السعودية/ نبأ- قالت صحيفة "السفير" اللبنانية، في تقرير للصحافي محمد بلوط، أن الريبة لم تتوقف في صدق الرياض بتنفيذ هبة الثلاثة مليارات دولار أميركي القاضية بتسليح الجيش اللبناني بأسلحة وذخائر فرنسية، وقد وصفها قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي في تشرين الثاني الماضي بأنها «حبر على ورق»، قبل أن تقوم قيامة البعض من اللبنانيين عليه، ما اضطره لإصدار توضيح على الأرجح لم يكن مقتنعاً به، بدليل أنه عندما زار واشنطن مطلع الشهر الحالي، كان صريحاً في محادثاته مع الأميركيين بدعوتهم إلى التعامل مع قضية الهبة السعودية «وكأنها لم تكن»، وهو أمر استبقه الأميركيون بزيادة مساعداتهم العسكرية للجيش اللبناني، منذ مطلع العام الحالي.
في هذا السياق، لم يكن قرار السعودية بوقف المساعدات المقررة للجيش والقوى الأمنية اللبنانية من ضمن هبتي الأربعة مليارات دولار، مفاجئاً لأحد، ذلك أن كل المعطيات كانت تشير منذ زمن بعيد إلى أن القرار متخذ لأسباب داخلية سعودية، خصوصاًَ أنه لم تسجل سابقة من هذا النوع في تاريخ المملكة، لجهة إقدام ملك جديد على إلغاء قرار صادر عن سلفه الملكي، فضلاً عن سابقة ثانية تتمثل في محاولة إلزام عائلة الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز بتغطية هبة المليار، الأمر الذي أثار حفيظة واحتجاج ورثة الملك السابق، فكان أن لجأوا إلى المحاكم في مواجهة تنصل الديوان الملكي السعودي من تغطية المليار.
يصبح السؤال في هذه الحالة متمحوراً حول الإخراج والتوقيت اللذين لجأ اليهما السعوديون لاستثمار قرار متخذ سلفاً بإلغاء الهبتين الماليتين لاعتبارات سعودية بالدرجة الأولى، خصوصاً أن الشركات المصنّعة للأسلحة تبلغت من شركة «اوداس» الوسيطة يوم الإثنين الماضي وبرسائل رسمية قرار إلغاء «الطلبيات» المقررة.
الأكيد أن الدوافع التي ذكرها البيان الرسمي السعودي ليست هي الدوافع الحقيقية لإلغاء الصفقتين معاً، وهي دوافع تسبق بوقت طويل، الهجوم على السفارة السعودية في طهران، إثر إعدام الشيخ محمد باقر النمر، وما اتُهم به لبنان من نقض التضامن العربي مع السعودية، في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير ولاحقاً الاجتماع الإسلامي في جدة، وهما اتُخذا ذريعة لإلغاء الهبتين.
وإذا أخذنا بـ «الدوافع السعودية» التي فاجأت السفير السعودي في بيروت كما سعد الحريري العائد حديثاً من السعودية، فإن اللافت للانتباه أن مسؤولاً لبنانياً مقرباً جداً من السعودية أوضح لـ «السفير» أن مقابلة الرئيس تمام سلام التلفزيونية الأخيرة، أثارت حفيظة المسؤولين السعوديين، خصوصاً أنه دافع فيها عن الموقف الذي اتخذه وزير الخارجية جبران باسيل في القاهرة، وهنا بات السؤال المطروح «إذا كانت الحكومة اللبنانية عاجزة عن السيطرة على حدودها مع سوريا وفي الداخل، فهل باتت عاجزة، وهي محسوبة برئاستها وثلثي مكوناتها على السعودية، عن اتخاذ موقف سياسي متضامن مع المملكة، وكيف يمكن لنا أن نفسر أن مسؤولاً حزبياً لبنانياً يتجرأ على القول إنه «جندي في ولاية الفقيه» بينما يخجل كل حلفاء سعد الحريري بعلاقتهم بالمملكة، بل يوجهون انتقادات قاسية لها كما حصل في أكثر من مناسبة»؟
لا أحد يملك تفسيراً نهائياً أو محدداً للتوقيت السعودي، برغم أن عقود الهبة السعودية بلغت مرحلة متقدمة من الالتزامات المالية والعقدية مع الشركات الفرنسية المصنّعة للأسلحة والمعدات العسكرية. إذ بدأت نهاية العام الماضي شركة «اوداس «الوسيطة المشرفة على تنفيذ الصفقة، بالتوقيع على اتفاقات تصنيع المعدات المطلوبة مع هذه الشركات، ما يعني أن الالتزامات المالية التي رافقتها، ستملي على السعودية إيداع المزيد من المبالغ، عندما تبدأ عمليات تسليم الدفعة الأولى من المعدات في نيسان المقبل.
