السعودية / العربي الجديد – قامت “العربي الجديد” بجولة تسلط الضوء على حال السعوديين، بعدما لامست أسعار حملات الحج داخل السعودية الـ35 ألف ريال سعودي (9330 دولاراً أميركياً) للحاج الواحد، وهو ما يساوي راتب مدير عام لشهرين.
وروت الصحيفة قصة “فهد الزيد” الذي عاد أدراجه دون تحقيق حلم عائلته بأداء فريضة الحج، منعتهم أجور حملة الحج العالية، التي لا تكفي معها مدخرات فهد المحدودة، وذلك على الرغم من عمله في وظيفة ذات دخل جيد جداً، إلا أن زوجته وبناته الثلاث، وهو من قبلهم، عجزوا عن أداء الفريضة الأهم، حال الزيد كآلاف السعوديين الذين باتوا يعجزون عن أداء الفريضة لارتفاع كلفة الحملات بشكل جنوني.
يحسد بعض الراغبين في الحج السعوديين على وجود الكعبة في بلدهم، إلا أن الواقع يكذب ذلك، حيث لا يستطيع الحاج من الداخل السفر لمكة لأداء الفريضة من تلقاء نفسه بسيارته الخاصة، إذ لا بد أن يحصل على تصريح للحج وأن يكون ضمن حملة رسمية، ولم تفلح محاولة وزارة الحج في إطلاق مشروع الحج المخفّض في كبح جماح الأسعار، لأن الـ23 شركة التي رخص لها بتقديم الخدمة بأسعار تراوح بين 3900 إلى 1900 ريال نفدت حصصها من الحجاج سريعاً لتنطلق بعدها الأسعار إلى الأعلى.
يقول فهد الزيد للصحيفة :”لم أتوقع أن أسعار حملة الحج بلغت أكثر من 25 ألف ريال. صدمني الأمر، على الرغم من أن راتبي يتجاوز 19 ألف ريال شهرياً (5000 دولار أميركي)، إلا أنه ليس بمقدوري دفع المبلغ، وخصوصاً أن لديّ زوجه و3 بنات يردن الحج”.
على مسافة قريبة منه جلس عبد العزيز المرشد، يحمل ملامح الوجه المحبطة نفسها، هزّ المرشد، الذي خرج للتوّ من مكتب حملة الحج، رأسه بحزن وهو يقول: “لديّ أم عجوز تحلم بأداء الفريضة، ولكن بهذه الأسعار لا أستطيع.
معظم المكاتب الذي ذهبت إليها تطلب 10 آلاف ريال، وهذه تعتبر الأرخص لأنها تكون في أماكن بعيدة جداً عن المشاعر المقدسة، وأمي عجوز لا تحتمل كل هذه المشاوير. راتبي لا يتجاوز 4 آلاف ريال”.
شكوى جماعية
حسب جولة “العربي الجديد” في الرياض والمنطقة الشرقية وحائل والمنطقة الجنوبية، راوحت أسعار الحملات لهذا العام للفئة (أ+) ما بين 30000 إلى 35000 ريال، وتراوح أسعار فئة (أ) ما بين 20000 حتى 25000 ريال، أما فئة (ب) فتراوح ما بين 18000 إلى 19500 ريال، وفئة (ج) ما بين 15000 إلى 17000 ريال، فئة (د) تراوح ما بين 12500حتى 14500. أما الفئة (هـ)، وهي الأقل خدمة والأبعد عن المشاعر المقدمة، فراوحت ما بين 10000 حتى 13000 ريال، بينما لم تتجاوز الأسعار في العام الماضي للفئة (أ+) حاجز الـ15000 ريال.
أمام هذه الاسعار، لا تقتصر الشكوى على العاصمة أو المدن الرئيسية، ففي المدينة المنورة التي لا تبعد سوى 450 كلم عن مكة، ارتفعت الأسعار فيها بنسبة 150%، إذ لامست الفئة الأدنى الـ9000 ريال، كما عانى الراغبون في الحج من منطقة الباحة من لهيب الأسعار ذاته، التي يعتبر عبد الله القحطاني أنها ليست في متناول المواطن البسيط، ويضيف: “عزمتُ ووالدتي على أداء الفريضة، زرت عدداً من مكاتب حملات الحج لأجد أكثر الحملات أسعارها وصلت لـ8500 ريال للفئة الأدنى، وهو أقل سعر ممكن الحصول عليه”.
