كتب عبد الرحيم عاصي في صحيفة الأخبار اللبنانية:
سجلت المنطقة الشرقية في السعودية حضورها بين المناطق التي خرجت إبان ما سمي «الربيع العربي» في 2011 للمطالبة بحقوقها السياسية ورفع غبن وتمييز الحكم السعودي بحق أهل المنطقة على خلفية انتمائهم الطائفي.
تفجرت «الانتفاضة» مع خروج الشباب في مسيرات للمطالبة بالإفراج عن تسعة سجناء مضى على اعتقالهم في حينها ستة عشراً عاماً وقد عرفوا «بالسجناء المنسيين». كما ساهم دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين في اتساع رقعة الحراك والاحتجاجات في القطيف.
قابل النظام السعودي يومها الحراك السلمي بممارسة «إرهابه» بحق أهالي القطيف والعوامية، فقتل أكثر من 20 شخصاً منذ 2011 حتى شهر آب 2012 وأصيب أكثر من 58 شخصاً بجروح متعددة، كما بلغ عدد الأسرى في سجون نظام «آل سعود» أكثر من 1042 شخصاً بقي منهم في السجون280 شخصاً بينهم 24 طفلاً حكم على 5 منهم بالاعدام بتهمة «استعمال العنف في وجه الشرطة».
لم يكن مستغرباً أبداً أن يكون الشيخ نمر النمر من أوائل المشاركين في الحراك السلمي حينها، فتاريخ الشيخ يشهد له بوقوفه الدائم في وجه «آل سعود» في محطات عدة، أبرزها عام 1979عندما شارك في ما عرف «الانتفاضة الأولى» في عمر العشرين عاماً، وتقدم يومها صفوف المنتفضين ضد الظلم والتهميش والمطالبين بالحرية والحقوق والانعتاق من طغيان آل سعود، وأصيب يومها برصاصة في قدمه.
الناشط حمزة الشاخوري الذي شارك في «انتفاضة 2011» وكان على تماس مباشر مع الشيخ النمر، أوضح أن الشيخ مثل «القائد» في مسيرة الحراك الثوري المطلبي. وأضاف الشاخوري لـ«الأخبار» أن دور الشيخ «تمثل في تأصيل منطلقات وأهداف حراك الجماهير الجهادية، وحدد مسار نشاطها وعملها في سبيل الوصول إلى أهدافها الملخصة في حرية الانسان وكرامته واستقلاله، ورفض الهيمنة والظلم والتلاعب بمصير الشعوب وثرواتهم.. كما هو الحال في الجزيرة العربية منذ نشوء نظام الحكم السعودي».
بدوره، لفت الناشط في الحراك، علي الدبيسي، إلى أن دور الشيخ في الحراك جاء انسجاماً مع رغبته في بلورة مشروع إصلاحي يحدث تغييرا جذريا في الإدارة السياسية في المملكة يأتي انسجاماً مع طموحات الشعب السعودي.
ساهمت مواقف الشيخ النمر في إعطاء الحراك حالة معنوية عالية، عبر نصائحه وإرشاداته التي أدت دوراً فعالاً في ترشيد الحراك، واتصف كل ذلك بصدقية عالية، أكدها في تقدمه صفوف المتظاهرين، واحتكاكه اليومي والمباشر بالفعاليات الجماهيرية المتعلقة بالحراك، ما عمق حالة المقبولية له عند الجماهير، بل إنه كان من قبل اعتقاله وما زال، الرمز الأكثر مقبولية وتأثيراً.
ويقول الدبيسي في هذا الشأن إن «نصائح الشيخ كانت تتوجه من موقعية من يرى في نفسه ذا مصير مشترك مع المجتمع، لا قائداً يظهر وقد يختفي دون دواع حقيقية، فكان يهتف بعد ارتقاء الشهداء، إنني (أنا الشهيد التالي)، وكان يقف مع المطلوبين مدافعاً عنهم من بطش السلطة، وداعياً الجميع إلى توفير الدعم والحماية لهم».
ويشير الدبيسي إلى أن الشيخ انتقد صراحةً الحراك متى احتاج إلى ذلك من باب دفع الشباب إلى القيام بما يجعل الحراك أكثر فعاليةً على قاعدة أنه كلما كانت أسس الحراك سليمة، فإن ذلك سيساهم في استمراريته وتحقيق أثره المرجو عند الناس أولاً، والسلطة ثانياً، دون أن يتقاعس الشيخ في الوقت عينه عن تحفيز وتشجيع الشباب، وفتح الآفاق الفكرية لديهم.
كانت منطلقات الشيخ النمر في الحراك والعمل غير مقتصرة على النظر إلى مدى ما يمكن انجازه وتحقيقه كنتائج مادية ملموسة في المدى المنظور.
