عندما دعا وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، في منتصف الشهر الماضي، إيران إلى الحوار، تصور البعض أن الحوار أصبح قاب قوسين أو أدنى، خاصة أن الملفات المتشابكة كبيرة، وبعضها تحول الى اشتباك كبير. لم تلق الدعوة السعودية آذاناً صاغية في طهران. ليس لأن إيران غير راغبة فيه، بل لأن المملكة، من وجهة نظر إيرانية، غير جدية في قيام حوار بنّاء، لا سيما في ما يتعلق بمحاربة الارهاب.
وترى بعض الاوساط المقربة من الخارجية الايرانية أن المملكة غير جاهزة حتى الآن للدخول في حوار منتج، في ظل المراهنة على قلب النظام في سوريا، وتحقيق مكاسب في العراق، في ظل معطيات متعاضدة تؤكد قيام المملكة بدعم الحركات الارهابية في كل من سوريا والعراق واليمن وغيرها.
المعطيات عند طهران تتقاطع مع معطيات أخرى في عواصم غربية عدة. فالعديد من أجهزة الاستخبارات الغربية رصد نشاطاً استخبارياً سعودياً يتعلق بدعم العديد من المنظمات الارهابية.
وينظر العديد من الأجهزة الاستخبارية ومراكز الأبحاث الى قرارات المملكة المتعلقة بمحاربة الارهاب على أنها ليست ذات صلة بوقف دعم هذه التنظيمات، بل هي تتعلق أولاً وأخيراً بحماية أراضي المملكة من انقلاب بعض العناصر، لا سيما السعودية منها، على حكام المملكة «وولاة الأمر» فيها، وقيامهم لاحقاً بعمليات داخل أراضي المملكة، في استنساخ لما حصل بين عامي 2000 و2003. لذلك فإن القرارات الأخيرة للمملكة إنما تهدف إلى إخراج العناصر السعودية من عمل التنظيم.
منذ 2003 تسعى السعودية للإمساك بتنظيم القاعدة
خطوة المملكة هذه ليست بالجديدة. فهي تسعى منذ عام 2003 للإمساك بتنظيم القاعدة، عبر تفكيكه وتحويله الى تنظيمات متعددة يعمل بلامركزية قيادية، ما يسهّل الإمساك بقراره وضبط إيقاعه. وبالفعل نجحت المملكة الى حدّ كبير في إضعاف مركزية قرار التنظيم عبر تشكيل تنظيمات رديفة في كل من العراق وسوريا واليمن. وبدأت هذه البصمات تتضح معالمها بعد مقتل أبي مصعب الزرقاوي وتسلّم البغدادي مكانه.
هذه اللامركزية في عمل التنظيم، التي سعت إليها المملكة، كانت وراء الدافع الأكبر للانسحاب الشكلي في دعم داعش سوريا مع بقاء دعم داعش العراق، لأن المملكة ترى أن تمدد نفوذ داعش خارج العراق لا ينسجم مع خططها بعدم توسع عمل أي تنظيم خارج الحدود الموضوعة له. يأتي دعم داعش العراق مع دعم أطراف أخرى هناك، «كأنصار السنّة» و«الجيش الإسلامي» و«كتائب ثورة العشرين» التابعة للشيخ حارث الضاري، إضافة الى مساعدات لبقايا حزب البعث، على رأسها النقشبندية التي يتزعهما عزة الدوري.
وفي سوريا، ورغم إعلانها الشكلي عن تصنيف جبهة النصرة منظمة إرهابية، إلا أن تشكيلات موالية للمملكة كـ«الجبهة الإسلامية» و«الجيش الإسلامي» وغيرهما ينسقون مع جبهة النصرة بشكل كبير، إضافة الى أن المملكة لم تضع زعيم الجبهة أبو محمد الجولاني على قائمة الارهاب.
