أخبار عاجلة

مقال | الفكر المتطرف بين آل سعود وآل الشيخ

تشهد المؤسسة الدينية في السعودية صراعاً بين اتجاهين أحدهما يروّج لأفكار التعصب متسلحاً بأفكار المحافظين من مشايخهم، واتجاه آخر ـ ليبرالي ـ يعتبر ان إقدام رجال الدين على استخدام لغة ذات نبرة طائفية عالية والتعبير عن ازدراء غير المسلمين ومشاعر الكراهية تجاههم تغذي “الفكر المتطرف”.

وسط هذا الانقسام، تتخبّط السلطات السعودية في كيفية التعاطي مع أزمة التطرف والتعصب داخل كيان المملكة التي تصيب تحديداً المؤسسة الدينية، حيث أن عجز الحكومة السعودية أو عزوفها عن القضاء على الخطاب المتعصب دعا بعض “السعوديين الليبراليين” والمحللين الغربيين إلى السؤال عما إذا كانت السعودية ملتزمة بمعالجة التطرف من جذوره أم أنها تكتفي بمداواة أعراضه.

هذا ما سلطت “رويترز” الضوء عليه في تقرير بعنوان “شيوخ السعودية.. بين إدانة تنظيم “داعش” والخطاب الديني المتعصب”.

في طيات هذا التساؤل تساؤلات عدة، معظمها استنكارية، وتصب في وصف حال المجتمع السعودي، حيث أنه في الوقت الذي يهاجم فيه أتباع الفكر الوهابي الرسمي في السعودية المتشددين وينعتهم بـ “المارقين والخوارج” يروّج الكثير من شيوخها البارزين لأفكار تشجع على التعصب.

هنا، يزداد “الفكر المتطرف” انتشاراً في اطار الصراع بين “آل الشيخ” و”آل سعود”. وفي هذا الصدد، يقول مؤيدو آل سعود أنه ينبغي أن تتأنى الأسرة الحاكمة لدى التعامل مع رجال الدين المحافظين وإنها “أكثر ليبرالية من معظم المواطنين السعوديين” لكنها تخشى إثارة غضب الجماهير.

من ناحية أخرى، يقول سعوديون ليبراليون ومحللون غربيون ـ بحسب “رويترز” ـ إن هذه المبررات ليست في محلها وإنه لو كانت الحكومة تريد حقاً القضاء على التعصب الديني لتمكنت من ذلك. وقال محمد الزلفة وهو عضو سابق في مجلس الشورى وأحد أوائل النشطاء الداعين للسماح للنساء بقيادة السيارات “عندما تريد الحكومة أن تفعل أمورا معينة فستفعلها”.

وفي اطار هذا التناقض، ذكرت “رويترز” نقلاً عن كتاب لـ “ستيفان لاكروا” اشارته الى موضوع التعصب في الخطاب الديني السعودي واصفاً اياه بأنه “قويّ للغاية” و”بالتالي فإن هناك استعداداً لدى السعوديين لفهم وتقبّل تلك المبررات المتعلقة بالفكر المتشدد، في حين لا تزال بعض الكتب المدرسية التي كتب رجال دين شقاً كبيراً منها تعبّر عن مشاعر قويّة ضد غير المسلمين على الرغم من تعهد الرياض بتطهير مناهجها من العبارات التي تنم عن عدم تسامح.

وقال جمال خاشقجي الذي يرأس محطة تلفزيونية يملكها أمير سعودي إن الطريقة الوحيدة لمواجهة “القاعدة” و”داعش” تكمن في الشفافية والانفتاح بشأنها. وأضاف أن هناك مشكلة تتمثل في أن بعض التعاليم تروج للتشدد وأنه لم تعد هناك حاجة لمثل هذه التعاليم.

اضافة الى ذلك، عينت الأسرة الحاكمة رجال الدين في أعلى وظائف الدولة وأتاحت لهم فرض رؤيتهم لأحكام الشريعة الاسلامية وبات لهم تأثير عظيم على الجوانب
الاجتماعية وقواعد الأخلاق العامة كما قدمت لهم التمويل السخي للدعوة الخارجية ومعاهد تعليم المذهب الوهابي. وقامت الرياض بتقديم السلاح والمال للمسلحين في سوريا.

وأضافت “رويترز” من هنا ينظر الغرب إلى السعودية والفكر الوهابي المتشدد على أنهما المنبع الأيديولوجي لتنظيم “القاعدة” الذي نفذ هجمات في أماكن متفرقة من العالم وجماعة “داعش” التي قطعت رؤوساً في سوريا والعراق، لكن المؤسسة الرسمية السعودية تنفي هذا الرأي. وكتب سفير الرياض إلى بريطانيا الأمير محمد بن نواف مقالاً في الشهر الماضي قال فيه إن فكر المتشددين “لا يتطابق ولو حتى بشكل بسيط” مع مبادئ الفكر الوهابي”.

واذا ما أردنا وصف واقع حال المؤسسة الدينية الوهابية، فإن خير تعبير القول أن الترهّل والانقسام أصابها بشدة. ففي حين قال وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف
والدعوة والإرشاد لشؤون المساجد الشيخ عبد المحسن آل الشيخ في محاضرة في جامعة أم القرى إن “اعلان الحرب والسلم يجب أن يكون بتوجيه من الحكومة و‬الملك نفسه معارضاً بالمطلق من يشجعون الآخرين على الذهاب والقتال في سوريا قائلاً إن هذا التوجه لا يتفق مع الدين الإسلامي وغير شرعي”، يعمد المتشددون على الاستشهاد دوماً بأقوال مشايخ وهابيين من القرن الثامن عشر والتاسع عشر لكنهم يعتبرون خلفاءهم الحاليين أدوات للحكومة السعودية التي تعهدوا بالاطاحة بها رافعين شعار “قادمون”.

وفي هذا الصدد، قال توماس هيجهامر وهو باحث في مؤسسة الابحاث الدفاعية النرويجية ومؤلف كتاب “الجهاد في السعودية” إن “الجهاديين توقفوا عن الاستشهاد بالمشايخ السعوديين البارزين في الدولة منذ سنوات طويلة”. وأضاف أن جماعة “داعش” تبتعد بدورها عن الاستشهاد بالمشايخ السعوديين القلائل الذين كانوا يدعمون يوماً القاعدة -وهم اليوم في سجون المملكة- بسبب الشقاق بينها وبين “القاعدة”، غير أن من الواضح وجود صلات بين مشايخ أقل بروزا في السعودية والمتشددين في العراق وسوريا.
(العهد)

المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها