هيفاء صفوق/
جثث ترامت على الأرض بلا سابق إنذار ولا رحمة قلب، دماء هنا وهناك دليل واضح لكل أفراد المجتمع على بشاعة الجرم، وخطورة الفكر المتطرف الإرهابي، الذي لا يفرق بين صغير ولا كبير، مذنب أو بريء، ودليل آخر على تلبسهم روح الشر والحقد والكره.
ما حصل في قرية الدالوة في محافظة الأحساء يثبت خطورة هذا الفكر، الذي يحاول بسط قذارته على أفراد المجتمع المسالم، ليزرع الفرقة والطائفية والفتن والاضطرابات في الوطن، لأغراض متعددة لمصالح داخلية وخارجية، لا تخفى على أحد.
من شاهد صور القتلى والدماء يعرف بشاعة هذا الفكر المضلل، المليء بالحقد وجمود الفكر، والرغبة الخفية في السيطرة وتجنيد رأيهم في زعزعة الأمن في البلد. وللأسف أننا نعاني من فكر داخلي تكفيري إرهابي، تغذى منذ زمن على ثقافة الكره، وتكفير الآخر، وكل مختلف عنه، وهذا يوضح مدى أن هذا الفكر أعمى البصر والبصيرة، تجرد من الإنسانية واحترام حقوق الآخر وعدم تقبل الاختلاف، أو أن هذا الفكر وقع أسيراً لأجندة أخرى خارج الوطن، ترغب في زعزعة أمن السعودية، ووجدت -للأسف- بعض الثغرات وضعاف النفوس التي تخدم مصالحها هي أيضاً، وتناسى هؤلاء ماذا يعني «وطن»، هم خفافيش الظلام، يأتون بغتة لجبنهم وقلة حجتهم، وهذا دليل آخر على ضعفهم، فلم يبقَ لديهم غير قتل الأبرياء بعشوائية ووحشية، لضعف منطقهم؛ ولأنهم خارج الحياة الطبيعية لم يعتادوا على نظافة القلب واحترام كرامة الإنسان، فيُسقطوا كل ذلك على أفراد آخرين ليس لديهم حيلة، وهذه حيلة العاجز.
في الوقت نفسه، هي فرصة لكل أفراد المجتمع السعودي، أن يشاهدوا بشاعة وجرم هذا الفكر المتطرف، وبأن يتكاتفوا ضد من يحاولون صنع الاضطرابات وزعزعة الأمن بالقول أو الفعل.
لم يعد السكوت والصمت يجدي، نشاهد في التواصل الاجتماعي هناك من يدس السم بالعسل، وهناك من يحاول تأليب الأفراد لأغراضهم الشخصية والاجتماعية والسياسية. هؤلاء حزب الشيطان لم يكونوا وليدي هذه اللحظة، بل منذ زمن، عندما مارسوا تحجيم الفكر والاطلاع والإبداع والفن، وتضيق الأفق والإدراك؛ لجعل الأفراد محصورين في متاهة النفس فقط، والغياب عن العالم والحياة بأسرها، سواء أكانوا في التعليم أم المناهج أم المنابر، فكم استُغلت هذه أشد استغلال غذت العقول بالكراهية لأي فكر مختلف عنها، وزرعت الشك والريبة في الآخر، وحجمت إطار الفكر الحر والإنسانية المعروفة في كل الأزمنة.
من هنا، من الضرورة أن ينشأ دَور الوعي بوضوح وقوة على كل الأصعدة. على المؤسسات الدينية أن تنادي بنبذ هذا التطرف الفكري والاجتماعي والسياسي بصوت مسموع، وعالي النبرة، والتوجيه والتوضيح، لا للإرهاب، لا للتطرف، لا للمساس بحرية الأفراد وقناعتهم واعتقاداتهم وتوجهاتهم، وهذا ما شاهدناه في سرعة إصدار بيان من «هيئة كبار العلماء» في استهجان وإنكار جريمة الأحساء بصوت مسموع وواضح، ضد أي فكر متطرف وإرهابي، يريد زعزعة أمن الوطن وزرع الفتن.
ثم يأتي دور التعليم، والحرص كل الحرص على المرشدين والمعلمين والمسؤولين، للتأكد من صحة أفكارهم، وطريقة تعاملهم مع الآخر، البعيدة عن الإرهاب والتطرف والتشدد والغلو، واتباع منهج الوسطية التي تحترم كرامة وحقوق وحرية الإنسان، ومتابعة ماذا يزرعون في عقول أبنائنا، فأبناؤنا يحتاجون إلى ثقافة السلام وحرية تقبل الآخر والعيش بتساوٍ معه.
هي مسؤولية الجميع في كل مؤسساته المجتمعية، أن توضح وتحارب وتنبذ الغلو والتطرف وعدم معادية المختلف، والحيطة والفطنة لكل من يحاول زرع الفتنة في المجتمع، أو كثرة البلبلة لعمل فوضى مجتمعية عن طريق الإشاعات المغرضة في المواقع التواصل الاجتماعي، التي لا تخدم أبداً الوطن، ويكفي أن نشاهد ماذا يوجد في الجوار لكي نتعلم ونتعظ.
ما حدث في الأحساء عارٌ وجريمة في حق أفراد أبرياء عزل، نشدد على تطبيق القانون لكل من تسبب في ذلك، ليكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه بأذية الآخرين وسفك دمائهم، نحتاج إلى أن نكون يداً واحدة لإضاءة النور والسلام وقبول الآخر، وعدم الركض خلف أعداء الداخل أو الخارج من المتطرفين وإرهابيين، الذين لا يهمهم غير مصالحهم الشخصية والسياسية.
(الحياة السعودية)