أخبار عاجلة

فؤاد إبراهيم: التغيير الوزاري الأخير لا صلة له بالإصلاح.. وإختيار الوزراء على قدر “الولاء”

السعودية / نبأ – كتب الباحث السياسي الدكتور فؤاد إبراهيم مقالاً في صحيفة "الأخبار" اللبنانية بعنوان "حكومة «الولاء والبراء» في السعودية" تحدّث فيه عن محاولات آل سعود "بالإيحاء بأن التغييرات الوزارية التي شهدتها السعودية الأسبوع الماضي هي لصالح المواطن السعودي والمصلحة العامة، وأن الواقع لا يشي بذلك أبداً". وأشار إلى الإعلام "المقرّب من السلطة" والذي لن يتردد في "إضفاء أهمية «استثنائية» على التعديل الوزاري الأخير"، لافتاً إلى تصوير التغيير الوزاري على أنه "مبشر بالخير، وواعد بالأمل"، متسائلاً: "هل يمكن أن تخلص قراءة أي إعلامي سعودي مقرّب من السلطة إلى غير ذلك؟!".

وأشار إبراهيم إلى أنّ "التعديل الوزاري لم يلفت انتباه مواطني السعودية، وبالرغم من تخصيص «هاشتاغ» على موقع «تويتر» للتعليق على الأوامر الملكية، فإنها لم تحصد نسبة لافتة من المغرّدين"، ورأى أنّ "عزوف الناس عن التفاعل مع التعديل الوزاري يعكس عدم ثقة في الحكومة، فالناس يبحثون عن برامج تأتي بحلول لمشكلات الفقر والبطالة وأزمات السكن والصحة والخدمات العامة، وليس تغيير الوجوه".

ولفت إلى أنّ التغيير الوزاري يجري في الشكل، "كل أربع سنوات، منذ أن تقرّر العمل بالأنظمة الثلاثة التي أعلنها الملك فهد في آذار 1992، ومع ذلك فإن «التمديد» للوزراء كان هو السائد، ببساطة لأن الحكومة السعودية (وفي ضوء نزعة المحافظة لدى الطبقة الحاكمة) تميل إلى إبقاء الأشياء كما هي دون تغيير"، معتبراً أنّ الحكومة السعودية "لا تريد أن يتعوّد الناس على التغيير، فيتطلعوا إلى ما هو أفضل مما في أيديهم أو ما يقدّمه لهم ولاة الأمر!".

وأشار إبراهيم إلى أنّ العادة في السعودية جرت "على أن يبقى الوزراء في مناصبهم ما بقوا على قيد الحياة، وحين تروج شائعات عن تغييرات وزارية «كبيرة» و«وشيكة» فإنها في الغالب لا تقع، مع أن سقف توقعات الناس مرتفع إلى القدر الذي يجعل من التغيير حدثاً استثنائياً".

وأوضخ الباحث والمفكر السياسي أنّ "التغيير الوزاري يكون غالباً محدوداً، (بحسب التجارب السابقة) ويشمل وزيراً أو اثنين من الوزارات الخدماتية، أما الوزارات السيادية (الداخلية والدفاع وأضيف إليهما الحرس الوطني بعد تحويلها إلى وزارة في التعديل الوزاري سنة 2012) فهي حكر على الأمراء ضمن محاصصة دقيقة بين الجناحين الرئيسين (السديري وجناح الملك عبد الله)، إضافة إلى وزارة الخارجية التي بقيت في بيت آل فيصل منذ تأسيسها، إذ ورث وزير الخارجية الحالي سعود الفيصل الوزارة من أبيه الملك فيصل بعد مقتله سنة 1975"، لافتاً إلى أنّ "أي تغيير في الوزارات السيادية يتمّ عادة بموت الوزير، والاستثناء الوحيد حصل بإعفاء الملك عبد الله أخيه الأمير أحمد بن عبد العزيز (المحسوب على الجناح السديري) من منصبه كوزير للداخلية في تشرين الثاني 2012 وتعيين محمد بن نايف مكانه، في قرار وصف حينذاك بأنه «ملتبس»".

