السعودية/ نبأ- سجلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، في تقرير للكاتب خليل كوثراني، مرور عام وأكثر، على إعلان السعودية حربها على تنظيم «داعش» وإخوته، تحديداً منذ أن أصدر الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز أمره بتجريم القتال في سوريا والعراق أو الانتماء والتعاطف مع «داعش» و«النصرة»، وصولاً إلى قدوم محمد بن نايف على صهوة «مكافحة الإرهاب». مر ذلك كله، ولا تزال الرياض تجني ثمار إرهاب تكفيري اعتنت طويلاً بزرعه وسقايته. فهناك في السجون السعودية الخمسة، حيث يتوزع المتهمون بالغلو والتطرف، أرقام تنذر بأن ثمة جيشاً من الدواعش خلف قضبان «المملكة الوهابية» يزيد الجمر تحت الرماد اتقاداً.
4209 سجناء، رقم يهمس به لوكالة «رويترز» عقيد سعودي اكتفى بالتعريف عن نفسه بكنية «أبو سلمان»، أثناء زيارة مراسل الوكالة لإصلاحية الحاير (جنوب الرياض)، أضخم السجون السياسية في مملكة آل سعود، والأفضل لإجراء تحقيق حول «طفرة» موقوفي أتباع تنظيمات السلفية الجهادية.
في «الحائر»، إضافة إلى أربعة سجون أخرى، يقبع الآلاف من أنصار التنظيمات التكفيرية. غالبية هؤلاء من الجيل «الجهادي» الجديد، ويندر فيهم من يعود إلى الجيل القديم من الأفغان العرب أو حتى ممن قاتل في «الساحة العراقية». هم من فئات عمرية شابة. «نفر» جلهم إلى «الساحة الشامية للجهاد» في أعقاب اندلاع «الثورة» هناك، قبل أن يفلتوا من عقال النظام السعودي.
التهم الموجهة إليهم تتنوع بين «الافتئات على وليّ الأمر والخروج عن طاعته، والسفر إلى مواطن الفتنة» (العراق وسوريا)، والمشاركة في القتال مع «الفئات الضالة» أو تقديم الدعم لها وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في الأمر الملكي الصادر بتاريخ 3 شباط 2014. كذلك فإن المحاكمات بالجملة والمفرق مستمرة في المحكمة الجزائية في الرياض وجدة: أحكام بالسجن ومنع السفر تسطرها المحكمتان من حين إلى آخر.
قبل عامين فقط، كانت أعداد الموقوفين في مثل هذه القضايا تقل عن ذلك بكثير، ففي تشرين الثاني من عام 2013 تباهت وزارة الداخلية السعودية بانخفاض السجناء الأمنيين بنسبة 60%، ليصلوا إلى 2289 بعد أن كانوا 5501 في كانون الأول 2010، هذا الفارق الكبير هو ما تفسره بعض الوثائق والمعلومات، بتصدير هؤلاء السجناء للقتال في سوريا بداية الأحداث، وتوقيع صفقات معهم بإطلاق سراحهم مقابل السفر إلى هناك.
لكن النظام السعودي لم يتخلص في ذلك الوقت، عبر سياسته «الخرقاء»، من مجاميع المتشددين حملة جواز السفر الأخضر. معكوس تماماً هو محصول الرياض، فوفق الأرقام الجديدة. بلوغ أعداد الداعشيين الموقوفين 4209 سجناء، يعني ارتفاعاً بنسبة 84% تقريباً. أرقام إذا ما أضفنا إليها المنضمين الفعليين إلى صفوف «داعش» في العراق وسوريا، بتنا أمام جيش جرار من الدواعش السعوديين، وهو واقع يشي بخطر استثنائي يتهدد نظام آل سعود لا تضاهيه جسامة عودة الأفغان العرب بداية التسعينيات، ولا سيما في ظل قيام وتحقق «الخلافة» ذات الجاذبية لمتشربي الفكر الوهابي من مدارس السعودية ومناهجها الدينية والتعليمية. دلالات ذلك تقرأ جلية في هوية الانتحاري منفذ اعتداء مسجد الإمام الصادق في الكويت، السعودي فهد القبّاع ابن الـ23، فهو ينتسب إلى أخوال موقوفين بتهمة الإرهاب، ما يدلّ على ظاهرة متنامية تسهم في تشكّل بيئات حاضنة داخل عائلات هؤلاء السجناء، سريعة التجاوب في ظل أرضية هي بالأساس المهد الدافئ للفكر التكفيري. ما فعله النظام السعودي، في المقابل، لغسل يديه من تنامي التنظيمات التكفيرية، وضبط إيقاع لعبتها بعيداً من حدود مملكة آل سعود، لم يتعدّ بضع حملات لم يعثر لها على أثر يذكر، مثلما أخفق الأمر الملكي لعبد الله في شباط من العام الماضي في ردع أفواج التكفيريين السعوديين من الانخراط في «القاعدة» و«داعش». وكذلك إخفاق مركز «محمد بن نايف في برنامج المناصحة والرعاية». ويكفي التذكير بمقتل إبراهيم الربيش منظر «القاعدة» وأبرز قيادييها بغارة أميركية في اليمن في 12 آذار من العام الحالي للدلالة على ما تقدم، فالربيش هو واحد من كثر تخرجوا من «برنامج بن نايف للمناصحة» قبل أن يستأنفوا نشاطهم الإرهابي. هو أيضاً زميل لأقران له تخرجوا من جامعة محمد بن سعود وبرزوا بعدها قياديين لـ«القاعدة».
يكرر هذا النظام من جديد تجربته، ولا يتردد المتحدث باسم الداخلية السعودية منصور التركي، في إعلانه الأربعاء الماضي إطلاق سراح 63 من «أصحاب الفكر المتطرف، بعدما خضعوا لدورات على أيدي عدد من العلماء والمختصين في مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية»، وذلك لما سمّاه «ظهور المؤشرات الإيجابية عليهم».
حال برنامج المناصحة هو حال حملة السكينة كذلك، فلا ينفك عبد المنعم المشوح (رئيس الحملة) يقلل من شأن الأخبار التي تتحدث عن أرقام السعوديين المنضمين إلى «داعش»، واصفاً هذه الإحصاءات بالحملة الرامية إلى تشويه صورة المملكة على حد تعبيره. لكنها محاولات لا تصمد أمام ظهور هوية سعودية في كل مرة يعلن فيها «داعش» تنفيذ هجوم انتحاري.
وفي الوقت الذي يدسّ فيه أمراء آل سعود رؤوسهم في الرمال، يدرك «داعش» جيداً خصوبة «أرض الحرمين» لتمدد طموحاته، لذا لا يتردد «خليفته، أبو بكر البغدادي» في مناداة أحفاد محمد بن عبد الوهاب واثقاً بـ«أبناء التوحيد» و«أهل الولاء والبراء». أمراء قصور جدة والرياض اليوم أمام جيش من الدواعش متغلغل في مملكتهم… فهل ينجح «فرانكشتاين» في ترويض وحشه ثانية؟