ولقد كان على السعوديين، الذين تستنزفهم «عاصفة الحزم» على اليمن، البحث عن إعادة ترتيب أولوياتهم المالية، لتمويل صفقات عسكرية تبلغ قيمتها أكثر من خمسين مليار دولار، يخصصون غالبيتها لمواصلة الحرب اليمنية، فيما تعاني ميزانية المملكة من عجز بلغ 98 مليار دولار، تمت تغطيته، باستدانة 20 مليار دولار من المصارف، وبيع 70 مليار دولار من الأصول الخارجية السعودية.
ومن المعروف أن الهبة السعودية ولدت من رحم تساؤلات الملك الراحل عبدالله عن استنكاف الجيش اللبناني عن مواجهة «حزب الله» ومنعه من تجاوز حدود لبنان الشرقية باتجاه سوريا، خلال لقائه برئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان في الرياض، في خريف العام 2013، أي في زمن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كان يعتبرها السعوديون والحريري «حكومة حزب الله»، ولذلك، يصبح السؤال كيف تقررت في تلك اللحظة، وتلغى مع حكومة تمام سلام التي تمت تسمية رئيسها في الرياض قبل بيروت، وهل اختيار التوقيت على مسافة خمسة أيام من عودة الحريري الى بيروت هو اختيار مقصود أو العكس؟
وإذا كان السعوديون قد حصلوا الشهر الماضي على ضمانات سياسية وتقنية فرنسية غير مسبوقة، بينها مفاتيح لتعطيل الأسلحة عن بعد، لو قُدّر لها أن تسقط في يد «حزب الله»، أو تنفيذاً لأي قرار سعودي آخر، فإن السؤال المطروح هو: ما الذي استجدّ في الأسبوعين الأخيرين حتى استدعى مراجعة سعودية شاملة سرعان ما تبنتها دول خليجية مثل الإمارات والبحرين؟
أما هبة المليار الواحد التي حملها سعد الحريري، من الرياض الى السرايا الحكومية في بيروت، مطلع آب 2014، فكانت ملغاة منذ ان اعترض ورثة الملك الراحل عبدالله على استمرار تمويلها من التركة الملكية لعبدالله، بعدما تبين ان المليار دولار، التي تسلم المشرفون عليها 350 مليون دولار في مصرف لبناني خاص، وليس في حسابات المالية العامة، هي هبة من المال الخاص للملك عبدالله، وليس من المالية السعودية العامة. وهناك فضيحة حقيقية، واكبت هبة المليار، قبل إلغائها، إذ تفيد معلومات فرنسية أن مرجعاً حكومياً لبنانياً سابقاً (على الأرجح بالتفاهم مع مرجع سابق ونائب حالي)، حصل على عمولة 47 مليون دولار، لقاء إيداع المبالغ الأولى من هبة المليار الواحد، في مصرف لبناني في بيروت، كمقدم على الفوائد التي توفرها هذه المبالغ!
