السعودية/ رويترز- تعمل السعودية في هدوء على إبلاغ المتعاملين في أسواق النفط بأن الرياض لا تنزعج من استمرار الانخفاض الملحوظ في أسعار الخام لفترة طويلة وهو ما يمثل تحولا صارخا في سياسة المملكة قد يكون الهدف منه إبطاء وتيرة توسع منافسين من بينهم منتجو الخام الصخري في الولايات المتحدة.
ويدعو بعض أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من بينهم فنزويلا إلى خفض عاجل للإنتاج من أجل دفع الأسعار العالمية للصعود مجددا فوق 100 دولار للبرميل.
لكن المسؤولين السعوديين بعثوا رسالة مختلفة خلال لقاءات خاصة مع مستثمري ومحللي أسواق النفط في الآونة الأخيرة مفادها أن المملكة وهي أكبر منتج للنفط في أوبك مستعدة لقبول سعر يقل عن 90 دولارا وربما يصل إلى 80 دولارا لفترة قد تمتد إلى عام أو عامين بحسب مصادر اطلعت على المناقشات الأخيرة.
وتعكس المناقشات التي أجري جانب منها في نيويورك خلال الأسبوع الأخير أكثر المؤشرات وضوحا حتى الآن على أن المملكة تنحي جانبا استراتيجيتها القديمة التي تعمل بموجبها على إبقاء سعر خام برنت قرب مئة دولار للبرميل سعيا للحفاظ على حصتها بالسوق في السنوات المقبلة.
وقالت المصادر التي طلبت عدم ذكر أسمائها نظرا لسرية المناقشات إن السعوديين باتوا يراهنون فيما يبدو على أن انخفاض الأسعار لفترة – بما قد يؤثر سلبا على ماليات بعص أعضاء اوبك – سيكون ضروريا لتمهيد السبيل لجني إيرادات أعلى في الأمد المتوسط من خلال تقليص الاستثمارات الجديدة والحد من الزيادة في الإمدادات من مصادر أخرى مثل النفط الصخري في الولايات المتحدة أو المياه العميقة.
ولم يطرح المسؤولون السعوديون خلال المناقشات الخاصة تصورا بخصوص ما إذا كانت المملكة ستوافق على خفض الإنتاج أو حجم هذا الخفض وهي خطوة يتوقع كثير من المحللين أن تدعم السوق العالمية التي تنتج كميات أكبر بكثير من حجم طاقتها الاستهلاكية.
وتضخ السعودية نحو ثلث إنتاج أوبك من النفط ويقدر إنتاج المملكة بنحو 9.7 مليون برميل يوميا.
وقال أحد المصادر إن مسؤولا سعوديا سئل عن خفض إنتاج المملكة في المستقبل فأجاب "أي خفض؟".
ولم يتضح إن كان ما أبلغت به السعودية مراقبي سوق النقط يمثل نهجا جديدا تلتزم به أو محاولة لإقناع أعضاء آخرين في أوبك للانضمام للرياض في تقليص الإمدادات مستقبلا.
وقال مصدر لم يشارك في المناقشات مباشرة إن المملكة لا تريد بالضرورة أن تواصل الأسعار انخفاضها ولكنها لا ترغب في تحمل عبء خفض الإنتاج وحدها وهي مستعدة لقبول انخفاض الأسعار حتى يتعهد أعضاء آخرون في أوبك بالتحرك.
قلق أوبك..
من المتوقع أن يكون الاجتماع المقبل لأوبك في 27 نوفمبر تشرين الثاني هو الأصعب منذ سنوات نظرا لعدم قدرة معظم الأعضاء الآخرين على خفض الإنتاج أو لعدم رغبتهم في خفضه.
ولم تقر أوبك خفض الإنتاج إلا بضعة مرات في العقد الأخير كان آخرها في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008.
ويوم الجمعة أضحت فنزويلا – وهي من أكثر أعضاء أوبك تأثرا بالأسعار – أول دولة تطالب علنا بتحرك عاجل حتى قبل الاجتماع الدوري. وقال وزير الخارجية رفاييل راميريز "لن يستفيد أحد من حرب الأسعار أو هبوطها عن 100 دولار للبرميل."
