السعودية / نبأ – قبل أيّام قليلة، كان الوزير المعزول عبد العزيز خوجة في المغرب مُحاطاً بالتّكريم والحفاوةِ العظيمة. الوسامُ الذي عُلِّق على رقبة خوجة بدا اليوم وكأنّه وسام الوداع غير المرتقب لوزيرٍ كثيراً ما نُظِّر إليه باعتباره صديقاً للأدباء والشّعراء والمثقفين.
سجّلَ خوجة كلمته بوضوح بعد جريمة الإحساء، وقال كلاماً جميلاً في إدانة الجريمة، والتحذير من الإرهاب والتكفير، وهو كلامٌ لا يختلف عن كلّ الكلماتِ والبياناتِ التي صدرت من المسؤولين والقائمين على السلطة الدّينيّة في المملكة، وهي بياناتٌ نظرَ إليها متابعون على أنّها محاولةٌ غير موفّقةٍ للتغطيةِ على الشّراكةِ الفعليّة بين مدبَّري جريمة الإحساء والعقل التكفيري المشترك الذي يجمعهم مع النظام القائم في الرياض، وبما فيهم صُنّاعُ المؤسسةِ الدينيّةِ التي خرجَ المفتي منها ليقولَ في إدانة الجريمة ما يطيبُ من الكلام المنمَّق.
خوجة تلقّى اتصالاً من ولي العهد، سلمان بن عبد العزيز، ليخرج من اللقاء بعد ساعاتٍ بقرار عزله من منصبه، وبحسب عادة الأوامر الملكيّة فقد جاء القرارُ: “بناءاً على طلبه!”.
رابط الأحداثُ كان من الطبيعي أن يشبكَ بين إقالة خوجة وحدثين اثنين، كلاهما أيضاً بينهما تلازمٌ لا ينفصلان. الأول جريمة حسينية المصطفى في الإحساء، والثاني القرار الأخير لخوجه في آخر يوم له في الوزارة، وهو قرارُ إغلاق قناة وصال ومنع بثها من الرياض.
القرارُ لم يُنفّذ. إلا أن خوجة سجّل بموقفه جملةً من الحقائق الهامة. من بينها، أن القرار ثبّت حقيقة أنّ الرياض تحتضن القناة المعروفة بلغتها التكفيريّة الفاضحة، واحتضانها لكلّ التكفيريين في الخليج وخارجه، كما أثبت القرار أن هناك مكتباً رئيسياً لها في الرياض. الحقيقةُ الأخرى، هو أنّ مفتي المملكة الذي دان جريمة الإحساء، أثبت تورّطه في صناعة مناخ الجريمة، وذلك من خلال ظهوره في قناة وصال والمشاركة فيها. وهو ما يعني، في المحصِّلة، أنّ أهم أبرز معالم التحريض على جريمة الإحساء غير المسبوقة؛ لم تكن بعيدةً عن عباءة المفتيّ، والذي أثبتَ مرّاتٍ كثيرةً أن قوّته أقوى من العقل والعيش المشترك الذي يتستّر به كثيرون بعد الجريمة، واستطاع المفتي أن يُطيح – بشكلٍ أو بآخر – بالوزيرِ الذي قد يفتقده بعضُ مثقفو السّعوديّة، إلا أن إزاحته فتحت أساريرَ كثيرٍ من التكفيريين، الظاهر منهم والباطن، والذين يُمسكون السّلطة والمال والسّيف والفتوى في بلاد الحرمين.