اليمن / نبأ – ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية أنّ السعودية تعد العدة منذ أشهر لبناء ما سمّته "جيشاً وطنياً" في اليمن، مشيرةً إلى هشاشة ووهن تلك المجموعات العسكرية التي دربتها على أراضيها، من أن تحقق إنجازاً ميدانياً واحداً لمصلحة التحالف.
وأشارت الصحيفة في مقال للكاتبة دعاء سويدان إلى المواجهات الداخلية والتقصير والهروب الجماعي، إلى جانب الاتهامات المبكرة بـ"الخيانة" بين هذه المجموعات، التي اجتهدت الرياض لتشكيلها كجبهة مساندة لها، بالأموال والأسلحة والذخيرة والمعدات والوعود المبهمة.
وجاء في المقال:
سعت المملكة إلى ابتياع قيادات وشراء ذمم وحشد أتباع يكونون يدها الطولى في الميدان وذراعها المتقدمة ضد الجيش و«اللجان الشعبية». وعلى الرغم من كل تلك المحاولات، لم تفلح السعودية في بلوغ مراميها، بل إنها تلقت أكثر من صفعة في غير بقعة من قبل من يفترض أنهم أزلامها.
جردةٌ سريعة لقيادات ما يسمى «الجيش الوطني» وهوياتهم والخروقات التي تعرضت لها صفوفهم والخلافات التي دبت بينهم وبين أرباب العدوان تظهر حجم الترهل الذي يعتري النواة المفترضة لجيش يوالي «الشرعية».
البداية من جنوبي البلاد. القائد السابق للمنطقة العسكرية الرابعة، ناصر عبد ربه الطاهري، التي تتخذ من التواهي مقراً لها كان يفترض به تصدّر صفوف القوات المناوئة للجيش و«اللجان الشعبية»، إلا أن الوقائع أثبتت أن ولاءه لهادي لا يتجاوز حدود المواقف والشعارات. فما هي إلا ساعات معدودات من بلوغ القوات اليمنية المشتركة مديرية التواهي حتى فرّ الجمل بما حمل. هكذا غادر الطاهري منطقته تاركاً ضباطه وجنوده مفردين في ساحة المواجهة، واقعة لم تعقبها تطورات باعثة على الاطمئنان لدى تحالف العدوان.
علي ناصر هادي الذي عيّنه هادي خلفاً للطاهري في بدايات شهر نيسان الماضي، وجد نفسه مقاتلاً دونما عتاد. معظم أفراد المنطقة الرابعة وضباطها رفضوا قتال ألوية الجيش و«أنصار الله»، وبعد أيام قليلة لم تتجاوز الشهر قتل هادي برصاص القوات المشتركة ليعقبه في منصبه اللواء الركن سيف الضالعي. هذا الأخير سرعان ما نشب الخلاف بينه وبين الشيخ هاشم الأحمر عندما رفض أن يتسلم نجل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر قيادة المعركة في عدن وهو ما أدى إلى استبعاده من المشهد العسكري في كبرى مدن جنوبي اليمن.
أما القائد الأخير للمنطقة الرابعة اللواء أحمد سيف اليافعي، فقد بدا أقرب إلى قائد للميليشيات منه إلى قائد عسكري حقيقي. بتعبير آخر، لم يكن اليافعي إلا جزءاً من المتضادات التي ائتلفت أخيراً بمواجهة «أنصار الله». وما حديث الإعلام التابع للعدوان عن اصطفاف المنطقة الرابعة خلف السعودية وحلفائها إلا تمنيات لم تجد سبيلها إلى التنفيذ. هذه التمنيات نفسها استعصت على التحقق في محافظة حضرموت، قائد المنطقة العسكرية الأولى اللواء الركن عبد الرحمن الحليلي الذي يتمركز نحو خمسة عشر ألفاً من جنوده على مساحة كبيرة من الحدود اليمنية السعودية أعلن في 20 نيسان الفائت ولاءه للرئيس الفار، إعلان ثبت لاحقاً أنه ينطوي على محاولة لربط النزاع لا التبعية.
