حالة الهدوء التي تسود شوارع الخرطوم منذ صباح الأحد تنذر بالضجيج، إنه عصيان مدني يستمر حتى الغد.. ضد الغلاء وارتفاع أسعار المحروقات والسلع والأدوية.. فيما لم يحقق الرئيس السوداني عمر البشير خلال العامين الماضيين رخاءً اقتصادياً من خلال علاقته بالرياض كبديل عن إيران حينما كانت تعاني العقوبات والحصار.
حازم الأحمد
يبدو أن حسابات عمر البشير أخطأت في العلاقة مع السعودية. المعادلة الاقتصادية التي بنى عليها قبل عامين انقلبت رأساً على عقب.. فبعد أن وجد في العلاقة مع الرياض فرصة إقتصادية لتمنية بلاده، غرقت السعودية في عجز اقتصادي، فيما استطاعت إيران أن تستعيد عافيتها نسبياً، بعدما كانت تعاني العقوبات والحصار، قبل توقيع الإتفاق النووي الهش.
حاجة البشير إلى الأموال، دفع السعودية إلى الدخول من المنطقة الرخوة وهي الاقتصاد، فأغدقت خلال الاعوام الأربعة الأخيرة الاستثمارات بشكل كبير على البلاد، إذ بلغت 11 مليار دولار بحسب وكالة رويترز، كما منحت الرياض مليار دولار للبنك المركزي السوداني وابرمت اتفاقا مع السودان لبناء سد على نهر النيل لتوليد الكهرباء وتعهدت بمزيد من الاستثمارات في القطاع الزراعي.
وفي حين تعاني السودان من ارتفاع نسبة البطالة وهبوط قيمة العملة وبدء الحركات الإحتجاجية ضد البشير، عادت ورقة الأمن الاقتصادي لتسقط في السودان في ظل عجز السعودية، وأطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حملة عصيان مدني ضد الغلاء وإجراءات الحكومة الأخيرة التي أدت إلى ارتفاع أسعار المحروقات والسلع والأدوية، ودشن النشطاء هاشتاق #السودان_عصيان_مدني_27_نوفمبر.
تحالف قوى الإجماع المعارض أصدر بياناً، دعا فيه جموع السودانيين وقواهم الديمقراطية المتحفزة لإسقاط النظام، وعلى الفور اتخذت الحكومة السودانية قراراً أوضح خوفها من التحرك، وألغت الزيادات التي طبقتها على أسعار الأدوية، وأمرت بتشكيل لجنة لإعداد أسعار جديدة.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات قمعها البشير حتى الآن لكنه يخشى من خروجها عن السيطرة.. فالعصيان المدني يعد الخطوة الأولى في محاولة إسقاط النظام في السودان بحسب النشطاء، اذ سبق أن نجح في الإطاحة بالرئيس الأسبق جعفر نميري، لعب العصيان دورًا محوريًا في المقاومة الشعبية التي أسقطت حكومة الرئيس الأسبق إبراهيم عبود.
العجز الاقتصادي يساوي عجزاً سياسياً في المعادلات السعودية، بدا ذلك في تململ الأنظمة الفقيرة من قطع الرياض يديها وفرملة الدعم المالي. وليس بعيداً في ظل هذا التقشف أن تخطو السودان على خطى مصر، خصوصاً أن علاقة البلدين بالسعودية لم تكن يوماً متوازنة، فالقاهرة والخرطوم تنظران إلى المملكة بعين الاقتصاد، فيما تنظر الرياض إلى الدولتين بعين السياسة والعداء لإيران.. ربما الصورة بدت أكثر وضوحاً على هدير حرب اليمن.. بمشاركتهما الصورية.