دفع خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني لندن إلى التطلع إلى إيران كشريك اقتصادي، ومع انقلاب الولايات المتحدة على نفسها، وتهديدها بالغاء الاتفاق النووي بالتزامن مع الحديث عن خفض حضورها العسكري في الخليج تكتيكياً، دفع لندن إلى العودة إلى الخليج لملئ الفراغ الأميركي والاستفادة من الخليج مالياً بدلاً من الاستثمار في ايران المهددة بتجديد العقوبات، ما يؤكد توزيع الغرب للأدوار في المنطقة.
تقرير هبة العبدالله
بعد إنجاز الاتفاق النووي في يونيو/حزيران 2015م، كان الطرف الغربي يرى في طهران شريكاً حيوياً جديداً في الاقتصاد والاسثمارات مؤملاً الفوز بالسوق الإيرانية بعد مرور أكثر من عقد من فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.
وكانت بريطانيا من أول المشاركين في سباق قطف ثمار نجاح طهران في الوصول إلى اتفاق مع السداسية الدولية بشأن برنامجها النووي، وأرادت أن تكون من أكبر المستفيدين من فكاك عقدة إيران الدولية لتصير شريكاً اقتصادياً حيوياً جديداً بلا عراقيل.
بعد أسابيع قليلة من انجاز فيينا الكبير عادت العلاقات الديبلوماسية بين طهران ولندن. وبعد عام من الاتفاق، كانت المؤشرات الأولى تقول بنمو التبادل التجاري بين طهران ولندن التي عبرت عن استيائها من سريان بعض العقوبات الأميركية التي تحد علاقة المؤسسات الأجنبية الكبرية بعدد من البنوك الصغيرة في إيران.
وبذلت بريطانيا التي كانت شريكا تجاريا مهما لإيران قبل فرض العقوبات كل المساعي لإقامة علاقات اقتصادية أقوى مع إيران بعد الاتفاق. وأصبحت المسألة أكثر جدية بعد البريكست. شكل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصة تاريخية لتقوية العلاقات التجارية والسياسية بين بريطانيا وإيران حيث السوق الاستهلاكية الضخمة.
لكن فصلاً جديداً في التعاون البريطاني الخليجي في مرحلة ما بعد البريكست فتحته رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي حضرت ضيفة شرف على رأس القمة الخليجية في المنامة.
اختارت ماي المتهمة بلادها بالتورط في جرائم الحرب السعودية وانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين الأخيرة محط زيارتها الأولى لمنطقة الشرق الأوسط، واتفقت من هناك مع دول مجلس التعاون الخليجي على إطلاق الشراكة الاستراتيجية في المجالات كافة.
وشمل تأكيد ثبات أسس الشراكة والتعاون الأمني والدفاعي والتجاري بين بريطانيا والخليج اتفاق الطرفين على التعاون المشترك لمواجهة إيران.
سبقت الانقلابة البريطانية انقلابة أميركية في الاتجاه المعاكس. لن يكون الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب صديقاً ودودا للخليج وهو الذي شوه كل ما كان مميزا في العلاقات الأميركية الخليجية.
وفي المرحلة المقبلة، لن يكون الخليج من الحصة الأميركية في المنطقة، إذ أظهرت القمة الخليجية البريطانية اتفاقية الأمن مقابل الاقتصاد والتي ستتنازل بموجبها لندن عن الكثير من علاقاتها التجارية المتنامية مع طهران.
في سياق متصل، زعم وزير الخارجية البريطانية، بوريس جونسون، يوم الأحد 11 ديسمبر/كانون الأول 2016م، أن السعودية تواجه “تهديداً” من حركة “أنصار الله” بفعل الأزمة اليمنية، وذلك في زيارة هدفها تلطيف الأجواء مع الرياض بعد تصريحات أطلقها ضد المملكة قبل أيام، وأثارت موجة من الجدل دفعت الحكومة البريطانية إلى التبرؤ منها.
وذكر جونسون، في مؤتمر صحافي في الرياض، عقب لقاء نظيره السعودي عادل الجبير، أنه كرر دعم بريطانيا للتحالف السعودي ضد اليمن في تحركه لأجل إعادة ما اعتبرها “الحكومة الشرعية” إلى اليمن.
وأشار جونسون إلى أنه أجرى مباحثات بشأن الأزمة السورية وما يجري في حلب، فضلاً عن “دراسة سبل مواجهة الإرهاب والإيديلوجيات التي تشوه الإسلام”. وأضاف أنه اطلع على “رؤية 2030م” السعودية، مبديا استعداد بلاده للمساعدة في تحقيق أهدافها. وكان الملك سلمان بن عبدالعزيز قد استقبل جونسون، الأحد، في مكتبه في “قصر اليمامة”.
في المقابل، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير البريطاني في طهران نيكولاس هوبتون للاعتراض على تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية أمام قمة مجلس التعاون الخليجي في المنامة.
وبحسب المعلومات، فإن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي قال لهوبتون إن تصريحات ماي كانت “غير مسؤولة واستفزازية ومسببة للشقاقً، مشدداً على رفض تعليقاتها التي “ينبغي ألا تتكرر”.
وكانت ماي قالت خلال مشاركتها في القمة الخليجية إن بلادها على استعداد للتصدي لما وصفته بـ”العدوان الإيراني في المنطقة”.