السعودية/ نبأ- مع ملك جديد، ووزير دفاع شاب، لم يُختبر، خاضت الرياض الحرب في اليمن، وأصبح وضع المملكة القيادي في العالم العربي على المحك.
بتلك الكلمات استهلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرها عن الحرب السعودية على اليمن بحجة انقاذ الشرعية في الجار الجنوبي.
ويشير تقرير المجلة المتخصصة في شئون العلاقات الدولية، إلى أن الضربات الجوية، وتحركات القوات، والتفجيرات الانتحارية التي تتصدر عناوين لأخبار اليوم ليس لها علاقة بالصراعات طويلة الأمد حول إسرائيل وفلسطين وسوريا، أو برنامج إيران النووي.
لا تعتقد أن الأحداث في اليمن، على الرغم من ذلك، هي أحداث هامشية؛ إنها صراعات مركزية في ميزان القوى في العالم العربي، وفي التوترات داخل العالم الإسلامي، وهي المخاوف الرئيسة في سوق النفط العالمي. القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية، والتي بدأت الضربات الجوية ضد "أنصار الله" الحوثيين في 26 مارس والتي تُحكم قبضتها على السُلطة العسكرية، هي لاعب رئيس في تشكيل مسار هذه الحرب الجديدة المضطربة في الشرق الأوسط. لا تزال مشوّشًا؟
حسنًا، فكر في حقيقة أن وزيره الدفاع الجديد، الأمير محمد بن سلمان، والابن المفضل للملك، والذي تولى منصبه منذ شهرين فقط، هو الشخص المحوري في صنع القرار السعودي.
واليوم، تنشر وكالات الأخبار العربية صورة له يترأس فيها اجتماع لكبار القادة السعوديين. تخفي لحيته الكبيرة صغر سنه -تفيد تقارير بأن عمره يتراوح بين 27 إلى 35 عامًا. وفي كلتا الحالتين، فإنه لا يملك أي خبرة عسكرية.
قبل يومين، حضر الأمير محمد الاجتماع الاسبوعي لمجلس الشؤون الأمنية والسياسية، وهو أعلى هيئة لصنع القرار شكلها الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود. جلس أمام وزير الخارجية سعود الفيصل، الذي يتحمل مسؤولية الشؤون الدولية السعودية منذ قبل ولادة الأمير محمد، وإلى اليسار من رئيس المجلس، وزير الداخلية ونائب ولي العهد، الأمير محمد بن نايف، ابن عمه وأكبر منه سنًا، والذي يرى مراقبون سعوديون أنه منافس له في السيطرة على ملف اليمن.
وكان محمد بن سلمان، وليس أبناء عمومته الأكبر سنًا، الذي سافر إلى مطار الرياض اليوم لتحية الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، لدى وصوله إلى العاصمة السعودية.
قد يكون الأمير محمد بن سلمان شابًا ولا يمتلك الخبرة، ولكن هذه العيوب يوازنها قُربه من والده، الملك سلمان البالغ من العمر 79 عامًا والذي يقال إنه بمثابة الذاكرة المتحركة له.
دور الملك في تطوير السياسة بشأن أزمة اليمن سريعة الحركة ليست واضحة. ويبدو أنه عُقد اجتماع هام في 21 مارس عندما زار أولياء العهد في البحرين والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى رئيس الوزراء القطري ونائب رئيس الوزراء الكويتي، الرياض. وترأس هذا الاجتماع وزير الداخلية محمد بن نايف، ولكن حضر أيضًا محمد بن سلمان. يجب أن يظهر مؤشر الدور القيادي الفعلي للملك في القمة العربية التي تُعقد في نهاية هذا الأسبوع في منطقة البحر الأحمر منتجع شرم الشيخ.
القضية الرئيسة على جدول الأعمال في شرم الشيخ ستكون استعادة هادي إلى السلطة في صنعاء. ومع ذلك، في هذه المرحلة، يبدو أن ذلك أكثر من مجرد طموح. ويبدو أن الضربات الجوية اليوم كانت تهدف إلى إضعاف قدرة الحوثيين لتهديد المدن السعودية، وليس لانتزاع السيطرة على العاصمة اليمنية.
يصل الارتباك السعودي بشأن "أنصار الله" الحوثي، وهم من الشيعة الزيدية -وبالتالي، ومن وجهة نظر الكثيرين في المملكة، ليس من المسلمين- إلى الخوف من أنهم سوف يطلقون صواريخ على مكة المكرمة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الضربات الجوية تثير عداء الحوثيين بدلًا من ردعهم. أدان زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي المملكة العربية السعودية اليوم باعتبارها دمية في يد إسرائيل والولايات المتحدة، قائلًا إن جماعته “تواجه القوات المجرمة وأدواتهم في البلاد”.
