السعودية: الحصاد الاقتصادي لعام 2025

نبأ – منذ يناير 2025، دخل الاقتصاد السعودي عاماً مثقلاً بعجزٍ متوقع في الموازنة تخطى المئة مليار ريال (نحو 27 مليار دولار)، في إشارة مبكرة إلى اتساع الفجوة بين الإنفاق المرتفع والإيرادات المتراجعة. تزامن ذلك مع انصياع الرياض لضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب بخفض أسعار النفط، رغم إدراك كلفة هذا القرار على المالية العامة. وقد عززت وكالة “فيتش” هذا التشاؤم حين توقعت ارتفاع العجز إلى 3.8% من الناتج المحلي، بعد خفض “أرامكو” توزيعاتها من 124 إلى 85 مليار دولار، ما وجّه ضربةً مباشرةً لإيرادات الخزينة.

ومع حلول شهر أبريل، بلغت الضغوط ذروتها عندما خفّضت الرياض أسعار النفط إلى أدنى مستوى له في أربعة أشهر تنفيذاً لرغبة ترمب، ما أدى إلى فقدان “أرامكو” نحو 90 مليار دولار من قيمتها السوقية منذ بداية عام 2025. في أبريل نفسه، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي إلى 3%، في رابع خفض متتالٍ، رابطاً ذلك مباشرة بانخفاض أسعار النفط، في دلالة واضحة على فشل التحرر من الاقتصاد الريعي.

وفي مايو، تبيّن أن تنويع الاقتصاد ليس سوى ترويج إعلامي، إذ انهارت أرباح قطاعات حيوية كالمواد الأساسية والمرافق العامة. وفي الوقت نفسه، تصاعد الاعتماد على الديون لتمويل مشاريع ما يسمى ب “رؤية 2030″، في اعتراف غير مباشر بفشلها. وزاد العبء مع إعلان التزامات سعودية باستثمارات تصل إلى 600 مليار دولار في الولايات المتحدة وصفقات سلاح بنحو 142 مليار دولار، في لحظة تعاني فيها الميزانية من عجز متفاقم، ما عكس خضوعاً مالياً واضحاً لواشنطن.

وخلال يونيو، أظهر الميزان التجاري تذبذباً حاداً، فيما أشارت توقّعات صندوق النقد الدولي إلى أن الحساب الجاري السعودي سيظلّ في حالة عجز حتى نهاية العقد، مما يسلط الضوء على محدودية التقدم في تحقيق أهداف رؤية 2030 المزعومة.

وفي شهر أغسطس حمل إعلان شركة النفط أرامكو عن انخفاض أرباحها الفصلية للمرة العاشرة على التوالي، بنسبة 22 في المائة على أساس سنوي لتصل إلى 22.67 مليار دولار، مما يوسع نطاق الانخفاض الذي يعود إلى أواخر عام 2022. فيما انخفضت أسهم 207 شركة سعودية من بينها كيان السعودية، ومكة المكرمة، ومجموعة تداول، والكابلات السعودية، والتدريب الخليجي.

وفي نوفمبر، سُجل أعلى عجز فصلي خلال خمس سنوات، مع تراجع الإيرادات بسبب انخفاض أسعار النفط.
تزامن ذلك مع إعلان رسمي عن مراجعة وإلغاء بعض المشاريع الضخمة ضمن المشاريع التي تراجعت عنها، في اعتراف صريح بهدر مالي وسوء تخطيط. وفي وسط هذه الأزمات، أعلن محمد بن سلمان أن السعودية ستزيد استثماراتها في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار، خلال زيارته إلى واشنطن. ووفق تصريحات وزير الاستثمار خالد الفالح، على هامش الزيارة، بلغ إجمالي قيمة الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، 557 مليار دولار، فيما قال ترمب إنه جرى توقيع اتفاقيات وصفقات بيع بقيمة 270 مليار دولار خلال مؤتمر الاستثمار الأميركي السعودي الذي انعقد في العاصمة الاميركية.

وفي نوفمبر أيضًا، أقدم صندوق الاستثمارات العامة على بيع حصص كبيرة في 9 شركات أميركية خلال الربع الثالث من العام 2025، وهو مؤشر على غرقه في الأزمات المالية التي دفعته إلى البيع بسبب نقص السيولة. كما أصدر الصندوق سنداتٍ خضراء باليورو والدولار في محاولةٍ لجَذب التمويل الأجنبي ليغطي نفقاته المتصاعدة.

وفي ديسمبر، أقر مجلس الوزراء السعودي، ميزانية عام 2026 بإجمالي نفقات يبلغ 349.3 مليار دولار، مقابل إيرادات متوقعة قدرها 306 مليارات دولار، وعجز يصل إلى 43.96 مليار دولار. في حين توقعت “غولدمان ساكس” أن يصل الاقتراض المحلي إلى 75 مليار دولار في عام 2026، ما يُبقي الضغوط على السيولة المحلية.

وتُرجمت هذه الاختلالات بهروب المستثمرين الأجانب وعدم الاستقرار، كما عكسه إنهاء مؤشر السوق السعودي تعاملات الربع الثاني من العام 2025 على تراجع بنسبة 12%، بحسب موقع أرقام.
وفي المحصّلة، تكشف أزمات 2025 عن اقتصاد سعودي مأزوم، ورؤية متعثرة، وارتهان متزايد للنفط والقرار الأميركي، في مشهد ينذر بتحديات أعمق ما لم تُراجع الرياض سياساتها جذرياً.