السعودية / لاكروا – في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما “الادعاءات التي تروج لصدام الحضارات”، في إشارة إلى نظرية الباحث الأمريكي صموئيل هنتنجتون التي أعلنها عام 1993.
وقال أوباما في كلمته إن “الاعتقاد بالحروب الدينية التي لا نهاية لها، هو الفكرة المضللة التي يلوذ بها المتطرفون الذين لا يمكنهم بناء أو ابتكار أي شيء، وبالتالي لا ينشرون إلا التزمت والأحقاد”، داعيا “المجتمعات الإسلامية” إلى رفض أيديولوجية “القاعدة والدولة الإسلامية” بكل قوة وصراحة.
وفي كلمة لافتة ولها دلالات عميقة، اتهم الرئيس الأمريكي المملكة العربية السعودية ودول الخليج بـ “النفاق” دون أن يسميهم، حين قال: “إن أحد واجبات كل الديانات العظيمة هي التوفيق بين التديّن والعالم العصري المتعدد الثقافات… وهذا يعني ضرورة قطع التمويل الذي يغذي هذه الكراهية. لقد حان الوقت لوضع حد لـ”نفاق” أولئك الذين تتراكم عندهم ثروات الاقتصاد العالمي ويستثمرون تلك الأموال في الطريق الخطأ”، لافتا إلى أن بلاده ستعمل على وقف الدعم المادي وتمويل تلك المنظمات.
إلا أن هذه الجهود التي يدعي أوباما التعهد بها لحل الأزمة تتضمن وفق كلمته الاستمرار في دعم “المجموعات الإرهابية” التي تسير وفق الرؤية الأمريكية حيث أكد أنه سيتم “تدريب وتسليح المعارضة السورية بالتعاون مع الحلفاء” للتصدي لتنظيم داعش والحكومة السورية على حد تعبيره ما يطرح المزيد من الأسئلة عن نوايا الإدارة الأمريكية التي تتعامل بازدواجية في المعايير فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وبحسب ما يخدم أجنداتها ومصالحها في المنطقة.
ويؤكد أوباما – باستمراره في الحديث عن تدريب المجموعات المسلحة التي تسميهم إدارته “المعارضة المعتدلة” وزيادة تسليحها حسب مراقبين ومحللين سياسيين – أن هذه الإدارة الأمريكية ما زالت تسعى إلى خلق الفوضى وانتشارها في المنطقة وأن التحالف الذي أقامته لما تسميه محاربة تنظيم داعش ليس إلا ستارا لتقديم نفسها على أنها في صف مكافحة “الإرهاب”، بينما تواصل دعم “الإرهابيين” الذين يأتمرون ويتحركون وفق رؤيتها.
ويعتبر أتباع وحلفاء واشنطن من أكثر الدول الداعمة والممولة للإرهاب في المنطقة والعالم وفق تقارير استخباراتية ومعلومات ووقائع ولا سيما السعودية وقطر اللتين مولتا تنظيمي داعش وجبهة النصرة والعديد من التنظيمات في سوريا والعراق وتغاضت عنهم واشنطن حيث كانت هذه التنظيمات تخدم مصالحها بينما اليوم تحاول توجيه هذا الدعم والتمويل لتنظيمات وجماعات أخرى تسميهم “إرهابيين معتدلين”، بعد أن خرج تنظيم داعش عن السيطرة وبات يعمل خارج الرؤية الأمريكية وضد المصالح السعودية.
النفاق الأمريكي:
ومن المعروف أن الولايات المتحدة تعمل دائما وفق سياسة ذات “معايير مزدوجة” في معالجة مختلف القضايا والأزمات حول العالم وبما يخدم مصالحها وأجنداتها حيث تدعم الإرهاب من جهة وتدعي محاربته من جهة ثانية، تماما كما تقف دائما إلى جانب كيان الاحتلال الإسرائيلي ضد مصالح الفلسطينيين رغم ادعائها العمل بنية صادقة لتحقيق السلام، إضافة إلى مواصلتها التدخل في شؤون الدول الداخلية والعدوان عليها ممارسة أسلوبها المعتاد في الضغط والهيمنة على شعوب العالم تحت سطوة القوة والتهديد وبشكل يخالف القوانين والشرائع الدولية.
وفي هذا السياق، أوردت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية مقالا ينتقد التحرك الأمريكي في العراق، وفيما أوضحت أن أوباما لم يحرك ساكنا عندما كانت “داعش” ترتكب أعمال عنف بالعراق، اعتبرت موقفه الأخير بشأن الضربات الجوية بأنه “نفاق” كونه لم يذكر شيئا عن حقيقة تمويل هذه التنظيمات ومن يقف وراءها.
وذكر المقال الذي جاء تحت عنوان “الولايات المتحدة تهب لإنقاذ أقليات معينة، طالما ليسوا من المسلمين” للكاتب روبرت فيسك، أن “أوباما لم يحرك ساكنا عندما كانت ترتكب مجازر ضد أهل السنة في العراق، لكنه يهرع الآن لإنقاذ المسيحيين والإيزيديين من احتمال وقوع مجازر ضدهم”، مبينا أن هذا “النفاق مثير للدهشة.. ويتساءل: “هل كان الأمريكيون سيفعلون الشيء ذاته إذا كان اللاجئون التعساء في شمال العراق مسلمين فلسطينيين وليسوا مسيحيين؟ أو هل سيوفر تحالف أوباما والسعودية غطاء لحماية الأبرياء من الشعب الفلسطيني في غزة؟”.
وبذكر غزة، يأتي النفاق الأمريكي لإسرائيل إلى الأذهان بصورة مباشرة، فإسرائيل التي تواصل ارتكاب الجرائم المروعة بحق الشعب الفلسطيني منذ نحو سبعين عاما، ممولة بشكل أساسي من الولايات المتحدة التي نصبت نفسها منارة للسلام والحرية في العالم. وحين يقوم الجيش الإسرائيلي بقصف شعب غزة الأعزل الذي ليس له جيش ولا بحرية ولا قوة جوية، يردد كل المسؤولين الأمريكيين الذرائع الإسرائيلية في تجاهل تام للانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، وبالإضافة إلى ذلك، تعمد الصحافة الأمريكية، سوى استثناءات قليلة، إلى تجاهل المعاناة الفلسطينية وتركز على مكامن ضيق الإسرائيليين.
هذه هي حقيقة “الديمقراطية” التي تدعيها أمريكا، هي ديمقراطية وحقوق إنسان يتوافق مع المصالح الأمريكية فقط، وتعبر عن أنظمة مجرمة تتعامل مع أنظمة أخرى منافقة سعيا وراء النفوذ والثروة على حساب كل المبادئ التي يدعون حمايتها. وبذلك تصل إلى قناعة هي أنه حين يتهم منافقٌ منافقاً بالنفاق فلا تتعجب، فالعالم الآن يحكمه خليط من المنافقين والمجرمين.
(فرانسوا دالانسون – ترجمة : محمد بدوي)