طهران/ متابعات- في مبادرة لافتة للانتباه تأتي في توقيتها غداة التفاهم النووي وزيارته التي شملت الكويت وقطر والعراق، دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في مقالة خص بها "السفير" بعنوان "الجار ثم الدار"، إلى البحث عن آليات تساعد جميع دول المنطقة على اجتثاث جذور التوتر وعوامله وغياب الثقة فيها.
واقترح ظريف تشكيل مجمع حواري إقليمي ومن ثم إسلامي يرتكز على جملة أهداف ومبادئ أبرزها: احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلمياً، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة.
وقال ظريف في مقالته ـ رسالته بوجوب عدم إنكار الحاجة إلى إجراء تقييم ذكي للتعقيدات القائمة في المنطقة بهدف انتهاج سياسات مستديمة لمعالجتها وأحدها موضوع محاربة الإرهاب.
واعتبر ظريف أن اليمن يمكن أن يشكل نموذجاً جيداً للخوض في ما أسماها "مباحثات جدية" بين طهران ودول الجوار، وذكّر بخطة بلاده هناك وقبلها بخطة إيران لحل الأزمة السورية، وقال إنه يمكن استخدام هذه المباحثات الإستراتيجية لتسوية قضايا كالإرهاب والتطرف ومنع نشوب حروب مذهبية وطائفية والارتقاء بالعلاقات بين الدول الإسلامية في المنطقة.
وفي ما يلي النص الكامل لمقالة وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد جواد ظريف:
"في تقاليدنا العريقة وفي ديننا الإسلامي الحنيف (الذي يجمعنا معا) توصية حكيمة تقول: الجار ثم الدار، وهي توصية أخلاقية ذات رؤية عميقة، وصلتنا عبر القرون، وباتت ضرورة لا يمكن إنكارها في عالمنا المعاصر؛ إن الرفاه والأمن يتحققان فقط في البيئة التي يمكن أن تحظى بهاتين النعمتين العظيمتين.
إن أولى أولويات إيران منذ البداية، هي أنها تنشد علاقات طيبة ووطيدة مع جيرانها، وهذا ما أُعلن عنه بصراحة وتمت متابعته على الأخص منذ تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة، وان جولتي الإقليمية إلى ثلاث دول جارة هي الكويت وقطر والعراق مباشرة بعد حصول الاتفاق النووي التاريخي بفيينا بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، إنما جاءت تأكيدا لهذه الإستراتيجية التي توليها السياسة الخارجية الإيرانية اهتمامها.
إن منطقتنا في الوقت الراهن تمر في اضطرابات، وتواجه مخاطر جدية تهدد أسس المجتمع والثقافة فيها. ومع أن إيران التي تعتمد على شعب يمتاز بالمرونة والصمود في مواجهة النزعة السلطوية، تعيش بفضل الله في استقرار وأمن، وقدمت آفاقاً جديدة عن التعامل البناء، فإنها لا يمكنها الوقوف موقف اللامبالاة أمام الدمار الهائل في أطرافها، لا سيما أن التجربة تقول لنا إن الفوضى والاضطرابات لا تعرف حدوداً، وانه من غير الممكن ضمان أمن أي بلد في بيئة مضطربة في هذا العالم السائر نحو العولمة.
إن اتفاق فيينا كان بداية ضرورية للمنطقة، فهو ليس فقط لا يشكل أي ضرر لجيراننا، بل إنه مكسب لمنطقتنا برمّتها لأنه وضع نهاية لتوتر كنا في غنى عنه دام اثني عشر عاما، هدد المنطقة أكثر من غيرها، وقد حان الوقت للتفرغ الى أعمال أهم وفي مقدمتها البحث عن آليات، تساعد جميع بلدان المنطقة على اجتثاث جذور التوتر وعوامله وغياب الثقة فيها.
إن تشكيل مجمع للحوار الاقليمي في منطقتنا ومن ثم بين جميع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، لغرض تسهيل التعامل، حاجة ماسة كان ينبغي المبادرة اليه قبل هذا بكثير، ولا بد من أن يكون الحوار الإقليمي وفق أهداف مشتركة ومبادئ عامة تعترف بها دول المنطقة، وأهمها:
احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلميا، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة.
علينا جميعا أن نقبل حقيقة انقضاء عهد الألاعيب التي لا طائل تحتها، واننا جميعا إما رابحون معاً أو خاسرون معاً، فالأمن المستدام لا يتحقق بضرب أمن الآخرين، وان أي شعب لا يمكنه تحقيق مصالحه من دون الأخذ بالاعتبار مصالح الآخرين، وهذا هو مصيرنا شئنا أم أبينا: (..وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرينَ) (الانفال، الآية 46).
