كتب نادر المتروك في صحيفة الأخبار اللبنانية:
يُشكل الشيخ نمر النمر (1959) ظاهرةً كادت أن تندثر في المشهد الثوري في المنطقة الشرقية من المملكة السعودية، وتحديداً بعد التزام العمائم الثورية المصالحة مع نظام المملكة في 1993، والعودة إلى أرض الوطن، والدخول في برنامج إصلاحي قائم على معادلة القبول بالنظام القائم، مع إجراء «إصلاحات» هلامية على مستوى الحقوق، ولا سيما الحقوق المتعلقة بالشيعة.
منذ نهاية التسعينيات، دخلت العمامة الشيعية في الشرقية ضمن التصنيف التقليدي، وتمنعت عن الخطاب الثوري أو الصدامي مع السلطات السعودية، وكان ذلك تهيئة أولى لدخول الحقل المعجمي الجديد الذي روج له رجل الدين البارز الشيخ حسن الصفار، وأحد أبرز العائدين من رحاب الثورية الإسلامية إلى «أحضان الدولة»، ومع الشيخ الصفار بدأ الرواج للإصلاح، والمصالحة، والاعتدال في الخطاب الديني والسياسي، وباشرَ الصفار نفسه اتصالات ولقاءات على هذا الصعيد، لم تخل بعضها من انتقادات وكثير من الشكوك.
أصيبت العمامة الثورية بحال من الغياب التدريجي في المنطقة الشرقية، وعدا عن المواقف «الناقدة» وإنما بهدوء وتقطع، والتي كانت تصدر عن رجال الدين المتأثرين ببقايا الموروثات الثورية؛ فإن مجمل المشهد العام للعمائم الظاهرة على السطح الاجتماعي والديني كانت تلتزمُ إما الموادعة مع النظام السعودي ـ ولا سيما تلك العمائم المثقلة بالتبعية للتيار التقليدي ـ أو أنها كانت تتحرك في دوائر مرسومة، ضمنياً، من النقد «الناعم» والمحسوب بالمسطرة.
كسر الشيخ النمر هذا الصمت الذي دام أكثر من عقد. البوابة التي تفجرت منها عمامة النمر، كانت «الربيع العربي»، إلا أن الصورة العارمة لعمامة النمر أخذت حضورها الثائر مع اندلاع ثورة البحرين، ولا سيما بعد دخول قوّات درع الجزيرة إليها في مارس 2011م.
ارتفع صوت العمامة على نحو غير مسبوق. الشعارات التي ترتفع في قلب التظاهرات وفي الميادين التي يضطر المشاركون فيها إلى التخفي وراء الأقنعة؛ كانت تحضر في خطاباته العلنية وترد على لسانه بكلام واثق لا تردد فيه أو تباطؤ. يردد مواقفه بصوت متتابع، وبلغة تستحضرُ بريق القادة الذين يُلهمون الناس بسحر ممزوج من الخطاب السلس، ولكن المليء بالتحدي والثورية. المعاني العاطفية التي اشتغل عليها خطاب النمر كان لها فعلها المدوي في إشعال الحراك في القطيف، وبفضل قدرته الساحرة على الجذب وانتزاع المشهد والألباب؛ تحول الشيخ النمر إلى الملهم الأول للشباب، الذين وجدوه ـ بدورهم ـ نموذجاً للقائد الذي انتظروه طويلاً.
يمكن كثيرين أن يجدوا في ذلك اختراقاً «بالغ الكلفة»، ليس على مستوى السلطة التي عملت طويلاً على سياسة الإلجام والإحجام فحسب، ولكن أيضاً على مستوى البيئة العامة التي تتميّز بها منطقة القطيف. لقد كان «اختراق» الشيخ النمر خروجاً عن الجغرافيا السياسية لمنطقة محكومة بأكثر التحفظات والمحذورات رواجاً في بيئة المحافظين، بمن فيهم أولئك الذين لا يزالون عالقين في منطقة الشكوك واللوم التاريخي للذات. إلا أن المؤكد أن النمر هز كثيراً من تلك الرواسب التي أفشلت ـ أكثر من مرة ـ مشروع التحرر في المنطقة الشرقية، وأعطت فدائيته مساحةً جديدةً من ممكنات التخلص من إرثين لا تزال العمامة هناك تضطرب بينهما، الأول يتمثل في إرث التراضي مع الأمر الواقع، وبذرائع لها علاقة بقصر اليد تارة وقصر العين تارة أخرى، والآخر يتصل بالتعثر الدائم في صناعة معارضة «سعودية» معافاة من أدواء النخبة «الرخيصة» وهياج الجمهور اليائس.