فتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب صفحة جديدة في كتاب القضية الفلسطينية بعد لقائه رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قوامها التأسيس لمحور عربي إسرائيلي ودفن حل الدولتين.
دعاء محمد – محمود البدري – رامي الخليل
خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من لقائها الأول، بخلاصة متوقعة، فاعتبر أن حل الدولتين الذي يعترف بوجود دولة فلسطين "ليس ضرورياً".
وأوضح ترامب، الذي وصفته وسائل إعلامية أميركية بالجاهل للقضية الفلسطينية، أن على طرفي القضية أن "يجدا حلاً يرضيهما"، متوعدا بالعمل من أجل التوصل إلى ما وصفه بـ"اتفاق سلام عظيم".
لم يركز المؤتمر الصحافي الذي اختتمت به زيارة نتنياهو إلى واشنطن على القضية الفلسطينية، ولم يطرح أزمة الاستيطان حيث لم يدعو ترامب إلى تجميدها، كما أنه لم يتطرق إلى الحصار الذي يعاني منه الفلسطينيون.
من جهته، تحدث نتنياهو عن السياسة الجديدة للاحتلال في عهد ترامب، مشيراً إلى "تطابق الرؤية" من إيران واعتبارها "تشكل خطراً"، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي إلى تجديد رفضه للاتفاق النووي، ووعده بحماية تل أبيب.
ولم تغب الدول العربية وتوجهاتها الجديدة عن حديث نتنياهو، إذ قال إن هناك فرصة كبيرة تتمثل في النهج الإقليمي الحالي، مشدداً على أهمية إدراج من اعتبر أنهم "الشركاء العرب في المساعي الحالية".
وبحسب المعلومات، كانت أهم النقاط التي تمحور حولها لقاء ترامب نتنياهو إعادة إحياء ما سموه "المحور السني العربي لمواجهة إيران". كما تطرق الطرفان إلى عقد مؤتمر دولي تشارك فيه الدول العربية المعتدلة الى جانب إسرائيل هدفه المعلن بحث إيجاد حل للقضية الفلسطينية، اما هدفه الخفي فهو بدء عملية التطبيع بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ودول عربية "سنية" خليجية على وجه التحديد.
"الدولة الواحدة" بديلاً لـ"حل الدولتين"
الرئيس الأميركي ضرب عرض الحائط سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية، بتبنيه مشروع "الدولة الواحدة" للفلسطينيين والإسرائيليين بدلاً من "حل الدولتين".
التزم الحزبان الأساسيان في الولايات المتحدة، الديمقراطي والجمهوري، لعقود خلت، حل الصراع على أساس حل الدولتين لشعبين، شرط حماية أمن الاحتلال الاسرائيلي، ليأتي ترامب وينسف ما يسمى أصلا سلام، من خلال التخلي عن هذا الحل، لا بل ليكشف عن جهل وعدم فهم للموضوع الذي يتعامل معه.
فبعد لقائه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، يوم الأربعاء 15 فبراير/شباط 2017، وتبنيه مواقف الحكومة الاسرائيلية في ما يتعلق بضرورة اعتراف الفلسطينيين بالكيان المحتل، وعدم التحريض على كراهيتها في المدارس، قال إنه يترك تحديد مسار عملية السلام للطرفين، الأمر الذي ترغب به تل أبيب بشدة. إلا أنه عاد وأشار في نقيض واضح لكلامه أنه يقترح تدخل عدد من الدول التي يمكن أن تؤدي دوراً في عملية السلام، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل دائما.
يثير الريبة في كلام ترامب عدم اهتمامه بمعنى حل الدولتين الذي تمثل بمبادرة السلام العربية في عام 2002 في بيروت، فضلاً عن جهله المطلق بمعنى حل الدولة الواحدة وتداعيته على الاحتلال، بصفته كيان يهودي "ديمقراطي"، باعتبار أن هذا الحل يعني أن اليهود والمسلمين والمسيحيين سيحظون بحقوق واحدة، عندها يصبح اليهود أقلية، وفي هذه الحالة، فإن الطابع اليهودي للكيان سيصطدم بمكونات أخرى تمنع قيامه في فلسطين.