مثله محمد الخراشي، الذي يحاول منذ رمضان الماضي الحصول على حملة حج معقولة، لكنه لم يجد، ويقول: “كنت أريد الحج، ولكن ارتفاع أسعار الحملات منعني من ذلك، فلم أجد سوى حملة صغيرة اشترط أصحابها أن نسكن خارج المشاعر المقدسة وبكلفة 8000 ريال عن الشخص الواحد، لهذا رفضت وأجّلت المشروع”.
ويكشف الخراشي أن “حاله مثل كثيرين شاهدهم في المكتب قرروا مثله تأجيل حجهم سنوات مقبلة”. لكن قد يطول انتظار الخراشي كثيراً. فوزارة الحج أكدت أنها غير مخوّلة بتحديد أسعار حملات الحج والدخول في أنشطتها، لكنها حذرت في الوقت نفسه من المغالاة في الأسعار، بينما شدد وكيل وزارة الحج والمتحدث الإعلامي باسمها، الدكتور حاتم قاضي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، على أن وزارته “لا تفرض أنظمة على الشركات والحملات في تحديد الأسعار بأرقام معيّنة، بيد أنها تحذر من المغالاة في الأسعار، وتحذر من معاقبة المخالفين لأنظمتها”، مشيراً إلى أنهم يسعون جادين إلى التوازن والعمل على تشجيع الحملات التي تشارك في الحج منخفض الكلفة، ودعم برنامج الحج الميسّر، وهو ما يوافق تصريحات سابقة لوزير الحج الدكتور بندر حجار، قال فيها: “وجّهنا بتشكيل لجنة لدراسة ارتفاع الاسعار، لأن تحديد أسعار حملات حجاج الداخل يحتاج إلى دراسات مستفيضة”.
توسعة الحرم
يُرجع أصحاب حملات الحج ارتفاع الأسعار إلى زيادة أسعار الفنادق القريبة من الحرم، إضافة إلى محدودية تراخيص الحج هذا العام بسبب أعمال التوسعة في الحرم، وهو ما أجبرهم على رفع الأسعار لتعويض قلة العدد، ووفقاً لما رصدته “العربي الجديد”، فإن كثير من الشركات رفعت أسعارها هذا العام بنسبة 100%، بينما استغلت بعض الحملات انتهاء معظم المكاتب من تسجيل الحجاج لرفع الأسعار أكثر، فيما تسبّب تقليص عدد حجاج كل حملة في إلغاء كثير منها الفئات (هـ) و(د) (المخصصة لمحدودي الدخل)، بينما اكتفت بفئة (أ) (المخصصة للقادرين) لتحقيق الربح، وهو ما أدى إلى تصاعد شكاوى المواطنين ومطالبتهم بإعادة النظر في تسعير الحج.
ويكشف زهير المسحل أن أسعار شركات حج الداخل أصبحت خيالية، ويقول: “قمت بجولة على شركات الحج أنا ووالدتي ووالدي وزوجتي، طلب موظف الشركة مبلغ 80 ألف ريال بواقع 20 آلاف عن كل شخص، بحجة أن موقع الحملة بالقرب من جسر الجمرات”.
وبينما يطالب المسحل، مثل غيره، وزارة الحج بوضع حد لمثل هذه الشركات، يبرر حسين الخيواني ـ موظف باحدى شركات الحجاج ـ ارتفاع الأسعار بارتفاع الأجور وأسعار المستلزمات في المشاعر المقدسة وجودة الخيام التي يسكنونها، بالاضافة إلى قرب الخيام من الجمرات، وهو ما يسهّل عليهم أداء المناسك.
ويضيف، لـ”العربي الجديد”: “ندفع أسعاراً عالية لوزارة الحج لكي نؤجر الخيام في منى”. وعلى النسق نفسه، يؤكد زهير الشاعر ـ صاحب حملة ـ أن الأسعار التي يفرضونها مبررة بسبب ارتفاع الكلفة، مشيراً إلى أن الشركات “تواجه ارتفاعاً في كلفة النقل والسكن، الأمر الذي يرفع كلفة الحج”.
