحلي زوجته ليؤمن المبلغ. واقتاده الرجلان إلى كراتشي كبرى مدن جنوب باكستان وأحد المعابر الرئيسية لتهريب الهيروين الأفغاني.
وفي تلك المدينة بدأت التعقيدات.
وأضاف حاجي بائع الشاي البسيط أن الرجلين قالا لابنه “إذا لم تفعل ما نطلب منك سنقتلك ونؤذي أسرتك (..) ثم أدخلا قرصي هيروين في شرجه”.
ثم وضعه أرباب عمله الجدد في طائرة متجهة إلى المملكة السعودية. وعند وصوله إلى مطار الرياض تفطن إليه رجال الجمارك ثم حكم عليه بالإعدام في محاكمة خاطفة.
“البغال” التي تنقل الهيروين
وحكايات هؤلاء الشباب الذين يطلق عليهم اسم “البغال” التي تنقل الهيروين كثيرة جدا في باكستان. لكنها تبقى طي الكتمان لأن الأسر تفضل في الغالب السكوت عن إعدام قريب في جريمة لا تلقى أدنى تعاطف.
واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن “عقوبة الإعدام تستخدم بشكل غير متناسب ضد الأجانب” في السعودية خصوصا بحق العمال القادمين من دول جنوب آسيا مثل باكستان.
ومنذ 1985 تم إعدام نحو 2100 شخص نصفهم من الأجانب في السعودية.
وداخل سجون المملكة بدأ المحكوم عليهم بالإعدام الباكستانيين يتبادلون رقم هاتف سهيل يافت المحقق لدى منظمة “دجستس بروجكت باكستان” (مشروع عدالة باكستان) الذي يحاول توثيق هذه الحالات لإجبار السلطات الباكستانية على الدفاع عنهم.
ويقول يافت “هؤلاء المحكوم عليهم هم أناس فقراء جدا بيع لهم (وهم) فرصة الخروج من الفقر وصنع شيء في حياتهم”. وفي السجن لا يتم إبلاغهم بموعد إعدامهم ويستمرون في العيش دون أن يعرفوا أن كانوا سيكونون على قيد الحياة في اليوم الموالي.
ويروي ظفار حياة الذي أمضى نحو 15 شهرا في سجن سعودي بعد إدانته بحيازة هيروين، أنه التقى الكثير من مواطنيه الباكستانيين المحكوم عليهم بالإعدام بينهم محمد أشرف الذي أعدم في شباط/فبراير. وحكى له هذا الأخير كيف عمد مهربون باكستانيون إلى “وضع مسدس على صدغه وإجباره على ابتلاع مخدرات”.
وطالما هناك طلب على المخدرات فستكون هناك “بغال”. فنصف الهيروين الأفغاني يمر عبر باكستان باتجاه أوروبا وآسيا. لكن في السنوات الأخيرة فرض الخليج نفسه كوجهة بديلة لمهربي المخدرات.
وتزايدت عمليات ضبط الهيروين سنويا في السعودية بشكل كبير لترتفع الكميات من كلغ واحد في سنوات الألفين إلى 41 كلغ في 2008 ثم 111 كلغ في 2011، بحسب معطيات أرسلتها السلطات السعودية إلى الأمم المتحدة دون أن توضح إذا كانت المخدرات تستهلك محليا أم تتم إعادة تصديرها.
وتقول السعودية أنها تسعى إلى “حماية المجتمع” السعودي لكن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان تندد بنظامها القضائي.
وتقول سارة لي ويتسون مديرة هيومن رايتس ووتش لمنطقة الشرق الأوسط “الأحكام تصدر بشكل اعتباطي خصوصا بسبب عدم وجود قانون جزائي. فالقاضي وحده من يحدد ما يعتبر جريمة وما هي الأدلة الكافية لإدانة أي شخص”.
ثم هناك سلبية الحكومة الباكستانية الحليف الرئيسي للسعودية. وتوفر الرياض لباكستان البلد المسلم الوحيد الذي يملك السلاح النووي، النفط ومساعدة مالية مهمة في مقابل مساعدة عسكرية باكستانية للسعودية.
وترى المحللة عائشة الصديقة أنه بالنسبة لباكستان “العلاقة مع السعودية بالغة الأهمية لدرجة لا يمكن معها التضحية بها للدفاع عن أفراد تعتبرهم مسؤولين” عن مصيرهم.
وراسل حاجي عبد الحق العديد من المسؤولين الباكستانيين ليتدخلوا لدى السعوديين لمصلحة ابنه. وقال وهو يجلس إلى جانب ابنتي عرفان وإحداهما لم تر أبدا والدها، “أن مافيا المخدرات تشبه الشجرة. السعوديون يقطعون الفروع لكن الجذع والجذور لا تزال باقية”.