سوريا-العراق / بولتيكيو – قبل يونيو/ حزيران عام 2014، كان معظم الأمريكيين لا يعرفون “الدولة الإسلامية”. وقد سيطرت الجماعة، والمعروفة أيضاً باسم “داعش”، على الأخبار الدولية، بعد استيلائها على الموصل والعديد من المناطق ذات الأغلبية السنية في العراق وسوريا هذا الصيف.
ووصلت سمعة داعش السيئة إلى مستويات قياسية في شهر أغسطس، بعد قطعها رؤوس الصحفيين الأمريكيين جيمس فولي، وستيفن سوتلوف، وموظف الإغاثة البريطاني ديفيد هاينز. ويوم الجمعة، قطع التنظيم رأس عامل إغاثة بريطاني آخر، وهو آلان هينينج، وهدد بقتل عامل إغاثة أمريكي هو بيتر كاسيج، والذي كان حارساً سابقاً في الجيش الأمريكي.
وأثارت هذه الأفعال استجابة كبيرة، وحصلت على اهتمام غير عادي. حيث إنه كان هناك عدد أكبر من الأمريكيين الذين عرفوا بقطع رأس فولي “من معرفتهم بأي حدث إخباري رئيس آخر خلال السنوات الخمس الماضية”، وفقاً لاستطلاع إن بي سي نيوز وصحيفة وول ستريت جورنال مؤخراً.
وأظهرت استطلاعات الرأي في سبتمبر أن 60 في المئة من الأمريكيين يؤيدون الآن العمل العسكري في العراق وسوريا، بعد أن كانت هذه النسبة تتراوح بين 36 إلى 39 في المئة في أواخر يونيو/ حزيران. مقتل هؤلاء الأشخاص الأربعة قد تسبب بكل تأكيد بالانزعاج العميق بين الشعب والحكومة على حد سواء في أمريكا.
وقد أدى هذا العنف المروع أيضاً إلى افتراضات حول الدوافع خلف قطع الرؤوس، واستراتيجية المجموعة ككل. وكانت هذه الافتراضات ببساطة غير صحيحة. المفهوم الخاطئ الشائع هو أن قطع الرؤوس هذا يهدف فقط لتخويف الغرب.
ولكن، وعلى العكس من ذلك، قطع الرؤوس هو استراتيجية استخدمت بنجاح في عام 2004 من قبل أبي مصعب الزرقاوي، وهو مؤسس تنظيم القاعدة في العراق. حيث ذبح الزرقاوي الأمريكي نيك بيرج، من آجل تحسين جهود التجنيد، وبناء القوة العسكرية، لمحاربة أعدائه في العراق وسوريا.
تحتاج داعش إلى الحصول على دفعات كبيرة من المقاتلين الجدد للبناء على قوتها الحالية، والتي تتكون من حوالي 30 ألف مقاتل على الأكثر. هذا العدد أقل بكثير من المقاتلين في صفوف أي من قوات الخصوم، مثل مقاتلي البيشمركة الكردية، القوات الحكومية العراقية أو السورية، وحتى المنافسين المحتملين في القبائل السنية. ببساطة، داعش محاطة من قبل الأعداء الذين يتمتعون بقوة قتالية أكبر، ولذا فهي تحتاج إلى أن تنمو قوتها العسكرية بسرعة لخلق دولة إسلامية سنية داخل العراق وسوريا.
فلماذا قطع الرؤوس إذاً؟
الجواب في كلمة واحدة، هو: الدعاية.
الهدف هو زيادة التعريف بالجماعة كأكبر منافس لأعداء الإسلام المفترضين. هذا يسمح لداعش بالاستفادة من مجموعة أكبر بكثير من المجندين، ممن لديهم الكثير من المشاعر المعادية لأمريكا، وهي القوة التي تحتاجها داعش لخوض معاركها المحلية، ومحاولة إقامة دولتها كحكم أمر واقع.
نعم، قطع الرؤوس يعني تحدي وتخويف الجمهور الغربي، ولكن هذا المكسب هو شيء ثانوي بالنسبة لداعش، التي لا يزال تركيزها منصباً على هزيمة الأعداء القريبين من مواقعها.
وهناك مزيد من الأدلة التي تدعم الزعم بأن داعش تخصص مواردها لإنجاز هدف إقليمي، وليس عالمياً. فمثلاً، قامت داعش بتنفيذ أكثر من 100 هجوم انتحاري، وكلها في العراق وسوريا ولبنان. ومع ما يصل إلى 30 ألف مقاتل، بما في ذلك ما يقدر بنحو ألفين من الغربيين، لدى المجموعة الكثير من القدرة على قتل المدنيين الغربيين.
إلا أنه، ورغم ذلك، وحتى أواخر شهر أغسطس، كانت الولايات المتحدة لا تزال “تجهل وجود أي تهديدات ذات مصداقية ضد الوطن”. وبالإضافة إلى ذلك، تظهر أشرطة فيديو داعش لقطات للمقاتلين الغربيين وهم يقومون بحرق جوازات سفرهم قبل تنفيذ العمليات التي تؤدي إلى وفاتهم في العراق أو سوريا.
