منذ أن بدأ الحراك السلمي في القطيف توجهت السلطات السعودية إلى استغلال الوسائل والذرائع بشتى أشكالها للنيل من النشطاء، واتخذت قوائم الأرهبة ذريعة لإخماد الحراك، إلا أنها فشلت، على الرغم من الاغتيالات والاعتقالات والمطاردة التي تنفذها.
تقرير: سناء ابراهيم
مقاومون بالصوت والصورة والقبضات المرفوعة، أبوا الاستسلام والخضوع لسياسات العسكرة السعودية المفروضة على أبناء المنطقة الشرقية، وتمترسوا بالمطالبة بحقوقهم المشروعة، فكان مصيرهم الإدراج على لوائح “الأرهبة” التي اختارتها السلطات وسيلة لاستهداف أبناء القطيف والأحساء، بعد خروجهم في مظاهرات سلمية مطلبية. وبين القتل والاغتيال والاعتقال والاعدام دارت ممارسات السلطة لإسكات صوتهم الصادح من بين أروقة المنطقة الشرقية.
بعد محاولات فاشلة لسلطات السعودية، بفرق المباحث ومدرعات فرق الطوارئ، من أجل إنهاء تحركات ربيع القطيف، عقب الاغتيالات والمداهمات والقتل في وضح النهار، راحت السلطات لتبرير جريمتها بحق أبناء المنطقة وتبرير قمعها للتحركات بحد السيف ونيران الأسلحة، فاتجهت إلى خط قوائم على منوال القوائم الإرهابية التي تدرج عليها تنظيمات إرهابية من بينها “القاعدة” لتنفيذ عمليات إرهابية في السعودية، متخذة من الصور والمقاطع المصوّرة ذريعة ووسيلة لتأكيد توجيه اتهاماتها.
في 2 يناير / كانون الثاني 2012، وبعد وقوع عدد من الشهداء وعشرات الجرحى بنيران القوات السعودية، اتجهت وزارة الداخلية إلى إصدار أولى قوائمها بحق أبناء المنطقة الشرقية، وأعلنت عن قائمة بأسماء 23 شخصاً قيل أنهم مطلوبون للسلطات بقضايا أمنية، بينهم نشطاء وقادة في الحراك وآخرون لم يكن لهم صلة، كما زج داخل القائمة أسماء بعض الأشخاص المرتبطين بقضايا أخرى، وكان هدف السلطة الوحيد خلط الأوراق وتشويه سمعة النشطاء، والعمل على إضفاء صبغة إرهابية على النشطاء السلميين من خلال إصدار قوائم شبيهة بالقوائم التي تصدرها بحق أفراد من التنظيمات الإرهابية، باستخدام الطريقة والإسلوب الإعلامي نفسهما.
سعت السلطات عبر إعلامها إلى الترويج لقائمة الـ23 من أجل إزالة الشرعية والحاضنة الإجتماعية عن النشطاء وتأليب الرأي العام ضدهم، عبر التخويف والترهيب لكل من يخرج إلى الشارع ويطالب بحقه وحريته، وبالتالي إنهاء الحراك الشعبي، إلا أن أهداف السلطة لم تتحقق بل جاءت على عكس توقعاتها، حيث ارتفعت الحاضنة الشعبية للنشطاء وبرز اسمهم بشكل لافت للانتباه بين أوساط المجتمع وتضامنوا معهم وتم تكذيب ادعاءات السلطة ورفضها من المواطنين، حتى ارتفعت شعارات بين المتظاهرين “أنا المطلوب التالي” و “أنا المطلوب 24”.
لم يحتمل النظام التضامن الشعبي مع النشطاء، فلجأ إلى أساليب وحشية في التعامل معهم ومع كل من يرتبط بهم، وأضحى التواصل معهم أو إيواهم يعتبر جريمة إرهابية، على حد وصفه، وبدأت المضايقات تزداد وتيرتها وفتحت صفحة من مسرحية الملاحقة والاستهداف والحرمان، وجيشت السلطات أدواتها العسكرية لتنفيذ مداهمات وحشية على منازل النشطاء بعشرات المدرعات وفرق الاقتحام المدججة بمختلف أنواع الأسلحة، وبدأت فصول المطاردة الميدانية والتصفيات بالرصاص الحي في وضح النهار ووسط الشوارع العامة من قبل فرق متخصصة بسيارات مدنية مصفحة.
مشهدية القائمة 23 كانت فصولاً من الشهادة والاعتقال والمطاردة للبعض المهدد بالقتل في أية لحظة، فداء للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة.
لم تقتصر أساطير الأرهبة السعودية لأبناء القطيف والأحساء على قائمة واحدة، فخرجت السلطات بقائمة جديدة اثر مقتل جنودها بحوادث أمنية غامضة، وكانت الاتهامات محضرة مسبقاً لأبناء المنطقة، فخرجت السلطات في أكتوبر / تشرين الأول 2016 للإعلان عن قائمة من 9 مطلوبين، ادعت أنهم متهمون بقتل جنودها، وقبل أن يتم التحقيق في الحوادث الأمنية، كانت القائمة حاضرة، وأعلنت بعد حادث أمني في “حي الضباب” في الدمام أدى إلى مقتل رجلي أمن توجيه الاتهامات وبدء ملاحقة شباب الحراك في القطيف لتصفيتهم.
وقبل أشهر مضت ومع الإعلان عن مقتل قاضي الأوقاف محمد الجيراني، وقعت السلطات في دائرة التخبط حين بدأت بفبركة لائحة جديدة لاستهداف النشطاء عبر ذريعة مقتل الجيراني، حيث بدأت باتهام الشهيد الناشط سلمان الفرج الذي اغتالته السلطات أمام عائلته، عمدت بعدها إلى توجيه الاتهام إلى شقيق الشهيد، عقب الاعتقالات التي شنتها والمداهمات المتتالية للمناطق المدنية.