وأشار إلى أنّ "التعديل الوزاري الجديد يعدّ الأكبر، إذ شمل تسع وزارات غير سيادية (التجارة، الصحة، الشؤون الإسلامية، الإعلام، التعليم العالي، النقل، الزراعة، الاتصالات وتقنيّة المعلومات). وكان آخر تعديل وزاري قد جرى في كانون الأول 2011 وشمل وزارات (التجارة، الصناعة، الخدمة المدنية، الاقتصاد والتخطيط والحج)، فيما تمّ تحويل الحرس الوطني إلى وزارة، وتعيين نجل الملك متعب بن عبد الله وزيراً عليها".

ورأى إبراهيم أنّ "أول ما يلفت في التعديل الوزاري إعفاء ثلاثة وزراء من مناصبهم «بناء على طلبهم» فيما يشبه إحالة على التقاعد، وعليه بات هؤلاء خارج معادلة السلطة وهم وزراء: الشؤون الإسلامية، التعليم العالي والنقل. ولإعفاء وزير الشؤون الإسلامية خصوصية مثيرة، فالوزير المقال هو الشيخ صالح بن محمد آل الشيخ، من سلالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مؤسس المذهب الرسمي للدولة السعودية".

وأوضح أنّ التيار الديني الوهابي في المملكة "ينظر إلى مثل هذا الإجراء على أنه «تحجيم» لآل الشيخ، بالرغم من أن آل سعود أزاحوا في مرات سابقة آل الشيخ عن مواقع كان الاعتقاد السائد بأنها حكر عليهم، مثل: التعليم، منصب المفتي العام، وزارة الشؤون الإسلامية والعدل". لافتاً إلى أنّ إعفاء آل الشيخ يأتي على خلفية انتقادات وجّهت إليه بسبب عدم حزمه مع أئمة الجوامع وخطباء الجمعة والدعاة في مواجهة «داعش». وكان الملك عبد الله قد وبّخ المشايخ في لقاء معهم في نهاية تموز الماضي بأن فيهم «كسلاً وصمتاً»".

وأشار إبراهيم أنّ "رئاسة مجلس الشورى يتولاها عبد الله بن محمد آل الشيخ، وزير العدل السابق، وأصبح أيضاً عضواً في هيئة كبار العلماء، إلى جانب المفتي العام للمملكة عبد العزيز آل الشيخ".

وإعتبر أنّ "صدمة التيار الديني الصحوي على وجه الخصوص تعود إلى تعيين مدير جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، سليمان أبا الخيل، وزيراً للشؤون الإسلامية، وهو مصنّف على «الجاميّة» نسبة إلى الشيخ محمد بن أمان الجامي، من أصول أفريقية، وبرز إبان أزمة الخليج الثانية وكان مناصراً لمواقف النظام السعودي ويدعو إلى لزوم طاعة ولي الأمر". موضحاً أنّ التيار الصحوي ينظر إلى أبا الخيل على أنه "خصم لدود له، كونه المسؤول عن تعزيز الاتجاه الجامي في الجامعة، فكان يدعو رموز السلطة مثل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان إلى إلقاء ندوات حول طاعة ولي الأمر، كما أبعد الأساتذة المحسوبين على التيار الصحوي واستبدلهم بآخرين محسوبين على الاتجاه الجامي المقرّب من السلطة".

وذكر أنّ أبا الخيل كان قد "أطلق مواقف حادة ضد الإخوان المسلمين ورجب طيب أردوغان في مؤتمر مكافحة الإرهاب الذي رعته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في نيسان الماضي ووصف تركيا بأنها «دولة فاسدة وفاجرة وتحارب عقيدة السعودية»، ووجّه نقداً لاذعاً لمن أثنى على تركيا أردوغان وقال: «هذه الدولة التي يمجّدها، لأنه يسير على منهجها الإخواني، هذه الدولة هي من أشد الدول عداوة لعقيدة هذه البلاد، ومنهجها وما تقوم عليه»".