كيف تعاملت فرنسا وشركة «اوداس» مع الإعلان السعودي؟
لم يصدر أي إعلان رسمي سياسي فرنسي، لكن شركة «اوداس» الوسيطة، لا تزال تعتبر الهبة قائمة. وبحسب مصدر معني فيها، فقد ابلغت الشركة الوسيطة الشركات المصنعة، بعد ساعة فقط من الإعلان السعودي، أن شيئاً لم يتغير بالنسبة اليها، وأن عليهم مواصلة برامج التصنيع المتفق عليها، قبل شهرين، وإنهاء الأقسام المقررة من الصفقة هذا العام، وإبقاءها في المستودعات، وعدم تسليمها، وأن الشركة تفكر في طريقة التسليم. إذ ينص بند واضح في الاتفاق المعقود مع السعوديين، أنه في حال تجميد او إلغاء الصفقة، تدفع السعودية، ما يتم تصنيعه وتسليمه.
والأغلب أن شركة «اوداس»، تنتظر تدخلاً حكومياً فرنسياً، يحيي الصفقة التي شهدت في الماضي تعرجات كثيرة سواء أكان لمصلحة الجيش اللبناني أو تحويل وجهتها الى بلد آخر (مصر على سبيل المثال لا الحصر)، ذلك أنه لم يحدث أن ألغت السعودية صفقة من هذا النوع من قبل، «ولو ألغوا العقد، فإن ذلك سينال من هيبتهم، وسيكون لذلك نتائج سياسية وديبلوماسية كبيرة»، كما قال مسؤول فرنسي لـ «السفير» في وقت سابق.
ما هي تداعيات الإلغاء لبنانياً؟
يجيب مسؤول لبناني معني أن لا خوف على الاستقرار «لأن مظلته ليست قائمة لأسباب لبنانية وحسب بل لأن لبنان يشكل في هذه اللحظة حاضنة لكتلة بشرية تضم مليوناً ونصف المليون لاجئ سوري، وليس خافياً أن هاجس الغرب وتحديداً الاتحاد الأوروبي يتمحور حول كيفية الحفاظ على هذه الكتلة المليونية في لبنان، مخافة أن يؤدي مس الاستقرار الى فتح أبواب هجرتها نحو أوروبا».
ولم يستبعد المسؤول اللبناني أن يكون القرار مجرد مناورة، بحيث يبادر الحريري الى استثماره بالتدخل لدى قيادة المملكة فتتراجع عنه، إلا إذا كان هناك من لا يقيم وزناً للحريري في السعودية، والدليل هو أن مبادرة الحريري بترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، باتت مهددة بالسقوط بالضربة القاضية، من دون إغفال أن كل محاولات الرابية الهادفة إلى طرق أبواب المملكة قد بلغت الحائط المسدود، لا بل إن أحد المقربين من الحريري قال لـ «السفير» إن القرار السعودي «يصيب سياسياً بالدرجة الأولى ترشيح العماد ميشال عون.. ومواقف وزير الخارجية جبران باسيل».
هل قرار السعودية «أوّل الغيث.. والآتي أعظم» حسب وزير الداخلية نهاد المشنوق؟
الأجوبة متعددة ومتناقضة.. من موضوع الودائع السعودية في مصرف لبنان الى قضية اللبنانيين العاملين في الخليج.
هل يمكن للجهود الديبلوماسية أن تجعل المملكة تعيد النظر بقرارها؟
الجواب عند وزير لبناني سيادي معني بالملف هو بالتعامل جدياً مع المبادرة الإيرانية الهادفة إلى تسليح الجيش اللبناني، إذ يقول لـ «السفير» إن ما كان يمنع التعامل معها بجدية سابقاً «هو عنصر العقوبات الدولية التي رُفعت بمعظمها حالياً عن إيران، وبالتالي، على الحكومة أن تتخذ قراراً سياسياً بعدم تفويت أي فرصة لتسليح الجيش والقوى الأمنية في مواجهة التحديات الإرهابية القائمة».
يذكر أن العماد جان قهوجي سيبدأ اليوم زيارة للكويت للمشاركة في اجتماعات رؤساء أركان التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وسيكون هذا الموضوع، على الأرجح، جزءاً من محادثاته مع المسؤولين المشاركين وبينهم رئيس أركان الجيش السعودي!