هذا ما تجلى بوضوح في شهر تموز الماضي. قائد المنطقة الأولى رفض الإيعازات السعودية بمواجهة القوات المشتركة التي كانت في طريقها نحو محافظة شبوة. رفض سرعان ما جاء الرد السعودي عليه بقصف اللواء 23 ميكا، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من الضباط والجنود. ولم تنتهِ الحكاية هنا. ما هي إلا فترة وجيزة حتى اندلعت مواجهات بين القوات التابعة للحليلي وميليشيات هاشم الأحمر عند منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، جاء ذلك عقب محاولة مسلحي الأحمر السيطرة على المنفذ والتسلل عبره نحو المحافظات الواقعة شمال شرقي اليمن، إلا أن قوة عسكرية تابعة للمنطقة الأولى توجهت نحو الوديعة واشتبكت مع المهاجمين في محاولة لمنعهم من التقدم.
تطورات حارت أبواق العدوان في كيفية «لفلفتها». منهم من تحدث عن تمرد على الشرعية، آخرون حاولوا التسويق لما سمّوه فقدان ثقة متبادلاً، فيما اكتفى قسم ثالث بالإشارة إلى عموميات الحادثة. اليوم، وبعد مرور نحو شهرين على تلك الوقائع تبدو المسافة بين السعودية وبين من يفترض أنهم جنودها في حضرموت متباعدة أكثر فأكثر، بعض المعلومات تشير إلى أن تحالف العدوان عمد إلى استبعاد الحليلي من قيادة المنطقة الأولى، إلا أن معطيات الميدان تفيد بأن اللواء المثير للجدل والمرتبط بالرئيس السابق علي عبد الله صالح أكبر من أن يُزاح بسهولة، وأن كل ما استطاعت السعودية فعله تشكيل غرفة عمليات مستقلة بقيادة هاشم الأحمر تتولى عمليات «الزحف» إلى مأرب.
هذا العجز السعودي ظهر أيضاً في المنطقة العسكرية الثانية التي تمتد على أجزاء من محافظتي حضرموت وشبوة فضلاً عن محافظة المهرة وجزيرة سقطرى التي تتخذ من مدينة المكلا مقراً لها، منذ سيطرة مسلحي «القاعدة» على المدينة المذكورة بما فيها مقر المنطقة الثانية في الثاني من نيسان الفائت لم تتمكن حكومة هادي من استعادة هيبتها هناك. أقصى ما بلغته محاولاتها وعود متكررة بتقدم «قوات الشرعية» نحو المكلا لتحريرها من عناصر التنظيم المتطرف، وعود لم تجد طريقها إلى أرض الواقع، نائب قائد المنطقة الثانية، العقيد محمد علي حمود، الذي أعلن في الخامس عشر من نيسان الماضي ولاءه «للشرعية» لم يتقدم خطوة واحدة باتجاه عملية التحرير المأمولة، تماماً كما لم يقدم على خطوات كهذه، العميد الركن عبد الرحيم عتيق الذي عُيِّن قائداً للمنطقة العسكرية الثانية في 18 تموز الفائت.
في محافظة شبوة، لم يكن المشهد أقل إقلاقاً لتحالف العدوان، قائد محور عتق العسكري اللواء عوض العولقي الذي بدت السعودية وحلفاؤها مطمئنين إلى ولائه لهم لم تبدر منه أية دينامية تؤكد ذلك، على العكس تماماً، ما إن بدأت قوات الجيش و«اللجان» التقدم نحو عاصمة المحافظة حتى اصطف الجنود والضباط المؤتمرون بإمرة العولقي إلى جانب تلك القوات، اصطفاف ردت عليه حكومة الرئيس الفار بعزل قائد محور عتق من منصبه وإحالته على المحاكمة العسكرية.
الإجراءات العقابية هذه لم تفلح في سدّ الثُّغَر وتوحيد الصفوف بمواجهة «أنصار الله». عملية صافر التي أدت إلى مصرع العشرات من الجنود الخليجيين خير دليل على ذلك. معظم المعلومات المتداولة تفيد بأن الصاروخ الذي استهدف المعسكر 107 في محافظة مأرب انطلق من منطقة حريب في مديرية بيحان في شبوة، أي من صلب المناطق التي كانت «الشرعية» قد أعلنت «تحريرها». أكثر من ذلك، بعض المصادر المطلعة على كواليس «البلاط الملكي» تتهم اللواء محمد علي المقدشي الذي عينه هادي رئيساً لهيئة الأركان العامة في الرابع من أيار الفائت بكشف ظهر المعسكر المستهدف في صافر وتسليم «الحوثيين» إحداثيات مكنتهم من دقة الإصابة.
