كاثرين زيمرمان
القاعدة في جزيرة العرب هي واحدة من عدد قليل من المستفيدين من انهيار الوضع في اليمن إلى حرب أهلية. حيث يتحكم التنظيم الآن في واحد من الموانئ الرئيسية الثلاثة في البلاد فيما توسعت عملياته في اليمن، وقام بالاستفادة من الوضع في تجنيد أكبر عدد من المقاتلين من القبائل اليمنية التي أغضبها استيلاء الحوثيين على البلاد في ظل الفوضى في اليمن.
القاعدة في جزيرة العرب تعمل على توفير ملاذ آمن من خلال توسيع سيطرتها وجهودها محليا، ولكنها أيضا توال التخطيط للعمليات الخارجية مثل تلك التي تمت سابقا وهددت الولايات المتحدة عدة مرات. وتبقى القاعدة في جزيرة العرب والقوات التابعة لها أكبر تهديد مباشر للولايات المتحدة وهي لا تزال تزداد قوة.
وقد قامت الحرب الأهلية في اليمن بحماية القاعدة في اليمن كمستهدف رئيسي من العمليات الغربية التي شهدت تراجعا. كما أن القوات العسكرية والأمنية اليمنية، أو ما بقي منها، لم يعد يقاتل القاعدة في جزيرة العرب. فتلك العناصر التي لا تزال منقسمة ومتدهورة، تعمل من دون قيادة مركزية، وليس لديهم حافز للدخول في معركة أخرى. و الدولة اليمنية متداعية، و السلطات المحلية (القبلية) ملأت الفراغ. وجهود الوساطة مع الجهات المعنية اليمنية لم تحقق الكثير من التقدم على الجبهة السياسية. وحتى لو ظهرت حكومة مركزية جديدة، فإنها سوف تضطر إلى العمل الجاد لإعادة بناء العلاقات مع السلطات الإقليمية والمحلية. وأخيرا، هناك حالة تمرد نشطة في اليمن متجذرة في المجتمعات السنية التي توفر فرصة للقاعدة في جزيرة العرب للمزيد من ترسيخ نفسها.
الظروف مهيأة لتحقيق النجاح، والقاعدة في جزيرة العرب هي منظمة قابلة للتكيف. ويبدو أنهم قد تعلموا من الأخطاء الاستراتيجية في 2011 و 2012، والتي أدت إلى انتفاضة شعبية ضدهم. وقد نصح الأمير السابق للقاعدة في جزيرة العرب، «ناصر الوحيشي»، نظيره الجزائري في صيف عام 2012 أنه بناء على الخبرات في العمل القاعدة في جزيرة العرب في أبين، فإن تلبية احتياجات الشعب الأساسية هي الخطوة الأولى في الحكم.
يظهر التنظيم من خلال سلوكه أيضا أن هناك نسخ لتكتيكات القاعدة من فرع سوريا، الممثل في جبهة النصرة، والذي نجح في دمج بشكل أفضل لنفسه بين السكان، وذلك باستخدام هياكل الإدارة المحلية على سبيل المثال، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تعبئة واسعة من السنة ضد الحوثيين قد أعطت زخما لجماعة القاعدة في جزيرة العرب. وكانت هذه الحالة غير موجودة خلال الربيع العربي، وهي لن تخدم إلا المزيد من تحقيق مصالح القاعدة في جزيرة العرب.
مكاسب القاعدة في جزيرة العرب في اليمن قد تكون لها عواقب وخيمة. فقد كانت القاعدة في جزيرة العرب وراء ما لا يقل عن أربعة محاولات رئيسية لشن هجمات على مصالح الولايات المتحدة خارج اليمن، وجميع تلك الهجمات وقعت عندما كانت الجماعة أضعف مما هي عليه اليوم. القاعدة في جزيرة العرب لا تزال أيضا رصيدا أساسيا لشبكة القاعدة العالمية، وتوفير التوجيه و القيادة العامة، وتبادل الخبرات، وتنسيق الهجمات العابرة للحدود الوطنية. قوة القاعدة في جزيرة العرب متنامية في اليمن ويمكن أن يتردد صداها في جميع أنحاء شبكة القاعدة مما يزيد من المخاطر في المنافسة بين القاعدة و«الدولة الإسلامية» لقيادة الحركة الجهادية العالمية.
الاستفادة من التمرد في اليمن
بدأ التمرد اليمني بشكل جدي بعد سيطرة الحوثيين على الحكومة اليمنية المركزية في يناير/كانون الثاني عام 2015، على الرغم من أن العديد من الميليشيات المحلية قد حشدت نفسها في وقت سابق.
