السعودية / نبأ – كتبت الدكتورة مضاوي الرشيد مقالاً في صحيفة “المونيتور” بعنوان «المملكة العربية السعودية اضطرت إلى إعادة التفكير في أيديولوجية الدولة في مكافحة داعش»، تحدثت فيه عن مجموعات مشابهة جدًا لداعش غذّتها المملكة العربية السعودية طوال سنين، مشيرة إلى المخاوف التي تحيط المملكة حيث أنها تقع في قلب مشروع خلافة أبي بكر البغدادي، وتحدثت الكاتبة أيضاً عن لجوء المملكة إلى خطاب القومية الإسلامية كردة فعل على الخطاب القومي العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ولفتت الكاتبة إلى أنّ السلطات السعودية عليها إعادة النظر في أيديولوجية الدولة والعلاقات بين الحكام والمحكومين.
وأشارت الكاتبة في مقالها إلى أنّ العديد من المراقبين يرون “بسهولة أن الخلافة المعاصرة مثل تلك التي نشأت في العراق وسوريا في يونيو الماضي هي مجرد ثورات مؤقتة تلعب على عواطف المسلمين وحنينهم إلى الماضي المجيد”، وإعتبرت أن المملكة العربية السعودية بالظاهر “تأخذ ذلك التحدي على محمل الجد. حيث انضمت بسرعة إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأعلنت ذلك الكيان كتهديد إرهابي”.
ولفتت إلى أن المملكة العربية السعودية كانت تقوم في الماضي “برعاية وتغذية مجموعات مشابهة جدًا لداعش، تم وصفها في وقت لاحق بأنها منظمات إرهابية، كتنظيم القاعدة في أفغانستان على سبيل المثال، فمن المستغرب أن تعتبر الآن مشروع داعش تهديدًا للأمن القومي”. معتبرة القومية الإسلامية هي وسيلة المملكة العربية السعودية لمواجهة خطر القومية العربية في الحقبة السابقة، وإذا كانت القومية الإسلامية هي والسيلة، “فما هي استراتيجية المملكة العربية السعودية اليوم في المعركة؟” مؤكدّة أنّ “الحل الوحيد هو تخفيف أوجه التشابه بين المملكة والخلافة”.
وترى الرشيد أنّ ما يقلق المملكة “في قلب مشروع خلافة أبي بكر البغدادي هو الوعود بتجاوز الحدود الوطنية”، مشيرةً إلى أنّ “المملكة رسمت الحدود السياسية فيها عبر الأراضي القبلية منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى. فشمال المملكة العربية السعودية يتكون من فروع القبائل التي تعيش عبر الحدود في الأردن وسوريا والعراق. فعلى سبيل المثال، فإن قبيلة شمر في شمال المملكة العربية السعودية لديها أشقاء وأبناء عمومة في الحسكة في سورية وجبل سنجار في العراق. وينطبق ذلك أيضًا على قبيلة عنيزة وغيرها الكثير. فكل هذه الكيانات العابرة للحدود تؤيد علاقات القرابة “الوهمية” التي يمكن تعبئتها من أجل تحقيق التضامن والاستفادة من موارد بعضها البعض، وخصوصًا في أوقات الشدة”.
وأشارت الكاتبة إلى أنّ الخلافة المعاصرة العابرة للحدود تعد “في قلب الخلافة القديم بتوحيد الأراضي التي تم تقسيمها من قبل القوى الاستعمارية، وفي وقت لاحق من قبل دول ما بعد الاستعمار. حتى في تلك الجمهوريات العربية التي كانت تدعو إلى قومية واعدة لتوحيد كل العرب، مثل مصر في عهد جمال عبد الناصر والعراق في عهد صدام حسين، نجد أن القادة الشعبيين قد حافظوا على خطاب الوحدة ضد القومية المحلية. إلا أن هؤلاء القادة القوميين قاموا بحماية حدود سايكس بيكو الشهيرة على الرغم من أنهم استمروا في التنديد بها في كل خطاب قومي ألهبوا به حماسة جمهورهم. كما احتفلت مراكز البحوث بتاريخ القومية المحلية على الرغم من التزامهم بالقومية العربية”.
وأكّدت أنّ “هناك دائمًا خوف من امتداد الإرهاب من الدول المجاورة إلى المدن السعودية الكبرى ومن تقبله بسرعة بين السعوديين، خصوصًا بعد نجاح داعش المذهل في العراق وسوريا خلال فترة قصيرة من الزمن. ففي أيامها الأولى، في صيف عام 2014، ضربت داعش على وتر حساس بين السعوديين الذين تربوا على ضرورة عودة الالتزام بتطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية. ولكن هذه الأسباب المشروعة للخوف من داعش لا تفسر بشكل كامل النفور العميق المتجذر في النظام السعودي من نموذج الخلافة الذي وعد به البغدادي في الصيف الماضي”.
