فؤاد إبراهيم: عودة قوية للجناح السديري وتصفية تركة الملك الراحل

السعودية/ نبأ- الملك الجديد ينتقم من سلفه. عبارة تختصر ما جرى في السعودية تحت جنح الظلام أول من أمس. عودة قوية للجناح السديري الذي يعمل على استعادة قوته وتصفية تركة الملك الراحل عبد الله، الذي ووري الثرى أمس، مخلفاً ابنه متعب على رأس جناح يظلله ولي العهد الجديد مقرن، الذي يبدو ضعيفا بلا سند لا داخلي ولا خارجي

جاء ذلك في مقال نشرته صحيفة "الأخبار" اللبنانية، للكاتب السعودي فؤاد إبراهيم، حمل عنوان "السعودية عهد الحساب العسير"، أوضح الكاتب كيف أريد لخبر وفاة الملك عبد الله أن يمر بهدوء والناس نيام وفي ساعة ميّتة من الليل، فكان توقيتاً إعلامياً بامتياز. لم ينل رحيل الملك حظّه من التغطية الصحافية كما جرت العادة، وكان إيقاع التغييرات سريعاً أكثر مما يتوقعه المراقبون؛ فما أصدره الملك الجديد من مراسيم ملكية أذهل كثيرين عن الحدث نفسه، ولربما كان الوقوف على رحيل عبد الله عابراً. هل في ذلك إشارة ما من الملك الجديد؟ ربما.

كانت أجندة الملك سلمان مليئة ومثيرة للانتباه، فقد دشّن وعلى الفور حساباً له على «تويتر» تحت اسم خادم الحرمين الشريفين، وأطلق أولى تغريداته وسأل الله أن يوفقه لخدمة شعبه وتحقيق آماله. وقبل أن يوارى جثمان سلفه الثرى، أصدر، وفي حالة غير مسبوقة، سلسلة أوامر ملكية بتعيين ابنه محمد وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي، وابن أخيه محمد بن نايف، وليا لولي العهد، الى جانب منصبه وزيراً للداخلية، وبإعفاء خالد التويجري من رئاسة الديوان الملكي والحرس الملكي، في انتظار المزيد من الاعفاءات والتعيينات في الأيام المقبلة.

بطبيعة الحال، لم تكن قرارات الملك الجديد وليدة اللحظة، فقد كانت جاهزة بانتظار موت عبدالله، فصدرت تباعاً ما كشف عن خلاف عميق بين الجناحين الحاكمين (جناح عبد الله والجناح السديري) لم يكن الكشف عنه ممكناً الا بأوامر مضادة، كتلك التي كان يصدرها الملك عبد الله طيلة عقد من الزمان في سياق تقويضه للعصبة السديرية. اليوم، يحاول الملك الجديد ترميم التصدّعات التي أصابت بنية الجناح السديري عن طريق أوامر ملكية جديدة تقوم على الضم والإزاحة.

بدأ سلمان عهده بتصفية تركة عبدالله، والمؤشرات الأوليّة تكشف عن أنه يمارس دوراً تدميرياً ولكن سريعاً حتى يفرض سيطرته على زمام الدولة دون متاعب ولا ضغوط ويحيلها سديرية مطلقة، وسلمانية إن تطلب الأمر.

هي أشبه بلعبة شطرنج ولكن بايقاع سريع، فقد اختزن الملك الجديد حزمة خصومات مع الملك عبد الله حد الاحتقان بانتظار هذه اللحظة والانقضاض سريعاً. بدا طبق الانتقام لدى سلمان ساخناً ومبكراً ولافتاً، ولم ينتظر حتى انتهاء مراسم دفن سلفه، فقد أعلنها تصفية حساب سريع ضد جناح الملك عبد الله.

من الضروري لفت الانتباه إلى أن سلمان لم يحد قيد أنملة عن عبد الله في اعتماد قواعد الاشتباك ذاتها التي كانت في عهد سلفه. وبناءً عليه يمكن القول إن سلمان لا ينتمي الى عصر ما قبل الملك عبد الله، بل هو الوريث الفعلي له في سياسته وفي أدوات صراعه، ولم يختلف عنه حتى في نهجه في التعاطي مع الخصوم. ما يلفت أن الملك الجديد يتوسّل الآليات نفسها التي ابتكرها الملك السابق في إقصاء منافسيه.. وقد يلجأ الى (هيئة البيعة) التي أنشأها الملك عبد الله لتفادي تعيين الأمير محمد بن نايف في منصب نائب ثانٍ (قبل الاتفاق معه في وقت لاحق ضمن عملية تقاسم مناصب بينهما) لاعادة تشكيل السلطة، وقد يؤول الى اقصاء مقرن بن عبد العزيز، ولي العهد الجديد، وإعادة أحمد بن عبد العزيز (وزير الداخلية السابق) عبرالآلية نفسها. وقد يتطلب بناء تحالفات جديدة وهنا يبرز دور الأجنحة المهمّشة التي تكتسب أهمية أكبر بفعل حاجة الجناحين (جناح الملك والجناح السديري) اليها في معركة التجاذب على السلطة الآن وفي المستقبل.