ويلفت الشاخوري في هذا الصدد إلى أن الشيخ آمن أن ثورة المطالب والحقوق في المنطقة الشرقية ستتوج «بانتصار إرادة الشعب وتحقيق تطلعاته المشروعة».
موقف تقاطع معه الدبيسي، الذي أوضح أن الشيخ وعلى الرغم من تفاؤله بإيجابيات الحراك، يؤمن بأن «الحقوق لا يمكن بأي حال أن يمنحها الظالم للناس دون أن يبذل الناس تضحياتهم من أجل ذلك. لذا فإن الكفاح والمطالبة والسعي إلى تحصيل الحقوق ينبغي أن تكون حركة مستمرة في المجتمع، وأن تتواصل بغض النظر عن سرعة تحصيل الحقوق أو إبطائها، وإن لم يقطف الجيل المعاصر النتائج، فسيقطفها الجيل التالي».
في مواجهة قمع آل سعود للحراك السلمي في المنطقة الشرقية، عبر لجوئهم إلى العنف الأمني في مواجهة النشطاء العزل، عمل الشيخ على تنبيه النشطاء دوماً إلى
ضرورة عدم التجاوب مع استفزازات الأجهزة الأمنية، وعدم الانجرار إلى غاية السلطة باللجوء إلى العنف، كما عمل على ضبط التظاهرات وشدد في خطبه على ضرورة عدم اللجوء إلى السلاح، وحتى على عدم استعمال الحجارة في مواجهات رجال الشرطة.
وللغرابة أن المدعي العام السعودي وخلال مرافعته في آخر جلسة محاكمة للشيخ النمر في آب الماضي، قدم نصاً من إحدى خطب الشيخ عدّه ادانة للنمر بسبب تحريضه على اللجوء لاستعمال العنف، فيما النص يوضح على نحو صريح أن الشيخ عمل على إبقاء الحراك في إطار سلمي. والفقرة تقول «أنا أوصي الشباب بألا ينجروا إلى استعمال سلاح مواجهة السيف بالسيف لسلطة تريد جر الناس إلى العنف ليكون عندها المبرر لقمع الحراك. نحن أقوى بكلمتنا. نحن مستعدون للموت. حراكنا ليس سلمياً بمعنى السلم والخضوع. نحن مسالمون لمن سالم، لكن كفوا أيديكم. الشهادة هي أقوى سلاح يهزم أقوى سلطة».
ومع تزايد تفاعل الناس مع الحراك في المنطقة الشرقية، الذي تزامن مع «ثورة البحرين»، تصدى النمر لقيادة الحراك ودعم ثورة البحرين، فوجد نظام «آل سعود» نفسه أمام معضلة إيجاد حل دون تقديم التنازلات للمنتفضين في وقت تزايد فيه شعور الخوف من تصاعد الأوضاع على نحو لا تحمد عقباه. وبرأي الشاخوري فإن «شدة حساسية النظام السعودي من الحراك الشعبي في المنطقة الشرقية، وأهمية المحافظة على استقرار المنطقة، تنبعان بالأساس من موقع المنطقة الجيوسياسية والاقتصادية، فالنظام يعي تماماً أنه بدون ثروات المنطقة الشرقية وموقعها الاستراتيجي خليجياً واقليمياً لا يستطيع أن يحفظ عرشه وسيطرته على مناطق شبه الجزيرة العربية».
مع انسداد أفق أي رؤية لدى النظام السعودي للتعامل مع الشيخ النمر الذي جرب زنازين النظام 5 مرات متفاوتة بين 2003 و2008على خلفية قضايا تتعلق بحرية التعبير والاعتقاد والمطالبة بالحقوق الانسانية، لجأ النظام مضطراً إلى اعتقال الشيخ مجدداً.
نبرة الشيخ التي تصاعدت مع تصاعد حدة المواجهات في المنطقة الشرقية، وفرت «الحجة» للنظام لاعتقال الشيخ في 8 تموز 2012 على خلفية خطابه الشهير في يوم 22 حزيران، الذي طالب فيه بإنهاء حكم الاستبداد السعودي، وندد خلاله برموز القمع والتعذيب، وعلى رأسهم وزير الداخلية الأسبق، نايف بن عبد العزيز بعد 6 أيام على وفاة الأخير.
اعتقد النظام أنه بإلقاء القبض على الشيخ يمكنه القضاء على الحراك السلمي، إلا أن حساباته باءت بالفشل، إذ وبعد عامين على «أسر» الشيخ لا تزال أنشطة الحراك مستمرة ولا يزال النظام يواجه رفضاً جماهيرياً وشعبياً لا يعرف كيف يتعاطى معه، وإن هدأت حدته رهناً بالظروف.