من يطلب التعايش في ظل الحكم الوهابي، كانما يطلب تغيير النظام.
تقرير رشيد الخولدي
مرت أكثر من مئة عام على دخول عبد العزيز الأحساء والقطيف، وما يقارب المئة عام على ما يعرف بتوحيد المملكة. وطوال هذه المدة، ارتضت الحكومة لنفسها أن تعادي عدداً غير يسير من مواطنيها، بعد أن اتهمتهم بكل ما هو باطل ولم تتح لهم الفرصة في المناظرة والنقاش والدفاع.
تدعم السلطات السعودية حالة الخلل الدائمة في علاقتها مع مواطنيها الشيعة باستراتيجية ثلاثية الأبعاد هي: الطائفية، والتسييس، ثمّ القبضة الأمنية. وكّلما حاول بعض وجهاء المنطقة الشرقية، إخفاء وتغييب انعدام التعايش، اصطدموا بأهم ركائز النظام القائم في المملكة منذ عقود، وهي الوهابية السلفية التي تعتمدها المملكة منهجاً.
الوحدة الوطنية خيارٌ ترفضه السلطات السعودية، وخير دليل على ذلك، رفض مجلس الشورى الصوريّ مشروع “نظام حماية الوحدة الوطنية والمحافظة عليها” المقدم من عدد من أعضاء المجلس في يونيو/حزيران 2015، عندما صوت 74 عضواً ضد المشروع بينما وافق 47 عضواً وامتنع 11 عضواً في المجلس عن التصويت، في ما يشبه مسرحية الديموقراطية ذات النهاية المعروفة.
وأعرب أحد شخصيات القطيف، الشيخ حسن الصفار، وهو ممن سعى نحو تحقيق هذا الحلم، يوم الأحد 19 مارس/آذار 2017، عن صدمته بسبب فشل التصويت في الشورى على اقتراح قرار تجريم الكراهية والتحريض عند مناقشته والتصويت عليه، في مداخلة له خلال لقاء جمعه برئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله آل الشيخ في الدمام.
واعتبر الصفار أنّ التحريض الطائفي وبث التفرقة بين المواطنين هو “من أهم الأخطار على البلاد، خاصة مع ما يمر بالمنطقة العربية من اضطرابات يعاني منها أكثر من بلد”، مشيراً إلى وجود “منابر ووسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي محلية تحترف نشر الكراهية وتحريض المواطنين بعضهم على بعض”.
كان جواب رئيس مجلس الشورى تبريراً لأعضاء مجلس الشورى الذين رفضوا المشروع، بأن بعض المواد التي طرحت موجودة في النظام الأساس للحكم، وبالتالي سيكون هناك ازدواج. يطرح وجهاء القطيف مشروع التعايش منذ عام 2004، عامٌ كان المحطة الأبرز لدخول هذا المشروع مرحلة متقدمة، عندما تبنى نخبة من الشيعة في المنطقة الشرقية التنظير لفكرة التعايش، والعمل على فكرة الاندماج تحت شعار التواصل مع الآخر.
إلاّ أنّ المشروع فشل لأسباب عدّة، أبرزها دور الحكومة ورفض مجلس الشورى مشروع التعايش رسمياً، في حين تريد الحكومة السعودية أن تبيّن بأن اضطهادها لمواطنيها، راجع إلى معارضة النظام.
لم يقتصر رفض السلطات السعودية للتعايش تحت قبة الشورى، بل ترجم على الأرض بسلسلة تفجيرات نتجت عن التحريض من دون أن يعاقب أحد عليها، كما ترجم بتحريض من قبل وسائل الاعلام، ليس آخرها تحريض أمير القصيم وتكفيره الشيعة في الصحف الرسمية أمام مرأى الحكومة.
اختصر معرض الكتاب الأخير في الرياض المشهد بكثرة المؤلفات التي تحرض على الشيعة، ما يفضح زيف السلطات في التغني بشعارات التعايش السلمي. ويؤكد في الوقت نفسه، أنّ التجيش الطائفي، هدف أوّل للوهابية المتجذرة بالنظام.