لماذا غضب حكام الإمارات من الإنقلاب السديري على تركة عبدالله؟

السعودية/ نبأ- اعتبرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في مقال للكاتبة دعاء سويدان، ان الحضور الإماراتي في مراسم تشييع الملك السعودي الراحل عبدالله لم يكن على قدر العلاقة الاستراتيجية بين البلدين.

وقالت سويدان ان مفارقات كبيرة وغريبة سجلتها صور تلك المراسم بيّنت حجم استياء محمد بن زايد «حاكم الإمارات الفعلي» بسبب الانقلاب السديري على تركة عبدالله المقربة منه والخلاف «المستتر» بينه وبين وليّ وليّ العهد الجديد.

وأضافت أن رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد ونائبه محمد بن راشد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد كانوا الغائبين الأبرز عن جنازة ملك السعودية عبدالله. وحدهم حكام الشارقة وعجمان ورأس الخيمة حضروا الجنازة جنباً إلى جنب أمير الكويت وأمير قطر وملك البحرين. هذا التمثيل المتدني جداً أجمعت معلومات متقاطعة على وقوف محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات، خلفه.

وأفادت المعلومات بأن ولي عهد أبو ظبي أصرّ على عدم حضور ولي عهد دبي محمد بن راشد مراسم تشييع عبدالله والاكتفاء بحضور مشايخ ثلاثة من الإمارات السبع. إصرار عزاه مصدر سعودي لـ«الأخبار» إلى انزعاج ولي عهد أبو ظبي من التطورات التي شهدتها السعودية صبيحة يوم دفن الملك عبدالله، حيث جاءت الدفعة الأولى من الأوامر الملكية على عكس ما يشتهي بن زايد الذي تلقى ضربة موجعة بتعيين محمد بن نايف ولياً لوليّ العهد وطرد خالد التويجري من الديوان الملكي وإزاحة متعب بن عبدالله من المناصب الثلاثة الأولى، على حدّ ما يقول المصدر.

الامتعاض الإماراتي من غلبة الجناح السديري على المشهد السعودي يرجع إلى جملة من العوامل السياسية والشخصية؛ فمحمد بن زايد صديق وحليف لوزير الحرس الوطني السعودي، كذلك فإنه يعتبر صديقاً حميماً وحليفاً قوياً للأمين الأسبق لمجلس الأمن الوطني بندر بن سلطان، وعن طريق هاتين الشخصيتين المقربتين من الملك السابق كان لولي عهد أبو ظبي كلمته في الكثير من مواقف الرياض وقراراتها.

وبحسب أوساط خليجية، فإن بن زايد كان قد منح بندر بن سلطان عندما كان الأخير رئيساً للاستخبارات السعودية ما لا يقل عن مليار ومئتين وخمسين مليون ريال، كما كان قد أهدى متعب بن عبدالله قصراً فارهاً في جزيرة السعديات في إمارة أبو ظبي. وكان الحاكم الإماراتي الأقوى يتقرّب من وزير الحرس الوطني السعودي على اعتبار أن الأخير هو الأوفر حظاً بوراثة كرسي الملك قبل أن يطيح الانقلاب السديري الأبيض أحلامه.

وإلى جانب تلك المعطيات تأتي وثائق ويكيليكس لتثبّت حقيقة العداء بين محمد بن زايد ووليّ وليّ العهد السعودي الجديد، إذ تفيد الوثائق التي تسربت في شهر آذار الماضي بأن وليّ عهد أبو ظبي تعمّد تحقير والد محمد بن نايف الذي كان وقتها وزيراً للداخلية، وذلك في محادثة مع مدير مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ريتشارد هيس. وتضيف تسريبات ويكيليكس أن ولي عهد أبو ظبي قال لمحدثه إنه حينما يرى نايف يترسخ لديه الاقتناع بأن داروين كان محقاً حين قال إن الإنسان انحدر من القرد.

وليس تغيّب المسؤولين الإماراتيين عن مراسم تشييع الملك السابق العلامة الوحيدة على الخلافات بين الجانبين. فتغطية وكالة «إرم الإماراتية» للأوامر الملكية السعودية التي أعقبت وفاة عبدالله دليل إضافي على تلك الخلافات. الوكالة التي يديرها ديوان رئيس الدولة شكّكت في صحة تعيين محمد بن نايف ولياً لولي العهد، وقالت إن سلمان لم يستشر هيئة البيعة في ذلك، وإن اختيار محمد بن نايف من بين العديد من الأحفاد المهمين أثار انتباه المراقبين.

وفي تعليقه على تغطية «إرم» يقول الكاتب البريطاني ديفيد هيرست إن ما ذكرته الوكالة ليس اعتباطياً. ويشير الكاتب إلى أن الثلاثي المكوّن من خالد التويجري ومحمد بن زايد وبندر بن سلطان أطلق حملة إعلامية للتشكيك في ولاية عهد سلمان بمجرد أن انتشر خبر مرض الملك عبدالله. حملة استهدف المحافظون الثلاثة من خلالها ضمان انتقال منصب وليّ وليّ العهد إلى الأمير متعب بحسب ما يؤكد هيرست.

ويستشهد الكاتب البريطاني في تدليله على تلك الحملة بتحقيق أجراه موقع «أسرار عربية»، وتبيّن من خلاله أن مقدم البرامج التلفزيونية المصري يوسف الحسيني تعمّد التحريض على الملك سلمان ونجله محمد بإيعاز من الديوان الملكي السعودي، وعبر وساطة عباس كامل مدير مكتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وإذا كان تخلف المسؤولين الإماراتيين عن المشاركة في جنازة الملك عبدالله متصلاً بالعوامل السالفة الذكر، فإن تغيّب السيسي عن الجنازة رغم انقطاعه عن منتدى دافوس الاقتصادي قد لا يكون خارجاً عن هذا السياق، إذ يستبعد بعض المراقبين أن يكون سوء الأحوال الجوية هو الذي حال دون وصول الرئيس المصري إلى الرياض، واصفين هذه الحجج بالواهية، ولافتين إلى أنها جاءت بعدما أصبحت مقاطعة وليّ عهد أبو ظبي لمراسم التشييع في حكم المؤكد.

في كل الأحوال، يبدو من المبكر الجزم بما ستؤول إليه العلاقات بين مراكز القوة والقرار الرئيسة في كل من الرياض وأبو ظبي والقاهرة، إلا أن المحسوم أن صفحة من الازدهار طُويت برحيل عبدالله وأن تغييرات ستطرأ على سياسة السعودية حيال أكثر أعضاء مجلس التعاون قرباً منها وحيال النظام الذي أَنفقت المملكة المليارات لتثبيت دعائمه. تغييرات إن لم تطل الاستراتيجيات فستجري على التكتيكات… حتماً.