لا يختلف بيان الداخلية حول قضية عملية اختطاف قاضي دائرة الأوقاف والمواريث في القطيف الشيخ محمد الجيراني عن سابقاته. استغلالٌ للأحداث الأمنية في المنطقة، هدفه الوحيد ملاحقة النشطاء السلميين؛ الأمر الذي بات يعرفه أبناء المنطقة الشرقية، الأكثر تضرراً، من الوضع الأمني الهش، وربما المقصود، لتشويه صورة الحراك المطالب بالاصلاح، وهو الدور الذي يتولاه الإعلام الرسمي.
رشيد الخويلدي
كما كان متوقعاً في كل مرة تقع فيها حادثة في المنطقة الشرقية، تصدر الداخلية السعودية بياناً، لايكاد يختلف عن سابقاته. الداخلية كشفت في بيانها المتعلق بحادثة اختطاف قاضي المواريث في القطيف الشيخ محمد الجيراني، الذي وقع في 13 ديسمبر العام 2016، عن أسماء ستة أشخاص في محافظة القطيف، اتهمتهم بالمسؤولية عن عملية الاختطاف؛ ثلاثة منهم كانوا قد اعتقلوا خلال الأيام الماضية، وثلاثة آخرون ضمن قائمة المطلوبين التسعة، المعلن عنها في أكتوبر الماضي، حيث اتهمتهم السلطات بالمسؤولية عن عدد من حوادث القتل التي تعرض لها جنود سعوديون في المنطقة الشرقية (القطيف والدمام) خلال العام المنصرم، ووضعت مكافأة لمن يدلي بمعلومات عمن بقي منهم حراً.
لم تقدم السلطات السعودية حتى الآن، كما جرت العادة، أيّ دليل ملموس يثبت تورط هؤلاء الشبّان في حادثة اختطاف القاضي الجيراني، كما هو عليه الحال في الكثير من بيانات الاتهام التي توجه للنشطاء الذين شاركوا في الحراك الشعبي السلمي في المنطقة منذ العام 2011.
النشطاء في قائمة المطلوبين التسعة، ميثم القديحي، ومحمد حسين آل عمار، وعلي بلال سعود آل أحمد، رفضوا تهمة اختطاف الشيخ الجيراني الموجهة إليهم في بيان وزارة الداخلية رفضاً قاطعاً، مؤكّدين على أنّ الأحكام التي تتوالى ضدهم لا صحة لها ولا برهان، إنما هي كذب وتلفيق لا دليل له، يأتي في إطار ملاحقة النشطاء وتشويه صورة الحراك السلمي في المنطقة الشرقية.
الناشط ميثم القديحي أشار في بيان مصوّر، اليوم الأحد، إلى أنّ السلطات السعودية هي من تقوم بجرائم القتل والاغتيال والخطف أمام مرأى العالم، ذاكراً عدداً من الشهداء بينهم الشهيد الشيخ نمر باقر النمر. القديحي أوضح أنّ الاتهامات باطلة ومزيفة، محملاً الحكومة المسؤولية عن أي اعتداء يحصل للنشطاء.
مراقبون وضعوا توقيت جريمة الاختطاف محل تساؤل، إذ ألقت بظلالها على الاستعدادات التي كانت تعد لإحياء الذكرى الأولى لاستشهاد الشيخ نمر باقر النمر، لاسيما وقد تم إصدار بيان الاتهام هذا، قبل يوم واحد من تاريخ الثاني من يناير، ذكرى جريمة إعدام الشيخ الشهيد.
مسرحية التوظيف
بحسب بيان الداخلية الأحد، فقد كلف الشبان المعتقلون الثلاثة، بأعمال المراقبة والرصد للشيخ الجيراني، في إشارة إلى أن المطلوبين الثلاثة ضمن قائمة المطلوبين التسعة، هم المنفذين للاختطاف، في استغلال واضح للحادثة لملاحقة النشطاء.