أثرت الديناميات السياسية المعقدة في اليمن في هذه العملية. وكان العديد من المعارضين للحوثيين أيضا يعارضون الحكومة المركزية، ولكنهم رأوا الحوثيين كقوة غازية.
وتشكلت «قوات المقاومة الشعبية» من السكان المحليين ومن أجل حماية مناطقهم. فهي ليست تعبئة على أسس طائفية تماما، ولكن النزاع كان من حيث توزيع السلطة. على الرغم من غياب الدين كعامل أساسي، لكن واجهة الصراع كانت تمر عبر السكان السنة، وهذا خلق فرصة كبرى للقاعدة في جزيرة العرب في أماكن مثل البيضا، شبوة، وأبين، خصوصا لكي تستغل القاعدة في جزيرة العرب زخم التمرد.
وقد أعلنت القاعدة في جزيرة العرب بالفعل الحوثيين كعدو، واصفة إياها بأنهم زنادقة يتلقون الأوامر من إيران. وبحلول خريف عام 2014، وسعت القاعدة في جزيرة العرب حملتها ضدهم. بدأ النشطاء في إجراءات على نطاق أصغر، وهجمات ضد مواقع الحوثيين وبدأت باغتيال مسؤولين من الحوثيين.
الحملة ركزت في البداية على العاصمة صنعاء، وأيضا محافظة البيضاء، حيث كان لدى القاعدة في جزيرة العرب بالفعل بعض الدعم المحدود. أجرت القاعدة في جزيرة العرب هجمات أوقعت إصابات جماعية ضد الحوثيين.
لم يكن لتكريس كافة الموارد لمكافحة الحوثيين تأثير ملموس على استمرار حملة القاعدة في جزيرة العرب ضد الجيش اليمني. وكانت القاعدة قادرة على المحافظة على نفس المستوى من النشاط ضد الجيش اليمني حتى في الوقت الذي تزايد استهداف الحوثيين من قبلهم. هذا يدل على أن القاعدة في جزيرة العرب قد حافظت على نوع من القدرة الاحتياطية، وأيضا أنها ربما كانت قادرة على إضافة القوة بمرور الزمن. قامت القاعدة في جزيرة العرب بالاستفادة من انهيار قوات الأمن اليمنية في يناير/ كانون الثاني عام 2015، وهاجمت القواعد العسكرية اليمنية المعزولة. فبين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2015، هاجمت القاعدة في جزيرة العرب أسس لواء المشاة الـ19 في شبوة، واللواء المدرع 39 في أبين، واللواء الآلي في حضرموت.
غنمت القاعدة في جزيرة العرب السلاح في كل هجوم. وكانت توزع هذه الأسلحة إلى مقاتليها في أبين وشبوة. هناك القليل من الأدلة على ظهورها في البيضاء أيضا.
حاول القاعدة كسب السكان السنة خلال المعركة مع الحوثيين لتجنيدهم في حاولة لتكرار نجاح جبهة النصرة في سوريا، النقطة الأخرى أن قتال القاعدة للحوثيين قد أدى إلى تقبل وجودهم من بعض القبائل. وتسهيل تحركاتهم.
وقد حققت القاعدة في جزيرة العرب عدة نجاحات سابقا لاسيما في شمال غرب البيضاء، حيث قامت بعض القبائل المحلية بدعمهم علنا في عام 2012. و توسعت المجموعة منذ ذلك الحين، بناء على المشاعر المعادية للحوثي بين القبائل المحلية. على الرغم من أن بعض العشائر كانت محايدة في البداية وذلك حتى وصول الحوثيين في البيضاء، حيث بدأ مقتل أبناء القبائل في حملة المقاومة الشعبية ضد الحوثيين، وهكذا تدخلت القاعدة في جزيرة العرب للاستفادة. على سبيل المثال، القاعدة في جزيرة العرب شكل تحالفا مع قبيلة «آل حميقان» في جنوب شرق البيضاء في فبراير/شباط 2015 لمحاربة الحوثيين.
التدخل العسكري بقيادة السعودية خلق أيضا فرصا للقاعدة في جزيرة العرب. فقد نشرت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في منتصف شهر يوليو/تموز قوات إلى جانب القوات اليمنية المدربة حديثا في عدن بعد الحملة الجوية لمدة شهر ضد الحوثيين. توالت مكاسب التحالف ضد الحوثيين في عدن قبل التركيز على لحج وأبين. القاعدة في جزيرة العرب كانت من بين المجموعات التي قامت بملء فراغ السلطة وراء تقدم التحالف. نشطاء القاعدة في جزيرة العرب استولوا لفترة وجيزة على المباني في عدن يوم 22 أغسطس/آب، وأفادت تقارير السكان أن قوات القاعدة في جزيرة العرب لا تزال في المدينة. وسيطرت القاعدة في جزيرة العرب أيضا على مباني في زنجبار، عاصمة أبين. ويبدو أن قوات التحالف، بما في ذلك السعوديين، الإماراتيين، والميليشيات اليمنية، لا تركز على وجود القاعدة في جزيرة العرب المتنامي وراء الخط الأمامي الخاص بهم.
