السعودية / نبأ – (خاص): بشتى الوسائل تحاول المملكة السعودية التقليل من الخطر الداعشي المحدق بها وتفخيم قدرتها على تأمين حدودها الغربية والجنوبية، محاولات لم تفلح حتى الآن في حجب التهديدات المتلاحقة أو محاصرة الهواجس المتعاظمة أو طمس أية سيناريوهات عراقية لم تعد خارج دائرة الممكن.
بحسب المعايير العسكرية والأمنية تبدو ثقة حكام المملكة بقواتهم المسلحة مقبولة منطقيا. هناك حالة استنفار قصوى أعلنت على طول الحدود السعودية – اليمنية والسعودية – العراقية، أجهزة رصد ومراقبة متطورة وسواتر طبيعية وأسيجة نصبت في تلك المناطق، وقوات بشرية ضخمة تم الدفع بها باتجاه بؤر التوتر. ولكن رغم ذلك، فلا يبدو الوعيد الداعشي في طور الإضمحلال. تنظيم ما تسمى الخلافة الإسلامية يعمل حاليا على حماية مكاسبه في سوريا والعراق، وهو لم يتخذ قرار مواجهة مباشرة مع المملكة. أما إستفزازاته للنظام السعودي بين حين أو آخر فقد تكون وسيلة لجس النبض أو إنذارا بما سيحمله المستقبل. بالنتيجة الهدوء الراهن في عرعر وشرورة وغيرهما مرتبط كذلك بتكتيكات داعش.
على الضفة الداخلية لا يبدو الوضع أقل إقلاقا، جماعات التكفير والتقتيل تمكنت عبر سنوات من نسج شبكة إجتماعية سعودية داعمة لها، حسابات تويتر المتعاطفة مع التنظيمات الإرهابية تكفي وحدها للتدليل على خطورة ما وصلت إليه الحالة الداعشية في المملكة. المراهنة على الإجراءات الحدودية الرادعة ليست مغنية إذا، من المحتمل أن تشتعل النيران حيث لم يحتسب آل سعود، في مجتمع أشبعوه تناقضات وعسفا وإعطابا للمفاهيم كل شيء وارد حتما. وليست تفجيرات الرياض والخبر منا ببعيد، من كان يعتقد يومها أن مجاهدي أفغانستان سيعودون إلى وطنهم الأم لينتقموا ممن اصطنعهم على عينه؟ هذا ما حدث تماما، حدث ولم تكن المملكة حينها متورطة حتى النخاع في دعم الإرهاب. اليوم، إنكشفت الأوراق جميعها، آل سعود مغرقون في تمويل وتسليح وأدلجة المتطرفين، وعليه لن يكون من اليسير استعادة الزمام إذا أفلت.
في ظلّ التهديدات التي تواجه المملكة؛ يؤكّد الباحثون في إستراتيجيّات المنطقة، بأنّ السّعوديّة تمرّ حاليّاً بوضعيّةِ "الارتداد العسكي"، وهي تنتظرُ في أيّة لحظةٍ انفجارِ حدودها وتوغّل المقاتلين إلى العُمق السّعودي. وبحسب محلّلين، فإنّ العقلَ السّعوديّ أعادَ برمجةَ توجّهه الأمنيّ مع إعادة بندر بن سلطان إلى الواجهةِ وتعيينه مستشاراً خاصاً للملك السّعودي، وهو ما ترافقَ مع تفجُّر الوضع العراقيّ، وتوجّه تنظيم "داعش" أو الخلافة الإسلاميّة إلى إتّباع سياسة "التّوسع الخارجي والابتلاع الدّاخلي"، وهو ما برزَ مع اشتدادِ التنظيم في تصفيةِ المقاتلين في التّنظيمات المتطرّفة الأخرى، ومن ناحيةٍ أخرى إعادة توزيع انتشاره والإسراع في تطبيق "القضم المتدحرج" وفي أكثر من اتّجاه.
من جهةٍ أخرى، يُعلّق حكام المملكة آمالا كبيرة على الدعم الأمريكي والأوروبي وحتى الباكستاني لقواتهم العسكرية والأمنية، دعم من المستبعد بلوغ نتائجه أدنى طموحات آل سعود. صحيح أن حراس الإستبداد سيتمسكون حتى الرمق الأخير بمن قدم لهم الجزيرة العربية على طبق من فضة، لكن الرياح لا تجري دائما بما تشتهي سفن حماة الديكتاتوريات. تجربتا ليبيا والعراق مصداق حي على ذلك، كل ما قام به حلف شمال الأطلسي لم يفلح في إبعاد كابوس التكفير عن الأراضي الليبيبة التي تحولت إلى مشاع يتقاسمه ورثة القهر، وفي بلاد الرافدين ما تزال الولايات المتحدة تغمغم وتجمجم في دعمها للشرعية العراقية.
لا تستطيع الإمبراطوريات نفسها أن تمسك بمختلف خيوط اللعبة في آن واحد، عجز يبدو أن آل سعود لا يحسبون له حسابا، في اعتقادهم أن جيشا فاقدا للعقيدة القتالية يمكن أن يحرس حدودا ممتدة على مئات الكيلومترات، يغيب عن بالهم حتما أن الجنون التكفيري لا تمكن مواجهته بالتنظير. هل من حل لهذه المعضلة إذا؟ بالتأكيد، يكفي أن تسحب السعودية البساط من تحت أقدام التكفيريين وتكف عن تفجير ساحات الخصوم بما لا ترتضيه لنفسها.