ولهذا، لا يبدو أبداً أن داعش خططت لعودة هؤلاء المقاتلين إلى الغرب من أجل تنفيذ أعمال عنف، وبدلاً من ذلك، أرادت المجموعة الاستفادة منهم فقط على خطوط الجبهة العراقية والسورية. والواقع يقول أيضاً أن مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي هو أكثر قلقاً من قيام خلية صغيرة للقاعدة، وتدعى “مجموعة خراسان”، بشن هجمات ضد الغرب، مما هو عليه حيال داعش.
ومع أخذ ما سبق في الاعتبار، ينبغي أن تكون الولايات المتحدة حريصة على عدم المبالغة في ردة الفعل. لقد استخدم الرئيس أوباما الاستراتيجية الصحيحة، والتي تميل إلى تعبئة جهود الضربات الجوية والمقاتلين المحليين غير الأمريكيين لمواجهة تهديد داعش. موجة كبيرة من الغارات الجوية أو استخدامات ثقيلة أخرى للقوة من المرجح أن تتسبب بقتل المدنيين الأبرياء عن طريق الخطأ، وبالتالي تغذية المشاعر المعادية للولايات المتحدة، وهي المشاعر التي تسعى داعش لزراعتها واستغلالها.
إذا تمكنت للولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون من ضرب أهداف مختارة بعناية من الجو، مع تمكين الجماعات السنية المحلية المعارضة لداعش على الأرض، فإن هذه الاستراتيجية من المرجح أن تدق إسفيناً بين الجماعة ومركز ثقلها في المجتمع السني. وهذه هي الاستراتيجية التي استخدمتها الولايات المتحدة بنجاح في عام 2006 في محافظة الأنبار في العراق، وشلت من خلالها فعالية تنظيم القاعدة في العراق.
إن أي مبالغة في الاستراتيجية الأمريكية سوف تكون مدمرة، ولا سيما بالنظر إلى المؤشرات القوية المتوافرة حول رفض المسلمين لتكتيكات داعش. المشاعر المعادية بين المسلمين لهذا التنظيم لم تنمُ في الغرب فقط، بل وبين القبائل السنية المحلية أيضاً بعد شهور من سوء المعاملة، وحتى إن بعضها بدأ التحرك عسكرياً ضد الجماعة، تماماً كما تأمل الولايات المتحدة. ومما يثير السخرية هنا، هو أن استراتيجية داعش بقطع الرؤوس تحولت من أسلوب دعاية، كما أرادها التنظيم، إلى عامل يزرع بذور فناء هذا التنظيم.
وقد قيل لنا في الغرب إن داعش هي مجموعة إرهابية دينية عازمة على مهاجمة المدنيين الغربيين كأمر في قمة أولوياتها، وإن المجموعة تجند مقاتلين أجانب من دول غربية وغيرها، لكي توظف هؤلاء الأعضاء الجدد في قتل المدنيين في البلدان المرتدة، مثل الولايات المتحدة.
والبعض يشير إلى داعش على أنها “شريرة” و”برابرة” على استعداد لارتكاب العنف العشوائي ضد الأبرياء. وأدى استخدام اللغة الأدبية، مثل “الخير ضد الشر”، إلى تغذية سوء الفهم الشائع بالفعل في الولايات المتحدة حول الدين والعنف، مع 42 في المئة من الأمريكيين في عام 2013 اعتقدوا بأن الدين الإسلامي “أكثر تشجيعاً من غيره على ارتكاب العنف”.
ولكن، توجد هناك مشكلة واحدة فقط مع هذا النوع من التفكير، وهي أنه لا يوجد إلا القليل من الأدلة الثمينة حول أن الدوافع الدينية هي من توجه المنطق الاستراتيجي لعنف داعش.
لأكثر من عقد من الزمن، استطلع مشروع شيكاغو للأمن والإرهاب (CPOST) جميع الهجمات الانتحارية المعروفة في جميع أنحاء العالم منذ 1982، بما في ذلك الهجمات التي وقعت في أفغانستان، الهند، العراق، إسرائيل، لبنان، باكستان، روسيا، الصومال، سريلانكا، سوريا، تركيا، أوزبكستان، وغيرها.
وكان هذا البحث وسيلة هامة لقياس دوافع الجماعات التي تقوم بالعمليات الانتحارية وسلوكها، وقد أدى إلى استنتاج واضح، وهو أن الدوافع والظروف الرئيسة المحيطة تقريباً بكل حالات الهجمات الانتحارية هي سياسية في طبيعتها، حتى بالنسبة للجماعات الدينية المسلحة، مثل داعش.