وبالطبع إن هذا التعاون الذي لا بد منه، ليس من نوع التعامل المرّ مع الأعداء، بل هو مسار ذو مذاق حلو للإصلاح والمودة بين إخوة وأعضاء أسرة واحدة ابتعدوا عن بعضهم البعض منذ فترة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ..) (الحجرات، الآية 10).
أهمية ممارسة هذه الآليات في منطقتنا، ثم في الشرق الاوسط عامة تفوق أهميتها في أية منطقة في العالم. ولا يمكن إنكار الحاجة الى إجراء تقييم ذكي للتعقيدات القائمة في المنطقة بهدف انتهاج سياسات مستديمة لمعالجتها، ومحاربة الإرهاب واحد من هذه المواضيع. فلا أحد بمستطاعه أن يحارب الجماعات المتطرفة، كالتي تسمى "الدولة الإسلامية" ـ التي لا هي بدولة ولا هي بإسلامية ـ في العراق، في حين تنتشر في اليمن وسوريا.
واذا كان مقرراً أن نختار موضوعاً من بين الفجائع في المنطقة للبدء في مباحثات جدية، فإن اليمن سيكون نموذجاً جيداً، وقد اقترحت إيران حلا معقولا وعمليا لتسوية هذه الأزمة المؤلمة وغير الضرورية. فالخطة الرباعية التي قدمتها تدعو الى وقف إطلاق النار فوراً، وإرسال مساعدات إنسانية الى المدنيين اليمنيين، وتسهيل الحوار بين المجموعات اليمنية داخل البلاد، وفي نهاية الأمر توجيههم الى تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة.
وقبل عامين ايضاً، تم اقتراح خطة مماثلة بعد مشاورات مع سوریا وبعض الدول المجاورة وسائر الفاعلين من أجل إعادة السلام والأمن الى سوريا، بالإمكان إدراجه على جدول الأعمال، الى جانب الجهود المبذولة لتسوية الازمة اليمنية، وذلك بالتعاون مع الدول الإسلامية الاخرى وتحت إشراف آليات منظمة الامم المتحدة.
وتزامنا مع ذلك، يمكن استخدام هذه المباحثات الإستراتيجية، للقيام بخطوات محددة لتحقيق تفاهم أفضل لدراسة ولتسوية قضايا كالإرهاب والتطرف، ومنع نشوب حروب مذهبية وطائفية، ولتنويع أشكال التعاون العلمي والصناعي والتنموي وللارتقاء بمستوى العلاقات بين الدول الإسلامية في المنطقة.
وقد يكون التعاون النووي للأغراض السلمية، نموذجا بارزا لمثل هذا النمط من التعاون، فمن حق إيران وجميع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط الحصول على فوائد التقنية النووية السلمية طبقا للمقررات الدولية، ولا بد من أن تتعاون جميع دول المنطقة من أجل بلوغ هذه الأهداف، ومن الحالات التي يمكن متابعتها في هذا النمط من التعاون يشار الى:
ـ الإفادة من إمكانيات التخصيب، على شكل مركز إقليمي لتوليد الوقود النووي عبر تعاون الدول الإسلامية بالمنطقة في الجانب التقني، وفي الجانب السياسي تكثيف الجهود الدولية لإقامة منطقة منزوعة أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
في الخاتمة: إننا، بلدان هذه المنطقة والشرق الأوسط، الذين تشدنا قواسم مشتركة كثيرة ومتنوعة في الدين والثقافة والسياسية والجغرافيا، نملك جميع المستلزمات لإقامة تعاون بناء ومفيد لجميع شعوبنا وشعوب العالم. فالتحديات الكثيرة القائمة في منطقتنا، مهمة وخطيرة الى درجة لا ينبغي لنا معها أن ننشغل بمجادلات مذهبية وخلافات شخصية وان نقدم بشجاعة وبصيرة على مثل هذا التعاون الحيوي لمعالجة جذور الازمات في منطقتنا، وان لا نعقد الآمال على ان يحل مشاكلنا من كان لهم الدور الأساس في خلقها.
إنها الفرصة الوحيدة للتعامل، وشعوبنا تنتظر منا عن حق بأن لا نضيّع هذه الفرصة: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..) (التوبة، الآية 105).".