وتتهم المصادر المذكورة المقدشي نفسه بالتسبب في مقتل 57 عنصراً من «المقاومة الشعبية» في مديرية مكيراس في محافظة أبين إثر «وشايته» بحقيقة تمركزهم. ما يعزز المعلومات المتقدمة أن مصادر مقربة من هادي كانت قد ذكرت أن الأخير سيتخذ عقب عودته من تشييع قتلى القوات الإماراتية قراراً بإقالة المقدشي من منصبه وتعيين اللواء سيف الضالعي بدلاً منه، غير أن مصادر إماراتية قالت إنه لن يكون بمقدور هادي إزاحة المقدشي من المشهد بالنظر إلى أن رئيس الأركان يتمتع بصفة تمثيلية كبيرة داخل محافظة مأرب، وبناءً عليه إن استبعاده من منصبه قد يؤجج العداء القبلي «لقوات التحالف»، ما يجعل تهميش الرجل وتقليص دوره تدريجاً الخيار الأوفر حظاً.
حظوظ تحالف العدوان من الولاء في محافظة أبين لم تكن أفضل من غيرها في بقية المناطق. لواء المجد المتمركز في مديرية مكيراس الذي أعلن ولاءه «للشرعية» في شهر تموز الماضي لم يتردد في الانضمام إلى صفوف «أنصار الله» بمجرد إشراف مقاتلي الحركة ومعهم القوات المسلحة على المديرية. بل إن قيادات ما تسمى «المقاومة الجنوبية» اتهمت لواء المجد بتسليم معسكراته وأسلحته وعتاده «للحوثيين». أما قيادات محافظة تعز فقد تكون ممارساتها الأكثر تجلية لحالة التشرذم التي تعتري صفوف الجبهة الموالية للعدوان، علي مسعد حسين قائد محور تعز الذي أعلن ولاءه «للشرعية» منذ ما قبل فرار هادي إلى الرياض لم يصمد في ساحات القتال أكثر من ساعات معدودات.
هكذا فرّ حسين مع بلوغ «اللجان الشعبية» محافظة تعز إلى مسقط رأسه في الضالع لتتساقط في أعقاب فراره المواقع العسكرية واحداً تلو الآخر. تساقط حاول الرجل التعويض عنه بإرساله ثلاث كتائب مقاتلة من الضالع وردفان إلى تعز لمواجهة «أنصار الله» جنباً إلى جنب ميليشيات «الإصلاح» والحيلولة دون سقوط المحافظة بأكملها. السقوط المأمول به سعودياً في محافظة مأرب لا يزال بعيد المنال، معظم الذين يقاتلون في هذه المحافظة غرباء عنها، لا ألوية عسكرية تتصدى لرفاق السلاح ولا مجاميع قبلية تساند القوات الخليجية، وحدها العناصر الإخوانية والمجاميع القاعدية تتخندق والجنود الخليجيون والعسكريون اليمنيون المجنّسون والمدربون في السعودية.
في خلاصة المعطيات، تبدو المملكة و«الشرعية» المرتبطة بها في مأزق حقيقي. معظم القيادات العسكرية «الموالية لها» إما مترددة في الولاء وإما عاجزة عن الإتيان بأية دينامية لفقدانها المقومات اللازمة لذلك وإما شخصيات صاحبة نفوذ تتقن التكتيكات السياسية والعسكرية والأمنية إلى أبعد الحدود. المفارقة أن الرياض وحكومة الرئيس الفار تدركان تلك الحقائق، بيد أنهما تصران على المضي في سياسة الترقيع والتنقيل والعزل والتعيين، حتى غدت هذه السياسة البيدق الوحيد بيد هادي. بيدق لم يفلح حتى الآن في إرساء تبدلات استراتيجية تهيّئ لما تسميه السعودية «جيشاً وطنياً»، مؤهلاً لتسلم زمام الأمور في البلاد. وعليه فقد يكون العجز المفند آنفاً ورقة حيوية بيد «أنصار الله» في أية مفاوضات مقبلة لتثبيت تقدم القوات المشتركة وأوليتها وأهليتها دون سواها لحفظ الأمن وإرساء الاستقرار.