السعودية/ نبأ- قالت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" البريطانية إنه في الوقت الذي تتراجع فيه أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في خمسة أعوام، تتصرف السعودية- صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم- بهدوء يتناقض مع طبيعة الحال تقريبا.
واستدلت الصحيفة في تقرير اليوم –الثلاثاء- بتصريحات الأمير والملياردير السعودي الوليد بن طلال التي أطلقها قبل أسابيع قليلة وأعرب فيها عن ذهوله من حالة الرضاء الرسمي في المملكة عن تلك " الكارثة"- عندما تجاوز برميل النفط حاجز الـ 90 دولار.
وأوضحت الصحيفة أن ثمة أسباب فنية أكيدة لتفاؤل السعوديين في الوقت الذي تسجل فيه أسعار النفط انخفاضا إلى ما دون الـ 70 دولار للبرميل، مدعومين في ذلك بآراء المتخصصين في النفط داخل المملكة والذين يذهبون إلى أن هذا لا يختلف عن أي دائرة سلعة أخرى يحدد فيها السوق الأسعار.
وأضافت الصحيفة أن الشغل الشاغل للسعوديين يتمثل في حماية حصتهم السوقية، مشيرة إلى أنه إذا لم يكن ثمة " سياسة" في هذه الحالة، فإن هذا لا يعدو كونه محاولة لإبعاد منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة من خلال زيادة تكاليف الإنتاج خارج السوق.
ورأت الفاينانشيال تايمز أن السعوديين أو حتى منظمة الدول المنتجة للنفط ( أوبك) لا يمكن أن تحدد الأسعار، موضحة أن الأمر لا يتوقف فقط عند رفض أوبك التي لا تزال السعودية هي المحدد الرئيسي لقواعد اللعبة بها، خفض مستويات الإنتاج في اجتماعها الذي انعقد في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي.
ولفتت الصحيفة إلى أن السعوديين لم يتخلوا أبدا عن استخدام "البترودولار" (مصطلح اقتصادي لوصف قيمة النفط المشترى بالدولار الأمريكي) لتحقيق مآرب سياسية، حيث يعتبره السعودية السلاح الدبلوماسي الرئيسي.
لكن الآن، والكلام لا يزال للصحيفة، يبدو أن السعوديين وحلفائهم الخليجيين يستخدمون سعر النفط نفسه كسلاح سياسي موجه بصفة رئيسية ضد إيران.
استراتيجية مواجهة المشكلات الاجتماعية-السياسية بالمال ظهرت على السطح منذ أن هبت نسائم الربيع العربي قبل أربعة أعوام. وفي العام 2011، قدم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز منح رفاهية للمواطنين تقدر قيمتها بـ 130 مليون دولار.
لكن هذا النموذج التقليدي لشراء الولاء سرعان ما انتقل إلى الدول المجاورة التي تقع تحت وطأة ضغوط داخلية. وفي غضون ساعات من عزل المؤسسة العسكري في مصر الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في الثالث من يوليو من العام 2013، سارعت السعودية والإمارات بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 12 مليار دولار، بزيادة 10 مرات تقريبا عن المساعدات الأمريكية السنوية للجيش المصري.
لكن المنافس الإقليمي الأكثر تهديدا للأسرة الحاكمة في السعودية هي إيران التي قامت بتنصيب حكومة شيعية في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للأخيرة في 2003، علما بأن طهران قامت بتشكيل محور عربي شيعي يمتد من بغداد إلى بيروت، مع التأثير أيضا على الدول المجاورة للسعودية وتحديدا اليمن والبحرين.
إن العداء المتأصل من جانب السعودية التي تعتنق الفكر الوهابي للشيعة- بالإضافة إلى تنافسها الشرس مع إيران الشيعية والفارسية من أجل الهيمنة على الخليج والشام، ينبغي أن يكون كمية مهمة جدا في المعادلة الخاصة بأسعار النفط.
فالرياض التي تمتلك احتياطي أجنبي يقدر بأكثر من 750 مليون دولار يمكنها أن تتفادى التداعيات الناتجة عن انخفاض أسعار النفط، في حين أن طهران التي تحتاج إلى أن تكون الأسعار أعلى من مستواها الحالي بمعدل مرتين لتحقيق أهدافها، تواصل خسائرها، ولاسيما أنها تنفق ما قيمته 1.5 مليار دولار شهريا لدعم حلفائها في سوريا والعراق برغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
وإيران بالطبع منحازة، إن لم تكن متحالفة، مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين والعرب، من بينهم المملكة العربية السعودية، في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف إعلاميا بـ " داعش".
وفي الوقت ذاته، يسعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التقرب من طهران عبر المباحثات الخاصة بطموحات الأخيرة النووية المثيرة للجدل. لكن واشنطن لا يمكن أن تتجاهل أو حتى تغض الطرف عن العداء السعودي لطهران.
ووفقا لمصادر عربية رفيعة المستوى، قال مسئول سعودي كبير لوزير الخارجية الأمريكية جون كيري خلال حديثه إلى القادة العرب السنة هذا الصيف حول التحالف ضد الجهاديين: "داعش رد فعلنا السني على دعمكم لـ الدعوة"- الحزب الإسلامي الشيعي الحاكم في العراق.