المزيد من التكاليف
بحسب زهير الشاعر، تُحسب الأسعار على أساس الموقع والخدمات التي تقدمها الحملة للحاج، ويضيف: “هناك مواقع في المشاعر تكون أسعارها مرتفعة لقربها من قطار المشاعر ويكون عدد الحجاج في كل خيمة قليل، كما تتنافس المخيمات في تقديم مزاياها من حيث الباصات المكيّفة والمخيمات الواسعة المكيّفة وتوفير بوفيه مفتوح على مدار الساعة للمشروبات، كما توفر المخيمات أطباء للحالات الطارئة، وأيضا حراسات أمنية”.
“تغيّرت الأسعار كثيراً في الأعوام الماضية، كل شيء كان يتجه صعوداً”، يقول الشاعر، ويضيف: “نحن مجبرون على رفع الأسعار، فإيجار الخيمة الواحدة، التي تتّسع لـ8 أشخاص خلال ثلاثة أيام فقط، وصل لأكثر من 7500 ريال، كما أن باصات النقل الجماعي للحملة الواحدة بات سعرها يراوح ما بين 50 ـ 60 ألف ريال”.
ويتابع: “نحن ملزمون بتوفير تذاكر قطار المشاعر بمبلغ 250 ريالاً للفرد، وهو رقم يعتبر مرتفعاً”.
كبار الشخصيات
تتفاوت الأسعار حسب مستوى الخدمات، بعض حملات الشخصيات المهمة وصلت فيها كلفة الحاج الواحد إلى 350 ألف ريال (92300 دولار)، وهو ما يكشفه حماد الدوسري، المسؤول في شركة حجاج للداخل، ويضيف: “نقدم خدمة خاصة جداً لكبار الشخصيات، السكن بفنادق خمس نجوم تطل مباشرة على الحرم، وخدمات نقل بالليموزين لتأدية المشاعر، ولهذا أسعارنا تصل لـ350 ألف ريال”.
ويتابع: “مضطرون لرفع الأسعار بسبب أعمال الهدم القريبة من الحرم المكي التي استغلها أصحاب الفنادق وسماسرة العقارات لصالحهم، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة تذاكر الطيران في السعودية”.
يتسلّم فهد الشهري، الذي كان يتحدث مع الدوسري، الحديث ويقول:”الأسعار السابقة لم تعد تغطي تكاليف وأجور الخيام بمنى التي تجاوزت الـ800 ألف ريال (232 ألف دولار)”.
ويتهم الشهري بعض السماسرة بالتأثير على الأسعار سلباً من خلال قيامهم بشراء واستئجار غرف الفنادق نظامياً ومن ثم تسويقها للحملات بأسعار أعلى بكثير من أسعارها الأصلية تصل لـ1500 ريال للغرفة الواحدة والتي لم يكن يتجاوز سعرها الأصلي 400 ريال.
أعذار غير مقنعة
لا تقنع الأعذار السابقة المواطنين الراغبين في أداء الفريضة، إذ يقول فهد الزيد: “ما نراه في سوق حملات الحج يبيّن لنا أن التنظيم عشوائي والجشع وراء رفع الأسعار. يتذرّعون بتقليص أعداد الحجاج لكل حملة. حسناً هذا غير صحيح، فإذا تقلّص العدد، تقلّصت النفقات في المقابل، فلماذا الارتفاع؟”.
لكن عبد الله الناصر ـ صاحب حملة حج من الأحساء ـ يفنّد ما قاله الزيد ويؤكد على أنه غير صحيح، ويقول لـ”العربي الجديد”: “يظن البعض أن تقليص الأعداد أمرٌ لا يؤثر، هذا الكلام غير صحيح، العدد تقلّص ولكن تكاليف التجهيزات وخدمات للحجاج من تجهيز للمخيمات وأيدٍ عاملة والتموين الغذائي وحافلات النقل في ارتفاع متزايد كل عام”.