السعودية/ نبأ- قال آدم كوغل الباحث بشؤون الشرق الأوسط في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، انه عندما أصدر الملك سلمان، العاهل الجديد للمملكة العربية السعودية، عفوا عاما عن سجناء "الحقوق العامة" في 29 يناير/كانون الثاني، استشعر النشطاء والمراقبون السعوديون أول بصيص أمل منذ مدة في أن الاضطهاد الذي لا هوادة فيه بحق المعارضين السلميين ونشطاء حقوق الإنسان في المملكة قد يكون قد شارف على نهايته.
وبحسب كوغل تبخرت آمال النشطاء على الفور تقريبا، عندما أصدرت السلطات نص العفو الذي يستثني المحكومين على خلفية مجموعة واسعة من التهم، أبرزها "الجرائم التي تضر بالأمن القومي،" ويمكن أن تنطبق تلك الفئة، غير المعرّفة داخل نظام العدالة الجنائية السعودي، بالقدر ذاته، على المدانين بارتكاب أعمال عنف، أو مجموعة من النشطاء السلميين المسجونين المدانين بارتكاب جرائم أمنية غامضة الصياغة مثل "زرع الفتنة"، أو "تأجيج الرأي العام"، أو "الإضرار بالنظام العام" – إلى حد كبير على حساب خطابهم وكتاباتهم السلمية.
ولكن ما ذاك الذي قاله النشطاء أو كتبوه مما يعقل أن يوصف بأنه "إجرامي" أو مضر بالأمن القومي؟ كيف يمكن للمدعين والقضاة السعوديين أن يقرروا أي الخُطبة مقبولة وأيها غير مقبول؟
قمت بمراجعة الحكم القضائي بحق الناشط الليبرالي رائف بدوي، الذي جذبت قضيته الاهتمام الدولي بسبب الحكم الصادر بجلده أكثر من ألف جلدة إضافة إلى سجنه. يسرد الحكم مجموعة من البيانات التي يزعم أنها "إجرامية" من بين ما أدلى به. وهي تشمل: "للملحد الحق في قول ما يريد. وهو يتمتع بالحق في الخروج بين الناس و القول بصوت حر: "أنا ملحد وليس لأحد الحق في محاسبتي،". "الشبكة الليبرالية هي المنتدى الليبرالي الذي يتبنى الفكر المستنير والمتحرر من سلطة الفكر الديني". و "يؤمن السلفيون بأنهم يحتكرون الحقيقة والدولة تساندهم".
ولقد شكلت هذه التصريحات، من بين أمور أخرى، الأساس لقضية الادعاء ضد بدوي، وتأكد ذنبه عندما اعترف بإتيان بعض منها. ولم تكن القضية الرئيسة في محاكمة بدوي ما إذا كانت التصريحات التي أدلى بها في الواقع إهانة للإسلام أو السلطات الدينية، بل مجرد ما إذا كان قد أدلى بهذه التصريحات، التي من المفترض أن تكون ذات بُعد مجرّم بما لا يدع مجالا للشك.
لم تكن قضية بدوي فريدة أو حتى استثنائية من نوعها، فعادة ما تحكم المملكة العربية السعودية على النشطاء بعقوبات وحشية لأسباب زائفة، و إدراج قائمة من الأمثلة على الخطاب "الإجرامي" دون أي تقييم جدي لكيف أو لماذا يجب أن تعتبر إجرامية. ويمكن بسهولة تحقيق هذا بسبب غياب قانون جنائي مكتوب، والذي له أن يمكّن المدعين العامين والقضاة من أن يستنتجوا أن مواطنا قد تلفظ بانتقادات علنية وأن يصنفوها على أنها "النكص بالولاء للحاكم"، أو "ازدراء السلطات الدينية"، أو بعض الجرائم الغامضة الأخرى، بدلا من إثبات أن المتهم قد ارتكب عناصر جريمة محددة و مبينة في القانون.
كما تسيء السلطات استخدام بعض القوانين الجنائية غامضة الصياغة مثل قانون عام 2007 لمكافحة جرائم الإنترنت في معرض معاقبة التعبير السلمي. إذ تجرّم المادة السادسة من هذا القانون "إحداث شيء يضر بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة" – فهذا تعريف غاية في الغموض وواسع النطاق بحيث يتيح للمدعين العامين والقضاة بسجن السعوديين على خلفية أي شكل من أشكال التعبير على الانترنت مما لا يوافقون عليه.
وليد أبو الخير، محامٍ في مجال حقوق الإنسان ومقره في جدة، يقضي حكما بالسجن لمدة 15 سنة قاسية على نحو قاسٍ بسبب تعليقاته الانتقادية التي أدلى بها خلال مقابلات وعبر تغريدات. وهي تشمل التعليقات الساخرة بشكل محزن بأن: "القضاء السعودي لا يخرج من قاعدة الأمة بسهره على حكامها لأنه ليس سلطة مستقلة … [هذا] لأن القضاء السعودي من دون قواعد قضائية محددة في القضايا السياسية، ولأن القضاء ينتهك حقوق الإنسان ويُفني المناصرين لها ".
واعتُبر بيان أبو الخير "إهانة للسلطة القضائية" من قبل المحكمة السعودية التي أمرت بسجنه. بيد أنه وللأسف، وصف دقيق لحال الأمور في المملكة العربية السعودية، حيث يعمل القضاء على ضمان وجود مجتمع يكون الحق في حرية التعبير فيه محظوراً ويعاقب الانتقاد العلني بقسوة تحت شعار "الأمن القومي".
و إلى أن يمحص الملك سلمان الانتهاكات واسعة الانتشار التي تطال الحق في حرية التعبير في البلاد ويأمر بالإفراج غير المشروط عن جميع النشطاء السلميين المدانين بتهمة ارتكاب الجرائم المتعلقة بالتعبير عن الرأي، سوف يُنظر إلى البلاد على أنها مكان تتعرض فيه ممارسة الحق في حرية التعبير للعقاب القاسي والتعسفي.