ليس من الحكمة ان يلدغ المرء من جحر مرتين، فالحكومات الخليجية وعلى رأسها السعودية أنشأت ودعمت التنظيمات الارهابية ومنها القاعدة في افغانستان، بأمر من الامريكيين لمواجهة القوات السوفيتية هناك،
وعندما انتهت الحرب عاد السعوديون (الافغان العرب) الى بلادهم وصوبوا اسلحتهم نحو قوات الامن والشرطة والجيش وكم تحملت هذه القوات من خسائر حتى تمكنت من اعتقال وقتل الافغان العرب وهي لا تزال تصدر القوانين تلو القوانين لما يسمى بمكافحة الارهاب للتخلص من الجماعات الارهابية التي تدربت في الخارج وعادت الى بلادها لاقامة الدولة الاسلامية فيها .
وها هي السعودية لم تأخذ العبرة من الماضي ومن حرب افغانستان ، فهي دعمت وجهزت تنظيم داعش والتنظيمات الارهابية الاخرى مثل النصرة والقاعدة لتحارب النظام السوري ولتقضي عليه ، ولكن الاهداف السعودية لم تتحقق هذه المرة، ولم يسقط نظام بشار الاسد رغم ملايين أو مليارات الدولارات من الدعم المالي والتسليحي من جانب السعودية واخواتها في مجلس التعاون .
وها هي داعش تنمو وتجتاح المحافظات العراقية بالتعاون مع قادة جيش صدام والبعثيين بقيادة عزة الدوري وتريد اقامة الخلافة في كل من العراق والشام وهي كما نشرت خارطتها تريد الوصول الى لبنان والاردن والكويت لتبني دولتها الاسلامية هناك أيضا .
أحد الكتاب الذين يكتبون في الصحف السعودية يعترف بأن مشروع دولة داعش يعمل على ثلاث مراحل، يبدأ من مرحلة السطوة والسيطرة ثم مرحلة عدم الاحتكاك مع مسلحي الفصائل الأخرى التي أسهمت معه عسكرياً إلى مرحلة التخيير بين فرض البيعة على كل من يحمل السلاح في مناطق نفوذه وإلا مصيره القتل". فمستقبل الجماعات التي تعاونت مع داعش في اجتياح الموصل معلوم إما ان تستسلم لداعش واما أن تذوق الموت .
ولكن القضية لم تنتهي هنا، بل ان تنظيم داعش يخطط ليكون القوة الاعظم في الشرق الاوسط ، وها هو لديه المال الذي سرقة من البنك المركزي في الموصل ويقدر بنحو 420 مليون دولار والأموال التي جناها من بيع النفط السوري وفرض الخوة على السوريين وتقدر ميزانية هذا التنظيم بملياري دولار يمكنه بهذا المال ان يدفع مرتبات اعضائه ويشتري السلاح من السوق السوداء اضافة الى السلاح الذي غنمه من سيطرته على ثكنات الموصل وقواعد الجيش العراقي هناك.
تنظيم داعش الذي يحظى بدعم مالي تسليحي واعلامي من جانب دول خليجية معروفة ، وهي جميعها تريد ان ينتصر التنظيم على الجيوش النظامية في سورية والعراق وان يحقق التقسيم المطلوب في البلدين، لا يمكنه ان يكتفي بالتفرج على الدول الخليجية وهي تحكم الشعوب العربية بمساعدة القوات الامريكية والقواعد الامريكية في هذه الدول ، بل ان هذا التنظيم لو قدر له ان يفرض سيطرته على اجزاء كبيرة من العراق سوف يتوجه الى الدول الخليجية الاخرى ولا سيما الاردن والسعودية والكويت ، لانه يحاول منذ ايام السيطرة على المراكز الحدودية بين العراق وكل من سوريا والاردن والسعودية .
تنظيم داعش الارهابي له اجندته التي تختلف عن اجندة السعودية وباقي الدول الخليجية التي اعربت عن رضاها لتطورات الاوضاع في العراق واعلنت على الملأ بأنها تريد سقوط حكومة نوري المالكي ، ولم تفكر يوما بان خطر داعش يهدد كيانها مستقبلا ، وسوف لن تنجو من سطوة الداعشيين الذين لا يمكن ان تقف امامهم جيوش أقل قوة وتدريبا من الجيش العراقي المنهار. الحكام الخليجيون فرحون بما يجري في العراق وهم يشجعون تقسيم سوريا والعراق بعد ان لم يتمكنوا من اسقاط الحكومتين فيهما وهم مرتاحون لجرائم داعش واخواتها ، ولكن في نفس الوقت قلقون من المستقبل وما اذا كان هذا التنظيم سيلاحقهم بإعتبارهم مانعا في طريق اقامة دولته في المنطقة واثبات قوته وجدارته للامريكان والاوروبيين .
تنظيم داعش سوف لن يحقق أهدافه وخاصة إقامة دولته التي يريد ان يحكمها بقوانين متشددة وبالية يدعى أنها مأخوذة من تعاليم الاسلام ، انه يسير على نهج حركة طالبان التي اجتاحت الاراضي الافغانية واقامت دولتها فيها ، وقد فشلت بسبب افكارها البالية وسيرها عكس التيار ولم تتمكن من الاحتفاظ بقوتها وسطوتها ، وقد هزمت اخيرا واكتفت بالسيطرة على عدة مدن في افغانستان ، تقيم عليها دولتها الهزيلة ، وتستخدم الارهاب وسيلة لتعزيز سلطتها .
داعش لا يمكنه ان يحكم الملايين من ابناء شعوب المنطقة عن طريق فرض آرائه المتشددة بل انه سوف يطرد من المنطقة بسبب نظرته المنغلقة وافكاره الرجعية وقتله الابرياء وقطعه الرؤوس والايدي والارجل وتصفيته لمنافسيه من الجماعات الارهابية التي لا يمكنه ان يتحملها الى جانبه .
*شاكر كسرائي