السعودية/ نبأ- قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، انه وقبل أكثر من 250 عاماً، في واحة تحرقها أشعة الشمس، كان منزل مبني بالطوب، يشهد تحالفاً بين أسلاف الأسرة السعودية المالكة وداعية أصولي شهير. هذا التحالف أعاد تشكيل تلك البقعة في شبه الجزيرة العربية منذ ذلك الحين.
وفي مقابل الدعم السياسي الذي حصلوا عليه، أيد آل سعود مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأعقبوا ذلك بإعلان الجهاد ضد كل من يرفض عقيدتهم، مسيطرين بذلك على الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية.
هذا التحالف وضع أسس الدولة السعودية الحديثة، التي استخدمت ثروتها النفطية في السنوات الأخيرة لجعل العقيدة المتشددة للشيخ بن عبد الوهاب – المعروفة على نطاق واسع باسم الوهابية – قوة كبرى في العالم الإسلامي.
اليوم يتحوَّل مكان نشأة التحالف التاريخي إلى موقع سياحي.
في داخل مجمع ضخم مليء بالمقاهي والمتنزهات والمطاعم على مشارف الرياض، يحاول مئات العمال إعادة تأهيل قصور الطين التي كانت في أحد الأيام منازلَ لآل سعود، ويبنون متاحف احتفاءً بتاريخهم. وفي مكان قريب من ذلك ينتصب مبنى أنيق سيضم مؤسسة مكرسة لنشر فكر الشيخ ودعوته.
المشروع يأتي في وقت صعب للسعودية، فالمملكة محاطة بالثورات الشعبية والحروب الأهلية التي تهز النظام الإقليمي، فضلاً عن انخفاض أسعار النفط الذي أثر كثيرا في الميزانية السعودية، وكذلك الاتهامات المتزايدة التي تواجهها المملكة بتعزيز تصور شديد التعصب للإسلام، مماثل لذلك الذي يتبناه تنظيم «داعش».
لكن المملكة تستمر في البناء فوق أصولها القديمة. وتطوير مجمع الدرعية هو المشروع المفضل للملك الجديد سلمان، الذي يسعى إلى إقامة منطقة سياحية تعرض الرواية الوطنية للعائلة المالكة وتعززها.
ومن المتوقع أن يفتح المشروع أبوابه خلال عامين بتكلفة إجمالية تبلغ قرابة نصف مليار دولار، وفق ما قاله أحد المقاولين الذي رفض الكشف عن اسمه، إذ لم يتم إعلان تلك الميزانية على الشعب السعودي.
ويأمل المسؤولون السعوديون أن يسهم المشروع في ربط المواطنين بماضيهم، وإعادة تلميع تاريخ الشيخ عبد الوهاب، الذي تم تحريفه، بحسب ما يقولون.
يقول عبد الله الركبان، أحد أعضاء الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض التي تشرف على المشروع إنه «من المهم للسعوديين أن يعرفوا أنّ دولتهم بُنيت على فكرة، وأُسست على عقيدة صحيحة ومتسامحة تحترم الآخرين».
ومن المرتقب أن تصبح «مؤسسة عبد الوهاب» مركزاً دولياً للدراسات، ما يثبت أن المملكة النفطية لا تزال مُصرة على نشر تعاليم هذا الشيخ. لكن الكثير من علماء التاريخ والدين يؤكدون أن عبد الوهاب لم يكن معروفاً بتسامحه على الإطلاق.
ويقول ديفيد كمنز، أستاذ التاريخ في ديكنسون، والذي لديه كتاب عن الوهابية، إن بن عبد الوهاب لم يكن مستعدًا لتقبل أي مجموعة لا تتفق مع مذهبه، و «من يختلف معه كان إما يُجبر على الالتزام بما يقول، أو أن يُغزى».
وبعدما بسط آل سعود سيطرتهم على المدينة المنورة ومكة المكرمة، ضربهم العثمانيون بقوة، وأسقطوا الدولة السعودية الأولى مدمرين عاصمتها الدرعية، فانتقل من تبقى منهم على قيد الحياة إلى الرياض، حيث أسس لاحقًا الملك عبد العزيز بن سعود، الدولة الحديثة في العام 1932، كما أعاد تأسيس التحالف مع أحفاد الشيخ بن عبد الوهاب، والمستمر حتى الآن.
كثير من السعوديين يرفضون مصطلح «الوهابية»، حيث يقولون إنّ الشيخ لم يأتِ بأيديولوجية جديدة، بل استعاد أصول الإسلام عبر تجريده من الإضافات والبدع والمنكرات، لا سيما تقديس الأولياء. ومن تعاليم الشيخ ان لا شيء ينبغي أن يُقدس سوى الله، ولذلك هدم أتباعه القبور، ورفضوا إحياء الأعياد الوطنية أو حتى أعياد الميلاد.
وفي وقت أهملت السعودية أو حتى دمّرت العديد من المواقع التراثية والدينية الأخرى، نراها اليوم تبني متاحف وأماكن لتخليد مؤسسي الدولة السياسيين وراعيها الفكري. وهو ما يدفع البعض الى اتهام السعوديين بأن الهدف من مشروع الدرعية سياسي أكثر منه تراثياً.