وفي قراءة خلفيات الإعفاء والتعيين في التعديل الوزاري الجديد، يرى إبراهيم أنّ إعفاء وزير الثقافة والإعلام عبد العزيز خوجة يأتي "على خلفية إغلاق قناة «وصال» المعروفة بكونها من «قنوات الفتنة» بحسب توصيف البيان الرسمي السعودي"، معتبراً أنّ خوجة خرج من الحياة السياسية "برغم ما قيل عن سبب آخر للإعفاء وأنه يتعلق بعقود تجارية موضع تنافس بين «روتانا» و«إم بي سي» على شراء حق بث مباريات الدور السعودي لكرة القدم"، مشيراً إلى أنّ وزير الصحة السابق عبد الله الربيعة الذي فشل في وضع حد لتفشي فايروس كورونا في المملكة، خرج معه، "رغم الإطراءات السابقة التي حصل عليها في «فصل السياميين»، وكانت سبباً لتوزيره".

ولفت إلى أنّ "قرارات التعيين والإعفاء لا تتم بالضرورة بناءً على فشل أو إنجاز، لأن ذلك يفترض أن يكون لدى الوزراء صلاحيات كاملة في مزاولة مهماتهم، والحال أن الوزراء في السعودية هم مجرّد منفّذين لسياسات رسمت من أعلى. ولهذا السبب، لا ينظر إلى التغييرات الوزارية على أنها إصلاح سياسي، ومن يطالع سير الوزراء لا يجد ما هو غير تقليدي، فأغلب هؤلاء أبناء «المؤسسة»، فيأتي تعيينهم في سياق «ترقية» وظيفية وإدارية، أو أنهم جاؤوا نتيجة المحاصصة بين الأجنحة الحاكمة".

وإعتبر أنّ "تحميل الوزراء مسؤولية الإخفاقات في البلاد يعدّ تجاوزاً للواقع. لتوضيح ذلك، فإن وزارة الإسكان، على سبيل المثال، تعاني من مشكلات كبيرة نتيجة سرقة الأراضي العامة من قبل الأمراء الذين يجوب وكلاؤهم أرجاء البلاد بحثاً عن أراض شاغرة لوضع اليد عليها وتسويرها ووضع لائحة مكتوب عليها عبارة (هذه من أملاك سمو الأمير فلان بن فلان)، حتى بات يطلق على السعودية (مملكة الشبوك) لكثرة الأسوار التي تحيط بالأراضي في كل مناطق المملكة وتسجّل بأسماء أمراء كبار. وتعود ظاهرة «تشبيك» الأراضي إلى عهد الملك فهد الذي فتح الباب أمام الأمراء للتنافس التجاري ضمن مجالات عمل الدولة والتعدّي على المال العام والممتلكات العامة". وتسائل: "ما دخل وزير الإسكان بالمشكلة؟ وهل يملك تفويضاً يخوّله نزع أملاك من أيدي كبار الأمراء من العائلة المالكة؟".

ويرى أنّ "التغيير لا يعني الانتقال إلى الأفضل، فاختيار الوزراء يتم بناءً على قدر ولائهم للعائلة المالكة وليس على أساس الكفاءة والخبرة. على سبيل المثال، لم يعرف عن أي من الوزراء الجدد منجز سياسي أو موقف إصلاحي، أو حتى دور متميّز على المستوى الوطني، بل إن بعضهم مرّ عبر قنوات «الداخلية»، ما يحسبهم على الجناح السديري".

وأوضح أنّ "وزير الإعلام الجديد عبد العزيز الخضيري تولّى منصب وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة قبل تعيينه وزيراً في التشكيلة الجديدة، أي أنه يتحدّر من وزارة الداخلية. لم تكن لدى الخضيري اهتمامات إعلامية، وحتى يملأ الفراغ في سيرته الإعلامية ذكرت الصحافة السعودية الرسمية أن له مقالات في صحيفة «الاقتصادية» وهي تنضح ولاءً للعائلة المالكة".