ويبدو وزير النفط الكويتي على العمير كان أول من يوضح التوجه الجديد للسعودية أكثر الأعضاء نفوذا في أوبك إذ قال أمس الأحد إن خفض الإنتاج لن يسهم كثيرا في تعزيز الأسعار في مواجهة زيادة الإنتاج من روسيا والولايات المتحدة.
ونقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن العمير قوله إنه لا يعتقد أن هناك مجالا في الوقت الحالي لأن تخفض دول أوبك إنتاجها.
وقال الوزير إن الأسعار قد تنحدر إلى 76 أو 77 دولار للبرميل وهي تكلفة الإنتاج في دول من بينها الولايات المتحدة حيث أدت طفرة النفط الصخري لبلوغ الإنتاج أعلى مستوياته منذ الثمانينات.
ولم يدل مسؤولون سعوديون بتصريحات علنية عن انحدار الأسعار ولم يجب مسؤولون سعوديون عن تساؤلات رويترز بشان اللقاءات الأخيرة.
لا مفاجأة في نزول الأسعار عن 90 دولارا..
انخفض مزيج برنت في العقود الآجلة بشكل مطرد على مدار أربعة أشهر تقريبا ونزل 23 بالمئة عن مستوى مرتفع فوق 115 دولارا في يونيو حزيران مع انحسار المخاوف من تعطل إمدادات الشرق الأوسط وفي ظل طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة وبوادر على تراجع الطلب من أوروبا والصين.
وحتى وقت قريب دأبت الدول الخليجية الأعضاء في أوبك على وصف هبوط الأسعار بأنه ظاهرة مؤقتة مراهنة على أن الطلب الموسمي في الشتاء سيعزز الأسعار.
ولكن عددا متزايدا من المحللين باتوا ينظرون إلى الهبوط الأخير على أنه أكثر من كونه تراجعا موسميا ويقول البعض إنه بداية تحول مهم إلى فترة طويلة من الوفرة النسبية في المعروض.
ويبدو أن السعودية تهييء المتعاملين لتحول كبير في الأسعار بدلا من محاربة هبوط الأسعار وتخليها عن حصتها في السوق في مواجهة منافسة متزايدة.
وقال أحد المصادر إن السعوديين يريدون من العالم أن يدرك أنه "يجب ألا يندهش أحدا" من انخفاض الأسعار عن 90 دولارا.
ولمح مصدر آخر إلى أن مستوى 80 دولارا قد يكون حدا أدنى مقبولا للمملكة رغم أن بعض المحللين الآخرين يقولون إنه يبدو منخفضا جدا. ويقترب متوسط سعر برنت من 103 دولارات منذ عام 2010 وتراوح معظم الوقت بين 100 و120 دولارا.
وفي حين أن المناقشات الأخيرة هي أكثر الجهود إبرازا للتغير في الاستراتيجية السعودية حتى الآن إلا أن المؤشرات المبكرة أثارت قلقا بالفعل في سوق النفط. ففي مطلع أكتوبر تشرين الأول خفضت المملكة سعر البيع الرسمي لنفطها أكثر من المتوقع سعيا للاحتفاظ بعملائها في آسيا في خطوة اعتبرت على نطاق واسع شرارة حرب أسعار لجذب عملاء في آسيا.
وقال روبرت مكنالي مستشار الرئيس السابق جورج دبليو بوش ورئيس مجموعة رابيدان لاستشارات الطاقة في مذكرة للعملاء بعد زيارة للسعودية الشهر الماضي إن السعوديين "سيقبلون بانخفاض الأسعار الضروري لأي تخفيضات لازمة في الإنتاج لتحقيق توازن في السوق في مواجهة قطاع النفط الصخري الأمريكي."
ومع اتضاح فحوى الرسالة الاسبوع الماضي تسارعت وتيرة هبوط الاسعار ويقترب خام برنت من أقل مستوياته منذ عام 2010 .
وقال مكنالي "حتى نحو ثلاثة أيام مضت كانت السوق تجمع على أن السعوديين سيخفضون الإنتاج. لكن لم يعد هذا أمرا محسوما. فقد أدركت السوق فجأة أنها تعمل بلا حماية."