توضح الأزمة اليمنية أيضًا إلى أي مدى يستمر فريق الملك سلمان، أو يتحول عن السياسة الخارجية للملك الراحل عبد الله. كان الملك السابق مهووسًا بالتخلص من الرئيس السوري بشار الأسد واحتواء دور حزب الله في لبنان. وفي إحدى برقيات وزارة الخارجية التي نشرها موقع ويكيليكس، أعلن عن رغبته في “قطع رأس الأفعى”؛ يقصد إيران.
الاختلاف الرئيس في القيادة الجديدة في السعودية حتى الآن هو أن علاقة الملك سلمان مع أمير قطر الجديد، تميم بن حمد آل ثاني، تبدو أفضل بكثير من علاقة الملك عبد الله مع القيادة السابقة للجارة الخليجية الثرية. وسوف يخبرنا الوقت إذا كان هذا مجرد تغيّر أسلوبي، أم تغيّر جوهري في العلاقة بين البلدين.
وعلى الرغم من عودة قطر إلى الساحة بعد خلاف دبلوماسي مع الرياض، إلا أن مجلس التعاون الخليجي -تتكون من المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان-، لا يزال يبدو أنه مكون من خمسة أعضاء بدلًا من ستة، بسبب السلوك العماني الخاطئ.
القائد العُماني المنعزل، السلطان قابوس، الذي عاد هذا الأسبوع بعد ثمانية أشهر من العلاج الطبي في ألمانيا، يبدو أنه يستمتع بكونه الرجل الغريب المفارق للنسق. عندما استولى الحوثيون على صنعاء الشهر الماضي، أعلنوا على الفور تقديم 28 رحلة أسبوعيًا بين اليمن وإيران (لم يكن هناك أي رحلات بين البلدين). هذه الرحلات، والتي يمكن أن تحمل أسلحة إيرانية وربما مستشارين، تطير فوق عُمان. يبدو أن هناك الكثير للتضامن مع دول مجلس التعاون الخليجي.
قد تعني القمة العربية أيضًا أن مصر عائدة كزعيم إقليمي في الشرق الأوسط. في ظل انتهاء عصر حسني مبارك ونظامه الاقتصادي، فإن المملكة العربية السعودية أضافت بشكل فعّال إلى قيادة العالم العربي وأعادته إلى وضعه الحالي كقائد للعالم الإسلامي. تسارعت وتيرة هذه المكانة خلال العام الفوضوي من حُكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي. ولكن منذ ظهور الرئيس عبد الفتاح السيسي -وانتقال الحُكم في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى انهيار أسعار النفط- ازدادت مطالبة مصر بأن تكون في موقع السُلطة. فالقاهرة الآن على وشك الدخول في حرب اليمن، أيضًا.
قد لا يستمر التنافس الدبلوماسي على القيادة الإقليمية، ولكن كلا البلدين لديه مصالح جغرافية في التأكد من انتهاء الأزمة في اليمن. تنظر المملكة العربية السعودية إلى اليمن باعتبارها ساحتها الخلفية، وتواجه تهديدًا إرهابيًا محتملًا من الجهاديين الذين استقروا في المناطق النائية في البلاد. مصر بعيدة عن اليمن؛ ولكن اليمن تتحكم في مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
كميات النفط التي عبر هذه الممرات البحرية أقل من الكميات التي تمر عبر مضيق هرمز عند مدخل الخليج العربي، ولكن أي تدخل يؤثر على قناة السويس عند الطرف الشمالي، مصدر القوة الاستراتيجية الأكبر لمصر.
وهناك ميزة مثيرة للدهشة من “عملية عاصفة الحزم”، الاسم الذي أطلق على العملية التي تقودها السعودية في اليمن، وهي عدد وحجم الالتزامات الواردة من التحالف؛ إذ أسهمت السعودية بـ 100 طائرة مقاتلة، و150 ألف جندي، وبعض الوحدات البحرية، ونشرت البحرين 15 طائرة مقاتلة، وتعهدت الكويت بنفس العدد. ونشرت قطر 10 طائرات مقاتلة في حين تساهم الأردن بست طائرات أخرى. حتى السودان وعدت بإرسال ثلاث طائرات.
ونشرت مصر وحدات غير محددة من القوات البحرية والجوية، وسيتم نشر قوات برية “إذا لزم الأمر”. والمساهمات المشتركة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا كانت تافهة المقارنة بهذه المساهمات.
وحتى الآن، فإنه يبدو أن هذه الدول ليس لديها “خطة بديلة” في حال فشل هادي في العودة إلى القصر الرئاسي مرة أخرى. مثل هذا الفشل سيكون في أحسن الأحوال محرجًا للمملكة العربية السعودية، وخاصة لوزير الدفاع الجديد. وبالنسبة للسيسي، فإن مسار الأحداث قد يكون فرصة لإعادة تأكيد القيادة المصرية في منطقة الشرق الأوسط.