يوشك الأسبوع الأولُ أن ينقضي على كارثة منى.. فيما لا يزال أهالي الضّحايا يبحثون عن ذويهم، وسط أنباءٍ تؤكّد أنّ السلطات السعوديّة لا تزال تتكتّم على أعداد الضّحايا الحقيقيين، وأنّ المفقودين يمثّلون كارثةً أخرى تُضافُ إلى كارثةِ الاستهتار الرّسميّ وعدم الاعتراف بالأخطاء ومع تمنُّع المسؤولين في المملكة عن الإقرار بأنّ الكارثةَ تستحقّ أن تُحرَّكَ بسببها الكراسي التي يجلسُ فوقها كبارُ أولي الأمر، وكبار شيوخِ الطاعة العمياء على حدٍّ سواء…
الوطأة الكبرى التي حلّت على أهالي الضّحايا، ليس في وقوع الكارثة فحسب، ولا في الفسادِ الذي يُحرِّك خيوطَها الأولى.. ولكن أكثر ما أدخلَ الفاجعةَ في قلوبهم، وفي عيونِ المسلمين والأحرار في العالم؛ هو الاستخفافُ الرسمي بكرامةِ البشرِ، وخاصةً ضيوف الرّحمن.. حيث تناثرت أجساد الضّحايا في الشّوارع، وتكدّست فوق بعضها البعض.. في مشهدٍ مروِّعٍ هزّ الأقربين والأبعدين.. ولكنّه لم يُحرِّك الوقاحة الرسميّة ولم يهزّ شيئاً من جمودِها البارد…
لا لجان التحقيق.. ولا أموال التعويضات.. ولا فبركات الإعلام.. ولا المسرحيات الدّعائيّة التي تجيدها المملكة منذ زمن.. كلّ ذلك لن يفلحَ في إخفاءِ الجريمةِ أو تصغيرها.. فمسرحُ الجريمةِ مكشوفٌ ومشهودٌ على السماء.. وضحاياها يكادون ينطقون من بين الأسفلت: أنْ هذا المجرمُ الحقيقيّ.. وإنّا من المجرمين لمنتقمون…