السعودية/ رويترز- ركزت التغييرات التي شهدتها المملكة العربية السعودية على مستوى القيادات السلطة في أيدي دائرة مصغرة من أسرة آل سعود مما يرفع بعض القيود عن الملك ويقلل من القدرة على التنبؤ بالمواقف الاستراتيجية للمملكة.
وتقدر المملكة – أكبر مصدري النفط في العالم – الاستقرار أيما تقدير إذ تعمل على التأني في رسم السياسات ونادرا ما تغيرها وذلك لأسباب منها ضرورة إحداث توازن في المنافسات بين أفراد الأسرة الحاكمة ومصالحهم المتضاربة.
وربما يكون هذا الوضع في طريقه للتغيير الآن. فمنذ ارتقى الملك سلمان العرش بعد وفاة أخيه في يناير كانون الثاني الماضي دخل حربا في اليمن وأعاد هيكلة قطاع النفط وأجرى بعض التعديلات الداخلية كان من بينها تغيير ولي العهد وولي ولي العهد.
ولا يزال من غير الواضح ما إن كان هذا بداية سياسة خارجية أكثر تأكيدا بكثير للدور السعودي في مواجهة إيران أم أنه يعكس استراتيجية جديدة للطاقة أو نهجا أمنيا أكثر تسلطا كما تكهن محللون.
غير أن ما يتزايد وضوحه أن الحكام الجدد في الرياض يتمتعون بمجال أكبر للقيام بتدخلات مفاجئة غير متوقعة عن سابقيهم.
وقد كان للملك في السعودية على الدوام الكلمة الأخيرة في قرارات السياسة غير أنه كان عليه عادة كسب موافقة مجموعة من الأمراء ذوي النفوذ هم أشقاؤه وأخوته في الغالب لاقرار أي تغييرات كبرى.
ويبدو أن الحال قد اختلف إذ تركز عدد متزايد من المناصب في أيدي ثلاثة أشخاص هم الملك وابن شقيقه ولي العهد الأمير محمد بن نايف وابنه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وقال خالد الدخيل أستاذ العلوم السياسية السعودي "إذا نظرت إلى الأميرين تجد أنهما يسيطران على الدولة تحت إشراف الملك."
وسيكون سلمان آخر من يحكم المملكة من أبناء مؤسسها عبد العزيز آل سعود. وقد سبقه إلى الحكم خمسة من أشقائه وإخوته الأكبر سنا كان كل منهم مقيدا بما بناه إخوة لهم أهميتهم من مراكز مستقلة للنفوذ في مؤسسات الحكم والقوات المسلحة.
وهو أيضا آخر أفراد مجموعة من الأمراء أكدوا وضعهم كجزء من النخبة الحاكمة في أوائل الستينات بتأييد الجانب الفائز في صراع داخلي على السلطة وهيمنوا معا على الأمور في الأعوام الخمسين الماضية.
ورغم أن عددا آخر من أبناء عبد العزيز البالغ عددهم 35 مازالوا على قيد الحياة فمن شغل منهم مناصب رفيعة أثر عليه التقدم في السن سلبا أو شملته التغييرات الأخيرة التي أجراها العاهل السعودي ومنهم الأمير مقرن أخو الملك الذي كان وليا للعهد.
ويشغل ولي العهد الجديد الأمير محمد بن نايف منصب وزير الداخلية ويرأس لجنة عليا تبت في القضايا الأمنية والسياسية الكبرى في حين أن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يشغل أيضا منصب وزير الدفاع ويرأس لجنة تشرف على الاقتصاد والتنمية.
والكيان الاستراتيجي الوحيد الذي يتولى إدارته أمير من فرع آخر هو الحرس الوطني الذي يقوده الأمير متعب ابن الملك الراحل عبد الله كما أن أعضاء آخرين في الاسرة الحاكمة يشغلون مناصب أمراء للمناطق.
وعلى النقيض مما كان يحدث في ظل حكم ملوك سابقين يتولى إدارة المخابرات ووزارة الخارجية اثنان من عامة الشعب كذلك ففي الوزارات الاستراتيجية مثل الدفاع والداخلية لا يوجد نواب للوزراء من الأمراء.
وظهرت علامة أخرى على تنامي الاتجاه لتركيز السلطة في القرار الذي اتخذ في نهاية الأسبوع الماضي لفصل شركة النفط الحكومية أرامكو عن وزارة النفط وهي خطوة قد تحسن فرص ابن آخر من أبناء الملك سلمان وهو الأمير عبد العزيز في أن يصبح وزيرا.
وفي الوقت نفسه شكل لأرامكو مجلس أعلى جديد برئاسة الأمير محمد بن سلمان ليصبح أول أفراد أسرة آل سعود الذي يشرف إشرافا مباشرا على أكبر شركة للنفط في العالم.
وتكهن بعض المحللين بأن التغييرات تمثل نصرا نهائيا للفرع السديري في الأسرة الحاكمة الذي يضم الأشقاء السديريين السبعة أبناء الملك عبد العزيز من زوجته المفضلة ومنهم الملك سلمان وشقيقه نايف والد ولي العهد.
غير أنه لم يتضح ما إذا كانت العلاقات التي وحدت الأخوة الذين كانوا يملكون موقعا واضحا في ترتيب خلافة العرش على مدى عشرات السنين ستظل تربط أبناء العمومة الذين قد يعتبر كل منهم الآخر منافسا له لا شريكا.
ولا يحتل أحد من الفروع السديرية الخمسة الأخرى مكانة بارزة في الهيكل الجديد. بل على العكس تبدو السلطة مركزة في أيدي من يشغلون مواقع في ترتيب ولاية العهد ويشغلون وزارات استراتيجية.
ويبدو أن هذا يركز أدوات الحكم في أيدي الأمير محمد بن نايف (55 عاما) وابن عمه الأمير محمد بن سلمان (30 عاما).
ومن النتائج التي ترتبت على زيادة تركيز السلطة أن تراجعت القدرة على التنبؤ بترتيب الخلافة.
فقد تخلص الملك سلمان من ولي عهد اختاره سلفه له. ولا توجد ضمانات على أن الأمير محمد بن نايف لن يفعل الشيء نفسه في نهاية المطاف.