تجربة القاعدة في جزيرة العرب مع الحكم في حضرموت
سمح تدهور الجيش اليمني للقاعدة في جزيرة العرب بتطوير ملاذ آمن في البلاد. فقد كان التنظيم قادرا على جمع الموارد في المناطق التي تم قصفها من الخطوط الأمامية، كما هو الحال في محافظة حضرموت شرق اليمن. سيطر التنظيم على المكلا، واحدة من ثلاث مدن تعد الموانئ الرئيسية في اليمن، في 2 نيسان/أبريل 2015. ولكن التنظيم لم يرفع الراية السوداء المنذرة على الفور. وبدلا من ذلك، اتخذت المجموعة نهجا أكثر ليونة. اعتمدت قواتها في المكلا اسم «أبناء حضر موت»، ودعت المجلس المحلي للتحكم في المدينة. أنشأ قادة مقرها في المكلا «المجلس الحضرمي المحلي» الذي تولى الحكم في 13 أبريل/ نيسان.
وتدير هذه الحكومة المحلية المدينة. من خلال «أبناء حضرموت» من أجل الحفاظ على الوجود الأمني في المدينة، ووصفت تقارير من المكلا أن القاعدة في جزيرة العرب تعمل في الظل وليس علنا، كما فعلت في محافظة أبين خلال عام 2011. «أبناء حضرموت» استلموا السيطرة على البنية التحتية في المكلا بما في ذلك عودة السيطرة على المطار. ومن المرجح جدا أن «أبناء حضرموت» لا يزالون قادرين على نقل الموارد من وإلى الموانئ الجوية والبحرية إلى المكلا، والتي سوف تساعد في دعم القاعدة في جزيرة العرب في جهوده في جنوب ووسط اليمن.
شكل «أبناء حضرموت» أيضا الشرطة في المدينة، وتعمل مجموعة تسمى لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي في جوهرها قوة الشرطة الدينية. كما فرضت المجموعة حظرا على القات المخدر الخفيف اعتبارا من مطلع مايو/أيار، وحرقت ما ضبطت في الشارع، وصدر تحذير آخر ضد المخدرات في أوائل يوليو/تموز. وهناك استخدام للعنف أيضا ، وعلى سبيل المثال. فإن القاعدة في جزيرة العرب أعدمت علنا رجلين متهمين بتوفير المعلومات التي أدت إلى وفاة أمير الجماعة السابق، «ناصر الوحيشي»، في 17 يونيو/حزيران وعلق جثتيهما على جسر كتحذير. وفي نهاية يوليو/تموز، قام «أبناء حضرموت» أيضا بجلد بعض الأفراد علنا وأكد البيان أنهم يستخدمون الحشيش. ويبدو أن المجموعة قد رسخت وجودها في المدينة.
القاعدة في جزيرة العرب ربما تسعى لتوسيع سيطرتها على حضرموت. هناك تقارير تفيد بأن «أبناء حضرموت» عقدوا اجتماعا في مدينة الشحر في أوائل أغسطس/آب. وسيطرت القاعدة في جزيرة العرب على البنية التحتية الرئيسية في المدينة، بما في ذلك محطة النفط والميناء، في أبريل/نيسان، ولكن لم تكن هناك محاولة للحكم. وفي نهاية يوليو/تموز، كانت هناك مؤشرات على أن القاعدة في جزيرة العرب تسعى لإعادة فتح الجبهة في وادي حضرموت، والتي قد تكون محاولة لتأمين النفط والبنية التحتية هناك. في 31 يوليو/تموز، قامت القاعدة في جزيرة العرب بهجوم استهداف اللواء 135 في القطان، بعد أكثر من أربعة أشهر من الخمول. إن استئناف العمل في وادي حضرموت ربما يشمل تعبئة مجلس القبائل لمنع مزيد من المكاسب للقاعدة في جزيرة العرب، على الرغم من أن قيادة مجلس القبائل قد قامت بالإذعان إلى القاعدة في جزيرة العرب من أجل تجنب المزيد من الصراع.