مذكرة إلى أنّ “هناك العديد من الأسباب التي دفعت الملك عبد الله إلى اتخاذ تدابير، والانضمام إلى المجتمع الدولي في حرب لا نهاية لها، تذكرنا تقريبًا بـ 10 أعوام “الحرب على الإرهاب””.
وأشارت الكاتبة إلى أن المملكة كانت “تعنى أبدًا بالإمارات المحلية التي تتباهي بأنها إسلامية مثل طالبان في أفغانستان. ففي الواقع، كانت المملكة العربية السعودية واحدة من أوائل الدول التي اعترفت بتلك الإمارة في التسعينيات”.
وتسائلت “لماذا تنزعج المملكة العربية السعودية من قيام دولة إسلامية بالدعوة إلى النموذج القديم للحكم الإسلامي، وهو الخلافة؟”.
ولفتت الرشيد إلى أنّ “الإمارات المحلية محصورة في مكانها ولا تشكل تهديدًا للمملكة التي شيدت في حد ذاته نتيجة لغزو عدة إمارات (الحجاز، نجد، عسير والأحساء)”. مبيّنةً أنّ “الخلافة شيء مختلف تمامًا، وتمثل الآن أكبر تحدٍ للملكية المركزية في الرياض التي تناضل من أجل القضاء على الاختلاف وفرض التجانس على مجموعة متنوعة من السكان”.
وأشارت الدكتورة مضاوي الرشيد إلى أنّ الخطاب القومي العربي “كان يثير قلق المملكة العربية السعودية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي مما دفعها إلى اللجوء إلى خطاب القومية الإسلامية المضاد الذي سعى قبل كل شيء لتخفيف البعد العربي من أي وحدة، عبر خلطها مع المسلمين من جميع أنحاء العالم. في ذلك الوقت، كانت تعتبر القومية العربية بأنها “جاهلية” تشبه الجاهلية السائدة قبل ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي”.
وإعتبرت الكاتبة أنّه “يجب نظريًا على المملكة التي تفخر بتبنيها أيديولوجية القومية الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية أن تتبني الروابط العابرة للحدود الوطنية بدلًا من الخوف منها. إلا أن البغدادي لا يستعد فقط للقضاء على الحدود الاستعمارية القديمة، ولكنه يسعى أيضًا إلى دمج المسلمين في قوة عسكرية متعددة الأعراق حيث تذوب الثقافة المحلية واللغة والعرق في الهوية الإسلامية الواحدة ونظام الحكم الإسلامي. فداعش تحتفي في وسائل إعلامها بتنوع جنسيات مقاتليها وتستخدم ذلك لمناشدة المسلمين في كل مكان”.
وتسائلت: “أليس هذا ما تحاول المملكة فعله على الرغم من حديثها عن الوحدة الإسلامية؟ فكل من الخلافة الوليدة والنماذج التي تقدمها المملكة السعودية تدعو إلى تواصل المسلمين عبر الثقافات والقضاء على الفروق الخاصة بهم. فكل من المملكة والخلافة المعاصرة قد انحرفت عن النموذج القديم للخلافة التي ازدهرت في دمشق وبغداد في وقت لاحق. فالمملكة والخلافة المعاصرة متشابهتان لدرجة اصطدام كل منهما بالآخر”.
وأوضحت أنّ خلافة البغدادي كدولة “تدعي العودة إلى الماضي المجيد، والحكم وفقًا لتفسير متشدد للشريعة، ودمج المسلمين المتنوعين وصبهم في شكل واحد وهو النمط المألوف جدًا للسعوديين. والحماس لهذا النموذج، على الأقل عبر ما يعبر عنه في وسائل الإعلام الاجتماعية، هو ما يهدد المملكة. حيث أظهر استطلاع حالي أن 5٪ فقط من السعوديين (حوالي 500000 شخص) يرون داعش بشكل إيجابي، غير أن هذه الأرقام قد لا تكشف درجة تأييد داعش الحقيقية في البلاد”.
وأنتهت الكاتبة إلى أنّ هذا الصراع “يفرض على المملكة العربية السعودية إعادة النظر في أيديولوجية الدولة والعلاقات بين الحكام والمحكومين. فالمملكة العربية السعودية قد نجحت في تطوير القومية “السعودية” كما رأينا على شاشة التلفزيون خلال مباريات كرة القدم واحتفالات اليوم الوطني، ولكن ذلك يحتاج أن يطبق كاستراتيجية للحفاظ على التنوع بدلًا من القضاء عليه. فالمملكة العربية السعودية قد لا تستطيع البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة جدًا إذا ما استمرت في التمييز ضد فئات من السكان -مثل الأقليات والنساء- وتهميش المعارضة. كما إنّ عليها السماح للناس بتمثيل أنفسهم في المجالس المنتخبة وهو ما سيشعرهم بالانتماء للمملكة ويربط بينهم”.