وأثيرت حالة من الجدل أيضاً بعدما نشر على تبني ما وصفها بـ"خطة" الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء. لكن نتنياهو نفى هذا الأمر خلال حديثه للصحافيين، فيما وصفت الخارجية المصرية ما يتم تداوله عن مقترح الرئيس السيسي بـ"المزاعم والأكاذيب" وأنها "مجرد شائعات".
وعلى خط موازٍ، أكدت السلطة الفلسطينية تمسك الفلسطينيين بأراضي الدولة الفلسطينية حتى حدود عام 1967 وأنها ترفض حتى التفكير بإقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة وسيناء.
لم يكن صعود مقترح قيام دولة فلسطينية في سيناء وليد اليوم، فهناك تاريخ من الشد والجذب حول هذه الفكرة، والتي تنبع من الإسرائيليين. لكن المصريين والفلسطينيين رفضوا الموضوع جملةً وتفصيلًا في الأزمنة المختلفة، وما التذرع بإطلاق تنظيم "داعش" الإرهابي لصواريخ على إيلات ومستوطنات الكيان إلا محاولة إسرائيلية لتنفيذ هذا المخطط.
حلف مناهض لإيران قيد الإعلان
لم تتأخر المعلومات المسرَّبة من داخل أروقة البيت الأبيض في الكشف عن مخطط لإنشاء حلف عسكري مناهض لإيران، يضم إلى جانب الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي دولاً عربية وخليجية على وجه الخصوص، في خطوة من شأنها أن تضع المنطقة على صفيح ساخن.
ما كان بالأمس خافياً بات اليوم على رؤوس الأشهاد، فها هو المحور الخليجي الإسرائيلي المعادي لإيران في طور التشكل برعاية أميركية منقطعة النظير. لم يترك ساكن البيت الأبيض دونالد ترامب مناسبة إلا واستغلها لحشد مشاعر العداء ضد الجمهورية الاسلامية الإيرانية، متهماً إياها بأنها "الدولة الإرهابية الأولى في العالم".
يأتي ذلك في وقت زار فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني سلطنة عُمان والكويت بهدف إصلاح علاقات بلاده مع دول الخليج. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن إدارة ترامب تبحث مع عدد من الدول العربية هي السعودية والإمارات ومصر والأردن إنشاء تحالف يضم إسرائيل لمواجهة إيران، على أن يكون هذا التحالف على غرار "حلف شمال الأطلسي"، بحيث تبادر الدول المنضوية تحت لوائه للدفاع عن أي عضو فيه قد يتعرض لهجوم.
وبحسب المعلومات التي رشحت بُعيد اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بترامب في واشنطن الأربعاء، فإن الطرفين اتفقا على عقد مؤتمر دولي تشارك فيه الدول العربية المصنفة في خانة الاعتدال إلى جانب الاحتلال، هدفه المعلن بحث إيجاد حل للقضية الفلسطينية، أما هدفه المضمر فهو بدء عملية التطبيع بين كيان إسرائيل ودول عربية وخليجية على وجه التحديد.
وسبقت الكلام عن تشكيل الحلف خطوات تمهيدية عدة، فمن التقارير التي كشفت عمل شركات أمنية في السعودية ودول الخليج، يتولى إدراتها ضباط إسرائيليون سابقون، مروراً بالمعلومات عن اعتماد دول الخليج على الكيان الاسرائيلي في الأمن السيبراني والقطاع التكنولوجي، وليس انتهاءاً باستعانة السعودية والبحرين بعسكريين إسرائيليين لتدريب قوات الشرطة على أساليب قمع المواطنين السلميين.
لا شك أن الحلف المراد تشكيله سيضع المنطقة كلها على شفير الانفجار، وفي ظل تسابق الدول الخليجية للارتماء في الحضن الاميركي الإسرائيلي بدعوى مواجهة إيران ونفوذها المتأتي من دعمها لحركات المقاومة في المنطقة، تتجه الانظار إلى مستقبل القضية الفلسطينية ومن خلفها الاستقرار في الشرق الأوسط.