تهديد مستمر
ومما يزيد من خطر القاعدة في جزيرة العرب عمله داخل شبكة القاعدة العالمية. وكانت هناك سلسلة من التقارير على مدى العامين الماضيين أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يعمل مع أفراد آلقاعدة في سوريا لاستهداف الولايات المتحدة أو الغرب، وأن الأفراد الذين دربتهم القاعدة في جزيرة العرب على صنع القنابل قد انتقلوا إلى سوريا. «إبراهيم العسيري» هو العقل المدبر وراء القاعدة في جزيرة العرب الأكثر ابتكارا والذي يصنع القنابل صعبة الكشف. وربما يحافظ القاعدة في جزيرة العرب على اتصال مع سوريا، وبالتالي المقاتلين الأجانب في سوريا من خلال خلية للقاعدة التي تعمل جنبا إلى جنب مع النصرة، ويطلق عليها «مجموعة خراسان».
الاستنزاف الكبير لدى قيادات القاعدة في اليمن خاصة الذين ماتوا في هجمات لطائرات بدون طيار لم تؤثر على فاعلية القاعدة وظلت على الولاء لقيادة «أيمن الظواهري».
ظهور «الدولة الإسلامية» في اليمن يزيد من الضغوط على القاعدة في جزيرة العرب في الحفاظ على نجاحها. وقد وصفت قيادة «الدولة الإسلامية» علنا نظرائهم القاعدة أنهم تخلوا عن الجهاد الحقيقي وقاموا باتباع استراتيجية فاشلة. كما أن استمرار انتصارات «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، والقوة المكتشفة حديثا في سرت، ليبيا، قد يشجع بعض اليمنيين لدعم «الدولة الاسلامية»، كما أن بعض شيوخ السلفية اليمنيين يعلنون دعم «الدولة الإسلامية»، مثل الشيخ «عبد المجيد الريمي».
ولكن التجنيد من قبل «الدولة الإسلامية» يبدو لا يزال محدودا رغم ذلك، ويقتصر على خلايا صغيرة. ومع ذلك، فقد ألمحت «الدولة الإسلامية» بتحدي القاعدة في جزيرة العرب في البيضاء، والتوسع من تركيزها الحالي على صنعاء. في الوقت الراهن، وحسب الواقع فإنه من غير المحتمل أن «الدولة الإسلامية» ستتفوق على القاعدة في جزيرة العرب. فالقاعدة في جزيرة العرب تعمل على تعميق علاقاتها الخاصة مع القبائل السنية وتعرف حساسية الوضع اليمني القبلي .
تحدي «الدولة الاسلامية» للقاعدة قد يحفز القاعدة للقيام بهجمات ضد الغرب لإثبات استراتيجيتها من جديد، وقد اختارت القاعدة في جزيرة العرب شعار «أمريكا أولا» في عملية استهداف الغرب
استنتاج
إن نجاحات القاعدة في جزيرة العرب الأخيرة في اليمن توفر مؤشرا هاما حول خططها المستقبلية. فهي لا تزال مجموعة قوية وربما تستمر في التوسع ما لم يتم نشر قوات لمكافحة المجموعة. وإن قدرتها على الاستفادة من الزخم الحالي الذي يقوده التمرد ضد الحوثيين تشير إلى فهمه الديناميات السياسية اليمنية، والتي سوف تساعده في الاندماج مع الميليشيات القبلية. هذه القدرة على الاندماج بشكل أفضل مع القوات المحلية تعزز دعمه بين السكان. بالإضافة إلى ذلك، سيطرة القاعدة في جزيرة العرب على المكلا من خلال المجالس المحلية قد تكون بمثابة نموذج لكيفية سعى المجموعة للسيطرة على المناطق المأهولة الأخرى. وقدرتها على توفير الإمدادات من المكلا إلى الخطوط الأمامية يجعل المدينة موردا استراتيجيا وأنه من غير المحتمل أن يتخلى عنها دون حملة عسكرية كبيرة. كما أن تعزيز علاقة القاعدة في جزيرة العرب مع بعض العشائر السنية قد تمكنه من تكرار الهياكل القائمة في المكلا في أماكن أخرى، وتوسيع المناطق الخاضعة لها بطريقة فعالة، ولكن بسيطرة غير مباشرة.
تركيز المجموعة على اليمن، ومع ذلك، تهديدها للولايات المتحدة، التي لا تزال في حالة حرب مع القاعدة في جزيرة العرب، يمنح ملاذا أكبر إلى القاعدة في جزيرة العرب ومساحة حرية إضافية لتطوير واختبار وتدريب الأفراد على الأجهزة المتفجرة الجديدة المصممة لتجاوز الإجراءات الأمنية. ويتعين على القيادة الجديدة للقاعدة إثبات أنها قادرة مثل سابقاتها، إن لم يكن أكثر، على مهاجمة الولايات المتحدة.
* ترجمة الخليج الجديد
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.