كرّة محاولة أرهبة النشطاء، تعاد اليوم على لسان التركي في حديثه لصحيفة "الرياض" المحلية الأحد، بأنّ المختطفين لا ينتمون لتنظيم داعش، بل هم عناصر إرهابية في القطيف والدمام، على حد تعبيره، وذلك في إطار سعي الداخلية، مصحوبة بالاعلام، إلى تصوير المطالبين بالاصلاح، على أنّهم وعناصر تنظيم "داعش" سواء، وهو ما تجلى أيضاً في اتهامهم بقتل رجال الأمن، كما يفعل التنظيم المتطرف في المملكة، والأمثلة كثيرة ولا مجال لحصرها هنا، لعل أبرزها الداعشي الذي قتل ابن عمه، أحد منسوبي القوات المسلحة في سبتمبر الماضي، امتثالاً لأوامر زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي.. فليس سراً أن تنظيم "داعش" أعلن نيته استهداف رجال الأمن، قبل أن تقع حوادث القتل المتكررة، التي تبناها التنظيم في مناطق عدّة في المملكة.
وفي محاولة للتضليل بأن ارتفاع نسبة قتل رجال الأمن، هي في المنطقة التي يتواجد فيها النشطاء، أشار التركي في حديثة للصحيفة، إلى 5 حوادث استهدفت عسكريين ورجالات أمن داخلي ومنسوبي وزارة الدفاع، موضحاً أن 4 منها وقعت في القطيف والدمام (2 في القطيف و2 في الدمام), كما أشار إلى حادثة تبوك في نوفمبر الماضي، والتي استهدف فيها تنظيم داعش أحد العسكريين.
الأزمات الأمنية المتنقلة، وعمليات استهداف رجال الأمن، كان آخرها مقتل رجل أمن في الرياض الأسبوع الفائت، ليس في مصلحة المواطنين في المنطقة، فمع فشل الداخلية أمنياً في المنطقة الشرقية، التي شهدت خلال العامين الماضيين عدداً من الجهمات الإرهابية، والتي استهدفت المكون الشيعي في البلاد، من دون أن تستطيع منع هذه الجرائم أو الكشف عن منفذيها ومحاكمتهم، تبرع الحكومة في ترهيب المنطقة والأهالي وتسييس العمليات الجنائية وتحضير الملفات الأمنية ولوائح الاتهام التي تضيع فيها جدية العمل الأمني الدقيق.
دور الإعلام
منصور التركي، الناطق الأمني باسم وزارة الداخلية لم يستبعد في حديث لصحيفة "الرياض" أمس، أن يكون هناك ارتباط بين عملية اختطاف القاضي بمواقفه "الوطنية" بحسب وصفه، من دون أن يشير إلى فرضية الابتزاز أو طلب فدية أمنية، أو إلى ما سبق وأشارت إليه مصادر مقربة من العائلة، بفرضية الانتقام المرتبطة بعمل الجيراني كقاض في دائرة الأوقاف والمواريث. قناة "العربية"، تولت الإشارة إلى مواقف الشيخ الجيراني، لتواكب افتراض الداخلية حول مواقفه "الوطنية"، إذ أرفقت تصريحات تعود للشيخ، زعمت أن لها سبباً في عملية اختطافه. وبعيداً عن أن النشطاء السلميين لم يتعرضوا إلى أحد من أبناء المنطقة، إلا أنّ التصريحات التي أرفقتها القناة، تعد اعتيادية في المنطقة، كما أنّ الكثير من رجال الدين، تحدثوا عنها بمثل ما تحدث الشيخ الجيراني، مع الإشارة إلى أنّ النشاط المطالبون بالاصلاح، لم يسبق وأن بدر منهم أي اعتداء على أيّ من المواطنين في المنطقة أو خارجها.
