السعودية / نبأ – إعتبرت صحيفة “المونيتور” أنه من سخرية القدر أن تكون المملكة العربيّة السعوديّة شريكاً مهمّاً في الجهود الدوليّة الهادفة إلى القضاء على داعش ومحاربة الإرهاب. ومن المحيّر أن يتعاون التحالف مع نظام ضدّ آخر في حين أنّ الاثنين لديهما الكثير من النقاط المشتركة.
وأشارت الصحيفة أنّ المملكة العربيّة السعوديّة وداعش يحبّان على ما يبدو تنفيذ عمليّات الإعدام وغيرها من أشكال العقاب في العلن. قد يكون هناك منطق أعوج وراء التحالف الدوليّ مع المملكة العربيّة السعوديّة ضدّ داعش. وقد يحرص التحالف في نهاية المطاف على أن يكون هناك بلد واحد شرعيّ وسياديّ ومعترف به دوليّاً في المنطقة العربيّة يُعتبر قطع الرؤوس العلنيّ فيه وغيره من أشكال العقاب الجسديّ ممارسات عاديّة لا تستدعي الانتقادات.
وأشارت الصحيفة إلى قضية المدوّن السعوديّ الليبراليّ رائف بدوي، الذي أدين بإهانة الدين وانتقاد الفقهاء الدينيّين، 50 جلدة في العلن كجزء من الحكم الصادر بحقّه والمتمثّل بألف جلدة، و10 سنوات في السجن وغرامة محدّدة. مشيرةً إلى أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة وبريطانيا، من بين بلدان أخرى، عبروا عن قلقهما بشأن قسوة العقوبة ودعت الملك الراحل عبدالله إلى إصدار أمر بمراجعة قضيّة بدوي.
وأشارت الصحيفة إلى قضية قطع رأس إمرأة سعودية من أصل بورميّ تدعى ليلى عبد المطلب باسم كانت تقيم في مكّة وأدينت بتعذيب ابنة زوجها البالغ من العمر 7 سنوات وقتلها، لافتةً إلى أنّ الشرطة الأمنيّة قد قامت بجرّ المرأة المحجبة بالأسود من الرأس إلى أخمص القدمين إلى جانب الطريق مع حبل حول عنقها، وأجبرتها على الجلوس بينما كان شرطيّاً يمسك الحبل. وانتظرها الجلّاد الذي كان يحمل سيفاً حتّى تتوقّف عن الحراك كي يتمكّن من قطع رأسها. واستغرق الأمر وقتاً لأنّ المرأة كانت تحرّك أطرافها بهستيريّة وتصرخ بصوت عالٍ: “لم أقتل! لم أقتل! لن أسامحكم أبداً!”، في إشارة واضحة إلى أنّها لم تتلقَّ مسكّناً قبل الإعدام ولم تعترف بقتلها ابنة زوجها.
وتسائل الصحيفة: لماذا يتمّ قطع الرؤوس في العلن؟ وتابعت: “ربّما يفضّل النظام ألا يشاهد أحد سوى السعوديّين عمليّات الإعدام بقطع الرأس، وقد يشكلّ شريط فيديو متداول على ناطق واسع مصدر إحراج. وتحت ذريعة الحرص على مشاعر أقرباء المرأة، أمرت السلطات السعوديّة بفتح تحقيق في تصوير عمليّة الإعدام”.
وإعتبرت الصحيفة أن السعودية هي الوحيدة من بين الدول الإسلامية تفسّر الشريعة الإسلاميّة بطريقة متشدّدة وتدعي أنها تحكم بناءاً على رسالة الإسلام المعلنة.
وإعتبرت الصحيفة أنّ هذا العنف العلنيّ يهدف إلى تخويف المتفرّجين وزرع الخوف في نفوس شعب مُكرَه. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة داعش في سوريا والعراق، وبوكو حرام في نيجيريا، وطالبان في أفغانستان، أصبحت أشكال العقاب هذه شائعة. وتحاول المملكة العربيّة السعوديّة تهدئة المواطنين المهتاجين الذين يطرحون علامات استفهام – وإن سرّاً – حول مشاركة النظام في قصف داعش وتعاونه في التحالف الدوليّ ضدّ هذا التنظيم.
وإعتبرت الصحيفة أنّ مشكلة النظام القضائيّ السعوديّ لا تنبع من دين إسلاميّ عامّ خارج عن التاريخ والسياق، بل تكمن في التفسير السعوديّ للشريعة. ويتولّى هذا التفسير قضاة متخرّجين من جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، وهي معقل للوهابيّة يسعى إلى كبح التنوّع القانونيّ في داخل الإسلام.
ورأت أن المشكلة الثانية تكمن في خضوع القضاة لوزارة الداخليّة ووزيرها الأمير محمد بن نايف. فقد استخدم الأمير ووالده قبله، الأمير نايف، هذه الوزارة كذراع آخر لجهاز الدولة القسريّ، فقاما بتجريم أيّ شكل من أشكال الانشقاق وتوسيع رقعة الأفعال المصنّفة على أنّها جرائم ذات عقوبة قاسية.
وتضمّ الحكومة مجموعة كبيرة من الموالين الوهابيّين، من بينهم قضاة ودعاة وأفراد من الشرطة الدينيّة وأساتذة. ومن حين إلى آخر، تطمئن الوزارة هؤلاء بأنّها لا تزال وفيّة للعقد الأصليّ بين عائلة آل سعود والوهابيّين.
ينصّ العقد على أنّه يتعيّن على الدولة التقيّد بتفسيرات الوهابيّين الدينيّة. في المقابل، يتعيّن على الوهابيّين العمل بجهد لترويض الشعب والحرص على إخضاعه للسلطة الملكيّة. وتشكّل المحكمة أحد الأماكن التي يستطيعون من خلالها إسكات هذا الانشقاق السلميّ في السجن، أو جلد في العلن.
وينبغي النظر إلى ما حصل لبدوي وليلى عبد المطب باسم في هذا السياق بالذات، أي أنّ هناك شريكين يؤكّد واحدها للآخر التزامه بالعقد الأصليّ، على الرغم من منافسة آخرين لهما على الدولة الإسلاميّة. إنّ أشكال العقاب العلنيّة القاسية هذه تتعارض إلى حدّ كبير مع تعريف المملكة السعوديّة عن نفسها بأنّها مدافعة عن حريّة التعبير وحليفة مهمّة ضدّ الإرهاب.