حرّكَ هجومُ باريس الأيديَ، تلقائياً، نحو المملكة. قبل الهجومِ، كانت حدودُ المملكةِ الشّماليّة على موعدٍ مع هجومٍ انتحاريّ آخر.. هجومٌ لم يحتجِ المعنيّون كثيراً من الوقتِ من أجلِ استذكارِ البئرِ الأيديولوجيّ الذي ينهلُ المهاجمون منه في باريس وعرعر. وهي البئرُ ذاتُها التي تُروّي غريزةَ القتْل الهجميّ في مناطقِ القتالِ في سوريا والعراق اليوم.
هذه البئرُ ليست بعيدةً عن أيدي الهيئةِ التي اعتدت على الشّابِ الحربيّ يوم أمس، وهي الأيدي نفسُها التي ستبدأ تنفيذَ حكمَ الجلْدِ يوم غدٍ الجمعة ضدّ المدوّن المعتقل رائف بدوي. إنّها الأيدي التي صافحت المقاتلين بعد أن أسبغت عليهم صفةَ المعارضة والاعتدال، وهي الأيدي التي صدّرت الفتاوى والتي فتحت الأبوابَ والنوافذَ أمام الجحافلِ للانخراط في مجموعاتِ القتل الطائفي في أكثر من مكان بالعالم. إنها الأيدي التي تعبثُ بالثروة، وتصبّ بئرَ التطرّفِ بآبار النّفط، لتكتمل صورةُ المملكةِ الغارقة في الفوضى.
بيدِها يمكن للمملكةِ أن تنتشلَ نفسَها من هذه الفوضى. بيدها يُتاح لها أن تُغلِقَ الأبوابَ، وأن تردمَ آبارَ التطرف. وبيدها تستطيعُ المملكةُ أن تُلوِّح لمواطنيها ولجيرانها وللعالم بتحيّةِ السّلام، والمحبةِ، والتّسامح. يمكن أن تفعل المملكةُ كلَّ ذلك، وبيدها.. إلا أنّ هذه اليد، وحتّى اللحظةِ، لازالت مغلولةً إلى عُنقِ الاحترابِ الداخليّ على السّلطةِ، ولهيبِ التطرّفِ المجبولِ على أخلاقِ القرون الوسطى… وإلى أن تُحرّرَ هذه اليدِ، وتُصبحَ جاهزةً لمصافحةِ المواطنين وإلقاءِ تحية الإسلام.. فإن المملكةَ ستظلُّ حبيسةَ أوهامِها ومعضلاتِها الكبرى..