افتراضُ الداخلية، لا يهدف إلاّ إلى خلق فتنة بين أبناء المنطقة الشرقية وتقليب الرأي العام ضد النشطاء السلميين، وهي تسعى جاهدةً في هذا الاتجاه منذ العام 2011، عبر المداهمات الهمجية واطلاق النار العشوائي، والتضييق على الأهالي من خلال الحواجز الأمنية المشددة على مداخل القطيف والعوامية تحت حرّ الشمس.
ما يؤكد أن الداخلية توظف هذه الأحداث ضد النشاط السلمي، هو الاتهامات التي يطلقها الاعلام الرسمي جزافاً من دون أي دليل، مستبقة بيان الداخلية حتى، فبعد إعلان وزارة الداخلية السعودية مقتل جندي في مدينة الدمام في نوفمبر الماضي، وجهت الوسائل الإعلامية الرسمية اتهامات إلى أبناء منطقة القطيف. صحيفة "مكة" إعتبرت أن المسؤولين عن مقتل الجندي هم من وصفتهم بـ"إرهابيي القطيف الذين عمدوا على إستهداف رجال الأمن العزل"، وعلى الرغم من تأكيدها تشابه العملية مع ما ينفذه تنظيم "داعش"، نفت الصحيفة إرتباطه بها. أما صحيفة "الوطن"، فقد ربطت الحادثة مباشرة بأهالي العوامية، معنونة الخبر بأن "جرائم إرهابيي العوامية تزيد على جرائم الدواعش"، مستبقة أي تحقيق رسمي من المتوقع أن يصدر حول المسؤولين عن الحادثة.
ملابسات الحادثة.. والاتهام المتوقع
في يوم الاختطاف، كشفت زوجة الشيخ الجيراني تفاصيل اختطافه، إذ أكدت أنها رأت منفذي العملية اللذان كانا يرتديان ملابس عمال، وهما يمسكان به ويدخلانه في سيارته، فيما نقلت صحيفة "الشرق" السعودية في 13 ديسمبر، عن عميد أسرة الجيراني أنّ قاضي الأوقاف اختطف من قبل ملثمين. المعلومات تقول بحسب صحيفة "الوطن" السعودية أنّ القاضي الجيراني خرج متوجها لعمله، إلا أن الآثار دلت على عدم تحركه من أمام منزله واختفائه بشكل قصري.
زوجة الشيخ أكدت أن العائلة لاحظت منذ شهر أن المنزل مراقب، وأنها أبلغت الجهات الأمنية بذلك، وهو ما يثير التساؤل: لماذا لم تتولى الجهات المعنية حماية الشيخ كاحتراز؟ وماذا عن الكاميرات المنتشرة في جميع طرقات منطقة جزيرة تاروت التي لها منفذان فقط؟ مع الاشارة إلى أنّ زوجة الشيخ، أكدت رؤيتها للسيارة التي نفذت العملية، ما يجعل من السهل معرفة الخاطفين بإستخدام الكاميرات، فالتفاصيل التي ذكرت تدفع للتساؤل حول أسباب عدم تعقب الخاطفين مباشرة بعد الحادثة، أو أسباب عدم إتخاذ إجراءات إحترازية على الرغم من المخاوف التي قدمتها العائلة في السابق.
لمن كان يتابع القضية منذ اليوم الأول في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، يلاحظ أن ثمة حملة انطلقت عبر مواقع التواصل الإجتماعي تتشابه مع الحملات التي تقوم بها الحسابات التابعة لوزارة الداخلية والوسائل الإعلامية بحق البلدة قبل أي عمل أمني، إذ تخوّف مراقبون في حينها، من تلك التهم التي كانت تتوالى من دون أي إستناد إلى دليل أو تحقيق ولو أنها انحصرت في يوم الاختطاف في مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن تنتقل إلى وسائل الاعلام الرسمية، إلاّ أنهم حذّروا ممّا قد يخبئه النظام للمنطقة، من حملات تشويه واتهامات زائفة، على غرار حوادث أمنية سابقة في المنطقة.