وإذاً.. ما هو الهدف السياسي لداعش؟
كمجموعة سنية متشددة، تسعى داعش في المقام الأول لتأسيس سيادتها بحكم الأمر الواقع على أهل السنة في العراق وسوريا. ولتحقيق ذلك، تحاول المجموعة هزيمة الشيعة بقيادة الحكومتين العراقية والسورية، والذين يدعون السيادة على الأراضي السنية، وإنهاء ما تعتقد بأنه احتلال غير شرعي للأراضي السنية.
ولذلك، تهاجم داعش أهدافاً تسيطر عليها هذه الحكومات الشيعية، مثل مراكز الشرطة والقواعد العسكرية، وتحاول السيطرة على الموارد، مثل المياه والنفط؛ لأنها تعزز من إمكانياتها لإقامة دولتها.
هل ظاهرة تقطيع الرؤوس ظاهرة تفردت بها “داعش” أم أن التأريخ مليء بالشواهد المشابهة؟
هذا ما تطرق إليه الكاتب آدم ليرنر في نفس الصحيفة تحت عنوان: “كيف استخدمت استراتيجية قطع الرؤوس سياسياً عبر التاريخ”؟ فكتب:
لقد صدمت “الدولة الإسلامية” العالم من خلال قيامها بقطع رؤوس اثنين من الصحفيين الأمريكيين، واثنين من العمال البريطانيين في مجال الإغاثة، وعدد غير معروف من الجنود السوريين. ولكن الجماعة الإرهابية هي ليست بأي حال من الأحوال أول من يوظف استراتيجية قطع الرؤوس أمام أعين العامة لأغراض سياسية.
القديس يوحنا المعمدان
بحسب التقليد المسيحي، قطع هيرود الثاني رأس الواعظ المسيحي يوحنا المعمدان بناءً على طلب ابنة هيرود، سالومي، وذلك بعد أن استنكر يوحنا علناً زواج هيرود بوالدة سالومي، هيرودياس.
واعترض يوحنا على مشروعية هذا الزواج ليس فقط لأن هيرودياس كانت ابنة اخت هيرود، ولكن أيضاً لأنها كانت سابقاً زوجة أخ هيرود.
وكان هيرود أكثر من سعيد لتنفيذ الحكم بحق الزعيم الديني المؤثر. وبعد قطع رأسه، ألقت سالومي برأس يوحنا على طبق لأمها، وهو المشهد الذي تصوره هنا لوحة رسمها كارافاجيو.
جنود جريفينسي
في مايو 1444، وبعد أن استولت الكونفدرالية السويسرية القديمة بنجاح على مدينة جريفينسي المتمردة، قامت القوات الكونفدرالية بقطع رأس 62 من أصل 64 من الجنود المتبقين في المدينة، وذلك لإرسال رسالة إلى خصوم المستقبل. وهنا، لوحة أخرى تصور وقائع هذه الحادثة.
جسر لندن
وفي القرن السابع عشر أيضاً، تم عرض الرؤوس المقطوعة للخونة والظالمين على رؤوس الرماح في نهاية الجزء الجنوبي من جسر لندن، وذلك لتحذير المتآمرين والمجرمين في المستقبل، وحتى إن لندن وظفت “حارساً للرؤوس”، وكانت مهمته مراقبة إبعاد الطيور عن وسيلة الدعاية الدموية هذه.
ويعتقد بأن رؤوس اثنين من أقارب وليام شكسبير البعيدين، وهما جون سومرفيل وإدوارد اردن، كانا معروضين على الجسر عند وصول شكسبير إلى المدينة، وهنا رسم لكلايس فان فيشر، يوضح هذا المشهد.
ماري أنطوانيت
في عام 1793، وبعد أربع سنوات من بداية الثورة الفرنسية، أدينت الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت بالخيانة. وفي 16 أكتوبر 1793، تمت إزالة شعرها، ومن ثم اقتيدت أنطوانيت حول مدينة باريس، قبل الوصول أخيراً إلى المقصلة، حيث تم قطع رأسها أمام العامة.
وكانت ماري أنطوانيت واحدة من عشرات النبلاء الذين قطعت رؤوسهم خلال الثورة. وبعد أشهر فقط من قطع رأسها، كتب الزعيم الثوري ماكسيميلين دي روبسبير عبارته الشهيرة: “إذا كانت الفضيلة ربيع الحكومة الشعبية في أوقات السلم، فإن ربيع الحكومة خلال الثورة هو الفضيلة جنباً إلى جنب مع الإرهاب”.
اليابان الإمبراطورية
لا يقضي الساموراي الياباني على الخصوم فقط، ولكن أيضاً على الجنود الجبناء الذين يهربون من المعركة. وهناك عقاب وحشي آخر، ويسمى “نوكوغيريبيكي”، تمت ممارسته حتى أواخر القرن التاسع عشر، ويعتمد على دفن جسد الضحية حتى الرقبة، ومن ثم قطع رأسه ببطء باستخدام الخيزران. وهنا، تصوير لقطع رؤوس الجنود الصينيين أثناء الحرب الصينية اليابانية الأولى.