ويرى أنّ "وزارة الإعلام فقدت قيمتها بفعل الثورة الاتصالية، وتجاوزها الناس بعدما عثروا على قنوات تعبير خارج الرقابة الرسمية مثل الإعلام الفضائي ومواقع التواصل الاجتماعي"، مشيراً إلى أن "الإعلام كان ملحقاً بوزارة الداخلية، وكان الأمير نايف، وزير الداخلية الأسبق، يتولى منصب رئيس المجلس الأعلى للإعلام".

وتابع: "يقال عن وزير التجارة توفيق ربيعة، الذي يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة «بيتسبرغ» في ولاية بنسلفانيا الأميركية في علوم الحاسب الآلي، إنه رجل ناجح بسبب انخراطه في تطوير المدن الصناعية وربطها بشبكة اتصالات ذكية، ويحكى عن تواضعه والتزامه. ولكن قد يكلّفه تميّزه كثيراً في حال خروجه عن نطاق «الولاء والبراء» بالمعنى السياسي وليس الديني السلفي".

ويعتبر الكاتب أنّه "ليس في التعديل الوزاري ما يشدّ الانتباه، كأن يأتي بأشخاص من خارج «الصنف»، أي من المحسوبين على المعارضة أو من مكوّنات أخرى"، ذاكراً أنّ "محمد بن علي آل هيازع، وزير الصحة الجديد، ومدير جامعة «جازان» سابقاً وخريج جامعة ولاية بوسطن الأميركية في الكيمياء، يقال أنّه هو أول وزير لهذه المنطقة التي تصنّف بكونها من الدرجة السابعة، بحسب فتح خط الهاتف الداخلي. تعيين آل هيازع في الصحة يضعه أمام تحدٍ كبير لما تواجهه الوزارة من مشكلات على مستوى مكافحة الأمراض الوبائية.

وإستخلص إبراهيم مقاله بأنّ "التغيير الوزاري كان روتينياً (حتى لا نقول أقل من ذلك) ولا صلة له بأي عملية إصلاحية منتظرة"، معتبراً أنّ "التشكيلة الجديدة تمثّل نموذجاً لحكومة الولاء لآل سعود والبراء من خصومهم في الداخل والخارج، فالمواصفات التي تمّ على أساسها اختيار الوزراء بدت أشدّ صرامة من السابق، إلى القدر الذي يصعب أن تجد ما يمكن وصفه «مختلفاً» في توجّهه، ولو نسبياً من بين الوزراء الجدد".

التشكيلة الوزارية… مناطقياً

فقدت الحجاز حصّة وازنة من حجمها التمثيلي، وبعد خسارتها وزارة الإعلام بعدما فقدت وزارة البترول سابقاً، تكون الحجاز خارج معادلة المحاصصة، فيما تسيطر منطقة نجد على ما يربو على 80 في المئة من الجهاز البيروقراطي. وعليه، أمكن ملاحظة أن التشكيلة الوزارية الجديدة تعد الأقل تمثيلاً على مستوى المناطق، والقبائل، والطوائف، وقد تؤسس لأزمة في المستقبل، لأن المعايير المعتمدة في تعيين الوزراء تقلّصت إلى مجرد الولاء للعائلة المالكة دون رعاية للحسابات الأخرى، المناطقية، والقبلية، والفكرية/ السياسية. غياب الشيعة في التشكيلة الوزارية ليس الثغرة الوحيدة الدائمة في التركيبة الوزارية، فثمة تغييب متعمّد لمكونات أخرى دينية (سلفية وصوفية وإسماعيلية)، وسياسية (ليبرالية وقومية)، فيما يراد إعادة شدّ أواصر السلطة المركزية، ولكن عن طريق تقليص نسبة التمثيل، ما يشير إلى أزمة خطيرة سوف تواجه الدولة في أي تحديات جديّة مقبلة.