في سياق التصدي للحراك الشعبي، كان قرار السلطات السعودية إعدام الشيخ نمر باقر النمر. كان مخطط الإعدام إخماد النفوس الثائرة، وقد ترافق مع حملة أمنية مشددة استهدفت العوامية بالذات بهدف إسكاتها، إلا أن الظلم دفع النشطاء إلى إبراز جرأتهم وتكثيف حراكهم وأيقظ في قلوب الثائرين الغضب في مواجهة الظالمين وحماية رسالة الشيخ الشهيد.
تقرير هبة العبدالله
في مارس/آذار 2011، شهدت المنطقة الشرقية احتجاجات متواصلة كان الشيخ النمر صوتاً رئيساً يصدح بالمطالب بكل جرأة، وكان معروفاً بخطاباته المحفزة. اعتقلته السلطات في يونيو/حزيران 2012 بعد إصابته. وقتها، خرج الآلاف في أكبر احتجاج شهدته القطيف على الإطلاق. ومع إعدام الشيخ الشهيد، يقول أهالي المنطقة الشرقية إن الشوارع شهدت الاحتجاجات الأكبر منذ انطلاقهاً.
ركز الشهيد الشيخ النمر في خطب عدة، ولأكثر من مرة، على شهادته. كان يعرف أنه بمواقفه يواجه حكماً بالقتل. فتوجه في أكثر من مناسبة إلى النشطاء وأهالي المنطقة الشرقية عموماً، بضرورة مواصلة نشاطهم مع كل الألم والاجرام التي سيحملونها، وشدد على أن قتله لا يعني نهاية الحراك بل إن دماءه يجب أن تضاعف الثورة وتجددها.
أثار إعدام الشيخ النمر موجة من الغضب في داخل المنطقة الشرقية للسعودية المعنية مباشرة كما في دول العالم والدول الإسلامية خاصة. دفعت السلطات السعودية الحراك الشعبي في القطيف خطوات إلى الأمام، وقلّبت الرأي العام داخلياً وخارجياً عليها أكثر، على عكس ما توقعه حكام المملكة. ولم يصب الناس بالذعر ولم يرهبهم الموت. إنها الشعلة الثانية للحراك الشعبي والانطلاقة الثانية للقطيفيين الغاضبين.
نظم عشرات من المواطنين احتجاجات على إعدام الشيخ النمر مع التأكيد على المطالب بإبقاء التحرك سلمياً. عمت موجة من الغضب المنطقة الشرقية، القطيف والعوامية وتاروت وصفوى ومناطق عدة اجتاحتها مسيرات الاحتجاج. كان المشهد مماثلاً في أماكن أخرى كالبحرين واليمن والعراق وباكستان وغيرها. يعرف المسؤولون في المملكة السعودية أنهم سيدفعون الثمن.
وفي خارج السعودية، حصل حراك دولي غير مسبوق وغير متوقع. تزايد السخط على حكام السعودية والتضامن مع الشيخ النمر والقضية التي دافع عنها. تعلو الهتافات المنددة بحكم آل سعود وبالجريمة البشعة. وبينما يشي المشهد بما لا يريح السلطة، يقول الإعلام التابع للبلاط الملكي إن عهد الملك سلمان يرسم ملاح السعودية الجديدة. أما المشهد هنا في الشوارع ومع الشعارات الغاضبة التي تصدح بها الحناجر الثائرة، يقول إن شيئاً جديداً سيحدث فعلاً.
كان هدف المنظومة الحاكمة في السعودية من الإعدام، تقديم نفسها كنموذج صارم في التعامل مع كل من يخالفها، وأن الخصام في الداخل ممنوع، وأن البحث عن خط آخر، عن مسير آخر، لا خلاص فيه. بالنسبة إلى المسؤولين السعوديين، أن تكون معارضاً يعني أن تكون ميتاً بحكم قاضٍ من البلاط بجريمة الإرهاب. كان ترهيب الناس الرسالة المراد إيصالها لكل من رافق الشيخ النمر في خطاه. صُدم حكام السعودية من مشهد فاجأهم على مدى أيام. ليس ثمة ما يخيف هؤلاء وليس ثمة ما يردعهم. إنه الحراك الشعبي يندلع من جديد.
وبدل إخماد صوت النمر صار أيقونة ورمزاً للشجاعة والحرية والكرامة في العالم والمنطقة الشرقية بالذات، حيث صوره المعلقة في كل شارع ومنزل، وكلماته المكتوبة على الجدران وأعمدة الإنارة وأقواله التي يحفظها الصغار ويرددها الشباب كالحكم.
صار الشيخ الشهيد أيقونة الحراك والثورة، ورمز الحرية والكرامة، التي عمل لصونها، وله في قلوب الناس مكانة لا تحركها شهادة وفراق. شهادةٌ ولدّت جيلاً من أبناء الشيخ الشهيد، جيلٌ سيغير الكثير.