السعودية/ نبأ (خاص)- عند الثانية عشر والنصف بتوقيت المملكة؛ انتهى المصلون من صلاة الجمعة في مسجد الجفالي في جدة، حيث دائما ما يشهد هذا المسجد سلسة من سيناريوهات القمع والانتهاكات غير المألوف في معظم دول العالم. ساحة المسجد سرعان ما تحولت الى حلقة كبيرة من الناس المتجمهرين من أجل مشاهدة جلد المدون والناشط الحقوقي رائف بدوي خمسين جلدة.
السلطات نفّذت أمام جموعٍ من الناس، حكمَ جلد بدوي، وفي العلن، وذلك ضمن جولات أسبوعيّة لحين الانتهاء من جلده 1000 جلدة، وعلى مدى خمسين أسبوعاً.
المشهدُ يبدو سوريالياً. بدوي لم يصرخ. لم يُصْدر صوتاً من البكاءِ أو الخوف من المشهد. دائرةٌ كبيرةٌ شكّلها المتفرّجون لمشاهدة عمليّة الجلد، وسط هتافاتِ التكبير، وكأنّ نصراً عظيماً تحقّق في السّاحةِ التي غطّتها الشرطةُ وتحذيراتٌ من التصوير. تحذيراتٌ كانت تخشى أن يُشاهد العالمُ واحدةً من الظواهر الدّالةِ على انتماءِ السّلطاتِ إلى قرونِ الظلام.
رفعَ العسكريُّ السّوط. وبدأ الجلد. ظهْرُ بدوي كان يتلقّى الجلدةَ واحدةً تلو الأخرى. ومع كلِّ جلدةٍ، كان بدوي يستذكر كلامَه الذي أذاعه في الفضاء. يستذكرُ كيف أنّ الظلمَ يُغلِقُ العقولَ، لتُصبحَ القلوبُ معها في عتْمةٍ شديدة. كان بدوي يتلقّى الجلْدَ، وهو مثل جِلْمودٍ صلْب. جسمُه الهزيلُ كان يرتفعُ عن الأرضِ، ويُخفي عنه الآلام. ليس آلامَ الجسدِ، ولكنها آلامُ الإهانةِ التي تريد السلطاتُ أن تُغْرِسَها في أضلاعِ بدوي، ومع كلّ ضربةٍ وجلدة. ولكن هيهات.
رفعَ بدوي رأسَه إلى السّماء. ربّما كان يتألم. ولكنّه بالتأكيدِ كان يفتحُ وجهُه ناحيةَ السّماء، ليؤكّد عهدَه مع ربِّ السّماء، بأنه يؤمنُ به، وبعدلِه وعدالتِه، وأنّ إيمانه بالعدلِ الإلهيّ، هو ما يجعله يؤمنُ بأنّ هذه اليدَ التي تمتدّ إليه بالسّياط؛ منزوعةٌ من العدالةِ، ومن الرحمة.
دقائقُ قليلة، وانتهى المشهد. مشهدٌ سيتكرّر كلّ أسبوع، ومعه ستتكرّر واحدةٌ من أفظعِ مشاهدِ السوءِ في مملكةِ القمع.
الناشط السياسي فؤاد ابراهيم وضعَ النقاطَ على حروفِ الحقيقةِ، وأكّد بأن المرجعيةَ الفقهيّة التي استندت إليها احكامُ الجلدِ ضد رائف بدوي هي نفسُها مرجعيّةُ تنظيم داعش، وقال بأن المملكةَ وداعش كلاهما في الجَلدِ وهابيٌّ، فلا تَسلْ بعدها عن فقهِ الكراهيةِ والإرهاب، يقول فؤاد إبراهيم.