على أي حال، فإن الملك الجديد أمام تركة ثقيلة من الخلافات والتغييرات، وسوف يضطلع بمهمة تصفية هذه التركة بصورة سريعة وحاسمة.

قرارات الملك الجديد أكّدت بما لا يدع مجالاً للشك أن صراع الاجنحة داخل الاسرة المالكة ليس هامشياً ولا عابراً، ولعل تصريح الأمير طلال بن عبد العزيز بالأمس يكشف عن جانب خطير منه حين رأى أن الخلافات داخل الأسرة قد تكون سبباً للانهيار. ونشير الى أنه بخلاف ما جاء في مرسوم تعيين محمد بن نايف في منصب ولي ولي العهد، الذي ورد فيه «بعد الاطلاع على ما عرض على أعضاء هيئة البيعة حيال اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آلسعود ولياً لولي العهد، وتأييد ذلك بالأغلبية..»، فإن الأمير طلال صرّح بأن الهيئة لم تُدع للبيعة، وأن مجلس العائلة لم يجتمع منذ أشهر.

أمراء آخرون تداولوا على مواقع التواصل الاجتماعي خلافات الأسرة المالكة، ولأول مرة في تاريخ السعودية يخرج أمراء من ال سعود الى الاعلام ويتحدثون عن خلافاتهم بشفافية. ولذلك، بدا التصويب على مستشار الملك عبد الله، الشيخ خالد التويجري، مجرد الغطاء المضلل للتمويه على أصل الخلاف داخل قصور الأمراء.

قبل وفاة الملك عبد الله، كان حديث الخلافات داخل ال سعود متداولاً في عالم الصحافة والعالم الافتراضي، وحالما أُعلن خبر وفاة الملك وتالياً قرارات التعيين والإعفاء الصادرة عن الملك الجديد بتنا وكأننا أمام معركة مفتوحة من الخلافات بين الأجنحة، لا يعلم حتى الآن أحد مداها.

ردود الفعل على أوامر الملك الجديد تنطوي على مؤشرات سلبية بالنسبة إلى الجناح السديري، فهناك من أبناء الملك عبد العزيز من لا يزال على قيد الحياة، وهو الأجدر بمنصب ولي ولي العهد، بحسب التقليد المعمول به في انتقال السلطة، وسوف يترك تأثيره على علاقة الملك الجديد بإخوته الذين يتعرضون لعملية إقصاء متعمدة في حياتهم دون حتى مجرد الحصول على قبولهم بالتعيينات الجديدة. فما كسبه الجناح السديري من تعاطف خلال الفترة الماضية نتيجة مراسيم ملكية أصدرها الملك عبد الله وصفت بكونها مجحفة بحق السديريين، يستنزفه الملك الجديد الآن بمراسيم مماثلة ما يجعله على قدم المساواة مع سلفه من حيث النزعة الاقصائية واستبعاد بقية الأمراء من الأجنحة الأخرى.

من الواضح، أن المعركة على السلطة أخذت طابعاً ثنائياً (عبد الله وسلمان)، وأن بقية الأمراء ليسوا سوى مجرد فاعلين ثانويين أو منقسمين بين رابحين وخاسرين تبعاً لنوع المراسيم الملكية وطبيعتها.

لم يبق من الجناح السديري اليوم سوى ثلاثة: الملك الجديد سلمان، والأمير أحمد (وزير الداخلية السابق)، والأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز (خارج معادلة السلطة)، فيما غيّب الموت الأقطاب الكبار وهم فهد بن عبد العزيز (2005)، وسلطان بن عبد العزيز (2011)، ونايف بن عبد العزيز (2012). وهناك توقعات راجحة بعودة أحمد الى معادلة السلطة، لكونه يحظى بمكانة داخل الجناح السديري، وله علاقة مع بعض القبائل المتحالفة مع آل سعود، وهناك من يعدّه الأجدر بولاية العهد من أخيه غير الشقيق مقرن. وبناءً عليه، يبقى سيناريو استبعاد الأخير من ولاية العهد قائماً، وقد يجري ذلك لسبب أو لآخر، ولا سيما بعد غياب العضيد الوحيد. ولا يبدو أن قرار إعفاء مقرن سوف يواجه برفض من داخل العائلة المالكة، فهو لا يحظى بشعبية أو نفوذ قوي فيها. الخيار الأمثل بطبيعة الحال يكون بإرغامه على التنازل للأمير أحمد، فيصبح مخرجاً مناسباً لإزاحة مقرن عن السلطة تماماً وعودة «مشرّفة» لأحمد.

