السعودية / ليكسبراس الفرنسية – انضمت الرياض بمعية بعض العواصم الخليجية الأخرى في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الدولة الإسلامية.إلا أن هذا الالتزام للمملكة العربية السعودية يبدو صعبا ومتناقضا.
أعلنت العديد من دول الخليج يوم الثلاثاء أنها شاركت في الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والبحرين (التي توجد بها قاعدة الأسطول الخامس الأمريكي). وتدعم كل من الأردن وقطر التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية لكنهما لم تشاركا مباشرة في هذه الغارات.
وقد رحبت الدول الغربية بانضمام دول المنطقة في هذا التحالف ما يعطيها المزيد من الشرعية في هذا التدخل العسكري، وبالتالي تجنب أن تظهر الحرب ضد الدولة الإسلامية على أنها هجوم الغرب ضد الشرق الأوسط، ولكن الموقف الخليجي، وخاصة موقف المملكة العربية السعودية، يتميز بالغموض والازدواجية إزاء هذه الحرب.
الالتزام المتثاقل:
كانت السلطات الدينية السعودية بطيئة جدا في اتخاذ موقف تجاه الجهاديين، حيث انتظر المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ شهر أغسطس،يوم الإعلان عن قطع رأس الأميركي جيمسفولي، ليصف تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية على أنهما “أعداءالإسلام رقم واحد”. ولم يقم مجلس العلماء، وهو أعلى سلطة دينية في البلاد،بتحذير السعوديين من الانضمام إلى الجماعات الجهادية إلا خلال الأسبوع الماضي فقط.
وفي الربيع الماضي، كانت السعودية قد أدرجت تنظيم الدولة الإسلامية كمنظمة إرهابية، على غرار جبهة النصرةالسورية، وجماعة الإخوان المسلمين، هذه الجماعة السياسية وليست الجهادية ولكنها بالرغم من ذلك مكروهة من الدائرة المقربة من السلطة في الرياض.
سياسة خارجية هاجسها مواجهة إيران:
علاقة المملكة العربية السعودية (29 مليون نسمة) مع إيران (77 مليون نسمة) ميزتها التوتر. هذا الجار الشيعي الغير مرغوب في عودته في اللعبة الإقليمية، حيث تعتبر المملكة السعودية نفسها مركزا للعالم السني مع وجود المقدسات الإسلامية على أراضيها كما أنها حليف رئيسي للولايات المتحدة منذ الحظر الذي سلطه الغرب على جمهورية إيران الإسلامية لأكثر من 35 عام. وهاجس الرياض اليوم هو بدأ ذوبان الجليد بين إيران والقوى الكبرى في ما يخص الملف النووي.
سبب آخر يفسر هذا الهاجس السعودي تجاه إيران وهو النتيجة التي وصل إليها التدخل الأميركي في العراق في عام 2003 حيث أدى إلى تعزيز نفوذ طهران على جارتها ذات الغالبية الشيعية. وما كان دعم السعودية للمعارضة السورية إلا لمواجهة إيران التي تدعم سوريا حليفتها في العالم العربي.
عوامل الهشاشة الداخلية:
تلكأت سلطات دول الخليج في مواجهة داعش، وبحسب لوران بونيفيه، أستاذ وباحث في العلوم السياسية، فإن هذا التلكؤ سببه “عدم الإساءة لجزء من مواطني هذه الدول المنبهر بالتقدم المذهل لهذه الجماعة الجهادية في الوقت الذي يعاني فيه السنة في المنطقة من أزمة هوية”.
ويمكن إرجاع قلق الدول الخليجية نتيجة وجود عدد كبير من المقاتلين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية من مواطني هذه الدول، فوفقا لبعض المصادر يوجد أكثر من 5000 مقاتل في تنظيم الدولة الإسلامية من أصول خليجية، بما في ذلك 4000 سعودي، دون أن ننسى أن 15من 19 انتحاري من الذين قاموا بهجمات 11 سبتمبر 2001 هم من المملكة العربية السعودية.
وهذا ما يفسر بطء الرياض في الانضمام للتحالف العسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إذا ما اعتبرنا أن واشنطن شنت أول غاراتها ضد الجهاديين منذ 8 أغسطس.
وبالفعل لم تتأخر ردة الفعل ضد انضمام السعودية لهذا التحالف، حيث أن الطيارين السعوديين الذين شاركوا في الغارات ضد الدولة الإسلامية في سوريا هذا الأربعاء تلقوا تهديدات بالقتل على الشبكات الاجتماعية.
سبب آخر لهذا التردد يكمن في التوترات داخل دوائر مختلفة من الحكم. إذ يبين لوران بونيفيه أنه”خلافا للمظاهر فإن دول الخليج ليست على وفاق تام، فالتنافس في مختلف دوائر السلطة قد يجعل أميرا يدعم منظمات غير حكومية ويتبرع لها بالأموال، هذه المنظمات التي من الممكن أن تكون داعمة لجماعة الإخوان المسلمين أو للجماعات السلفية وهو ما يتعارض مع قرارات رأس الدولة” وما يفسر أيضا صعوبة فهم الدبلوماسية السعودية.
شرعية مطعونة:
تحالف الغرب مع دول الخليج فيه مفارقة أخرى، إذ يُعتبر هذا التحالف دعما للأنظمة الاستبدادية في المنطقة التي تفشى فيها الفساد وهو ما يفسر إلى حد ما انزلاق المهمشين في هذه البلدان نحو التطرف. بالإضافة إلى ذلك فإن الجماعات الجهادية تعتبر قادة الخليج مرتدين.
ويبين الخبير في العلوم السياسية فرانسوا بورغات أن داعش “تعطي لأتباعها شعورا بأنهم يؤسسون”لدولة “ستنتقم للعالم السني من خلال رفضها لأي تبعية مع الغرب ولكل الأنظمة المتعاونة معهم”.
بالنسبة للوران بونيفيه فإن “نزع الشرعية عن تنظيم الدولة الإسلامية في أعين السنة لن يكون من خلال الاعتماد على القادة المتعاونين مع الغرب لأن ذلك سيكون مفتقرا للمصداقية في العالم الإسلامي”، إذ يجب على المجتمع الدولي أن يعي أنه ” فقط الجماعات الإسلامية التي تتمتع بالشرعية الحقيقية هي وحدها القادرة على تغيير وجهة نظر المسلمين السنة بعيدا عن جاذبية تنظيم الدولة الإسلامية”.