يوضح الصراعٌ الخفي بين جماعة “الإخوان المسلمين” والوهابية، إلى حدٍّ ما، الخلافات السعودية القطرية، منذ إنشاء الدولتين.
تقرير عباس الزين
تأسست الوهابية بعد تحالفِ محمد عبد الوهاب ومحمد بن سعود آل سعود في نهاية القرن الثامن عشرَ، تحت رعاية بريطانية، في اتفاقٍ يتبى فيه الأول الدين والثاني السياسة، على أن يتم توريث هذا الوضع لتظهر “الوهابية السياسية” كنظامٍ حكمٍ سعودي مع إعلان الدول السعودية الثالثة، تستمد فيه العائلة الحاكة استمراريتها من تغطية الدين الوهابي لها.
عانت الوهابية مع بداية القرن العشرين من تخلفٍ فكري، مما دفع العديد من المنخرطين فيها والساعين إلى التجدد الى الانصراف عنها والبحث عن حركاتٍ جديدة، فكان تأسيس “الإخوان المسلمين”. ويعود الخلاف بين الوهابية و”الإخوان” إلى كون الأخيرة بديلاً سياسيًا إلى جانب كونها بديلاً دينيًا، عن الوهابية.
ودفع التزاحم القطري السعودي على تصدّر المشهد الإقليمي الدوحة إلى دعم “الإخوان المسلمين” وتبنّي توجههم السياسي في العالم العربي، وهذا ما اعتبرته السعودية تهديدًا وجوديًا لنظام حكمها القائم على تبرير الوهابية لسياساته.
يفسر مراقبون الدعم القطري لـ”الإخوان” مقابل محاربة السعودية لهم بكون قطر التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليون و700 ألف نسمة، هو عدد قليل مقارنة بسكان المملكة السعودية مثلا أو حتى الإمارات، ما يعني أن قطر تتحرك في غياب عنصر الشعب، وهو ما يحرر حكام “الإمارة” من أي خوف من أن يراهن “الإخوان” على قلب موازين الحكم داخل البلد، الأمر الذي يشكل خطرًا على الإمارات والسعودية اللتين تدركان أن تربع “الإخوان” على كراسي الحكم في الدول العربية، يبدأ دائما بمطالبتهم بتوسيع الحريات وفتح قواعد اللعبة السياسية، خارج الحدود.
الصراع بين الإخوان والوهابية، وفي ظاهره بين قطر من جهة والإمارات والسعودية من جهةٍ أخرى، وصل إلى حدِّ إرتفاعٍ أصواتٍ داخل الإمارات والسعودية بعد كل إعلانٍ عن اعتقال عناصر في تيار “الإخوان” تتحدث عن مؤامرة قطرية هدفها تركيع دول المنطقة. وهذا ما حصل في الإمارات حيث وجهت أصابع الاتهام بشكل شبه رسمي إلى الدور القطري الداعم لشبكة “الإخوان” التي تم تفكيكها في عام 2013، والتي قالت مصادر إماراتية في حينها إنها كانت تسعى إلى إقامة “الإمارة 2” في الإمارات بعد إقامة “الإمارة 1” في مصر.
بحسب مراقبين، فإن الصراع بين “الإخوان” والوهابية تتحكم به الولايات المتحدة باختلاف الأدوار المطلوبة من الدول الحليفة. تلعب قطر دوراً وظيفياً في بلورة التوجهات الأميركية الجديدة القائمة على إشراك التيارات الإسلامية الأقل تشددا في الحكم وفقاً للسيناريوهات التي أتاحها الربيع العربي في تونس، ومصر، والمغرب وليبيا وغيرها، حيث يمكن رصد البصمات الواضحة للدعم القطري لجماعتها، في مقابل الجماعات المدعومة سعودياً، والتي تعمل الولايات المتحدة على تشجيعها جميعاً لضمان استمرار التوازن المطلوب، الذي يضمن مصالحها.