على أي حال، سوف يبقى موقع مقرن في ولاية العهد مثار جدل مفتوح داخل السعودية لبعض الوقت، إذ من غير الممكن بقاؤه دون تحالف رصين في الأسرة، واعتماده على قوة الأمير متعب، وزير الحرس الوطني الحالي ليس كافياً من أجل مواجهة بقية الأجنحة بما فيها الجناح السديري الذي يقوده الملك سلمان. وقد يجادل البعض، بأن إبعاد مقرن لأي سبب كان وتحت أي مبرر، هو إعلان حرب على متعب وإخوته، لأن ذلك يحرمهم ربما إلى الأبد السلطة. وإذا كان لا بد من التنازل من وجهة نظر جناح متعب، فلن يكون البديل أحمد بل متعب الأولى به. في حقيقة الأمر، فإن أي ترتيبات في البيت السعودي لا تأخذ بحق متعب في الوراثة سوف تفجّر صراع الاجنحة.

من الجدير بالإشارة أن علاقة الملك الجديد بولي عهده الأمير مقرن ليست وديّة، وثمة شعور لدى الأخير بأن سلمان يتعامل معه بقدر قليل من الاحترام، لأسباب عديدة منها كونه ابن جارية، ومنها استغلال جناح الملك عبد الله له لإيصال متعب بن عبد الله الى العرش. كان تعيين الأمير مقرن ولياً للعهد إلزامياً للملك الجديد بناء على الأمر الملكي الرقم أ/86 الذي صدر قبل عشرة شهور، والذي ينص على مبايعة مقرن ولياً للعهد في حال خلو ولاية العهد. حينذاك، فهم المراقبون من مضمون الأمر الملكي ليس مجرد صراع أجنحة على السلطة، وإنما أيضاً تمهيد الطريق أمام وصول متعب الى العرش عن طريق مقرن، الملك التالي بعد سلمان. مصادر سياسية وإعلامية تتحدث عن إصابة الامير سلمان بالخرف «الزهايمر» الى جانب مرض القلب وأمراض الشيخوخة، وهذا من شأنه أن يبعث الأمل لدى جناح متعب.

في المقابل، كان قرار سلمان باعفاء خالد التويجري من مناصبه كرئيس للديوان الملكي، والحرس الملكي وأمين هيئة البيعة، متوقّعاً قبل الإعلان عن موت الملك. فالهجمة الاعلامية التي شنّها أنصار الجناح السديري في مواقع الاتصال الاجتماعي ضده طيلة الشهور الماضية توحي بأن قراراً انتقامياً ينتظر الرجل لحظة موت سيده، الملك عبد الله..

بالنسبة إلى الأمير متعب، وزير الحرس الوطني منذ عام 2013، فإنه سوف يواجه تحديّات جديّة بعد عودة السديريين بقوة الى السلطة، وما مراسيم سلمان الا رسائل شديدة الوضوح والخطورة الى الجناح المنافس وبقية الأجنحة بأنه سوف يمارس سلطته الكاملة التي يمنحها إياه النظام الأساسي (المعلن في مارس 1992) والذي يمنح الملك صلاحيات مطلقة في التعيين والاعفاء.

جرّب الأمير متعب بناء علاقة خاصة مع واشنطن بهدف تعزيز فرص وصوله الى السلطة، فكان يكثّف زياراته لعواصم الدول الحليفة للسعودية لناحية استدراج دعم له في مستقبل العرش.

ولكن محمد بن نايف بدا الأوفر حظاً لدى واشنطن، لما يتمّتع به من صلات وثيقة مع صنّاع القرار في الولايات المتحدة، والتي عمل عليها في زمان والده من خلال الاتفاقيات الامنية مع واشنطن ومن بينها أربع اتفاقيات استراتيجية عام 2007 التي منحت الأميركيين نفوذاً غير مسبوق في تاريخ السعودية، بما يجعل الأخيرة خاضعة بصورة شبه كاملة للسيادة الأميركية من خلال أنظمة الرقابة والتعقّب التي تطاول كل المقيمين داخل أراضي المملكة..

قبل وفاة الملك عبد الله، كان يدور في الكواليس كلام حول زهد محمد بن نايف في العرش، ويرجع ذلك الى كونه بدون خلف من الذكور، ما يجعل سباقه الى السلطة مقطوعاً، ولكن تعيينه في منصب ولي ولي العهد يجعله وريثاً محتملاً للعرش..