وينسحب هذا الموقف المتضارب للممكلة على الساحة اليمنية أيضاً؛ ففي الوقت الذي صنّفت فيه جماعة «الإخوان المسلمين» إرهابية، تقوم بدعم حزب الاصلاح التابع لآل الأحمر، وهو حزب إخواني، وكذلك تدعم الجيش اليمني في مناطق صنعاء وعمران، لكنها تقدم الدعم لتنظيم القاعدة في مناطق الجنوب. أمام هذه الازدواجية وعدم الجدية في محاربة الارهاب، بل دعمها له، ترى طهران أن عناصر الحوار مع الرياض لم تنضج بعد، وأن الحوار لا يمكن أن يأتي أكله إلا بعد أن ترفع المملكة يدها جدياً عن دعم هؤلاء، وأن تقتنع بأن دعم الارهاب واعتماده وسيلة لتحقيق المآرب لا يمكن أن يوصلا الى أي نتيجة، بل سيرتد عليها عاجلاً أو آجلاً.
مصادر إيرانية تنظر الى ما جرى ويجري في العراق الآن بزوايا متعددة، وقرارات مختلفة. ورغم تعدد القراءات، فإن العامل السعودي عامل مشترك في جميعها. أحد هذه الأهداف هو محاولة سعودية للانقلاب على نتائج الانتخابات العراقية بعد تراجع احتمالات قيام حكومة عراقية لا يترأسها المالكي. وترى طهران أن ما يجري في العراق هو انقلاب أولاً، وسعي للضغط على طهران للجلوس الى طاولة المفاوضات ثانية، ورسالة سعودية الى الغرب المفاوض لإيران أنها قادرة على قلب الطاولة على الجميع ثالثاً.
إلا أن طهران، وفق هذه الأوساط، ترى أنها غير معنية بالتدخل السريع في الأحداث الاخيرة لأسباب عدة:
1ــ لأن الشعب والجيش العراقي قادران على الدفاع عن نفسيهما وإعادة الامور الى نصابها، لا سيما في المناطق الوسطى كصلاح الدين وبعض أطراف نينوى.
2ــ لأن العاصمة بغداد ليست في خطر كما يروّج لذلك بعض الاعلام المعروف الانتماء والتمويل.
3ــ لأن المناطق التي تقع فيها المقامات الدينية، لا سيما كربلاء والنجف الاشرف، محصنة بشكل جيد، وكذلك بغداد، أما سامراء فقد تمت المسارعة إلى تحصينها وحمايتها بواسطة قوات شعبية جيدة التدريب والتجهيز.
4ــ لأن طهران تعتبر نفسها معنية بالتدخل الفوري في حال حصول تهديد جدي يطال المقامات الدينية أولاً، وحدودها ثانياً.
5ــ لأن الجيش العراقي قد يضطر إلى سحب بعض قطعاته العسكرية من مناطق الجنوب الغربي المتاخم للحدود الاردنية من جهة، والحدود السعودية من جهة أخرى، ما يعني وصول الإرهابيين الى حدود المملكة.
6ــ لأن المتضررين من انتشار الارهاب في العراق كثر، وهم سيتحركون لاحتوائه، وتحركهم أفضل من تحرك إيران في الوقت الحالي، منعاً لتحول الحرب الى حرب طائفية، فضلاً عن أنه في حال وجد المجتمع الدولي أنه عاجز عن التحرك بفاعلية، فإن تدخل إيران سيتحول الى مطلب دولي.
لا تشك طهران للحظة واحدة في الطرف الذي يقف وراء هذا التحرك، لكنها في الوقت نفسه لا تشك للحظة واحدة في أن هذه التطورات سيتم احتواؤها.
وهي أخيراً ترى أنها جاهزة للحوار مع الرياض على أن يكون الحوار جدياً ويتعلق بمحاربة الإرهاب أولاً وأخيراً.
محمد محمود مرتضى – الأخبار اللبنانية