ضحايا تدافع الحجاج من 24 دولة.. وطهران دعت إلى تشكيل لجنة تقصّي حقائق

السعودية/ نبأ- قالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، في تقرير للصحافية نادين شلق، أن حدّة التوتر بين السعودية وإيران، على خلفية حادثة الحجاج في منى، وصلت إلى مستوى عالٍ جداً، دفعه حجم المأساة وعدد الضحايا من جهة، والسلوك السعودي تجاه الكارثة من جهة أخرى، والذي كان بدوره مدار هواجس وتساؤلات كثيرة أساسها كيفية تدارك الأزمات المشابهة، مستقبلاً

وأضافت شلق، أنه ومنذ منذ يوم الخميس الواقع في الرابع والعشرين من أيلول الماضي، رُسم المشهد السياسي بين إيران والسعودية على وقع إحدى أكبر الكوارث التي عرفها موسم الحج، في ما عُرف بتدافع الحجاج في منى، الذي أودى بحياة المئات، غالبيتهم من الإيرانيين، خصوصاً بعدما تمّ الإعلان عن الحصيلة النهائية لهؤلاء، أمس، بوصولها إلى 464 إيرانياً، وشملت دبلوماسيين، من بينهم السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن آبادي.

المأساة على المستوى الثنائي قوّضت العلاقة السعودية ــ الإيرانية أكثر ممّا كانت عليه، ليصل التوتر إلى ذروته، قبل يومين، في خطاب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، رداً على تعنّت الرياض، بشكل عام، وعلى إصرارها، بشكل خاص، على الدفن الجماعي في الأراضي السعودية، وهو ما ترفضه طهران جملة وتفصيلاً.
برز حلّ هذه الإشكالية، أمس، على لسان وزير الصحة الإيراني حسن هاشمي الذي أعلن عن اجتماعه مع كبار المسؤولين السعوديين في جدة، وقال إن «السعودية أكدت أنها لم تدفن أي حاج إيراني في أراضيها»، مضيفاً أنها «ستسرع في عملية تسليم جثامين الضحايا الإيرانيين».

ورغم هذا التعبير عن بدء تسيير الأمور بما يخفف من الاحتقان، إلا أن ذلك لا يلغي فكرة أن السعودية بتصرفاتها حوّلت الوقائع إلى قرائن جدية، بدل إثبات عدم المسؤولية عمّا حصل، وذلك من خلال سلوكها الذي اتبعته منذ وقوع الأزمة. وإن كان المستوى الذي وصلت إليه الأمور اتسم بالحدّة الإيرانية بما يتناسب مع حجم الكارثة، لا سيما لجهة تحمّل أي دولة المسؤولية عن رعاياها وعن متابعة شؤونهم أينما ذهبوا، فقد أتت الردود، استناداً إلى واقع أن حادثة منى دفعت بشكوك وتساؤلات كثيرة إلى الظهور في العالم الإسلامي أجمع، انطلقت من أساس القضية، أي تنظيم الحج، ودخلت في كيفية التعاطي مع الكارثة أثناء وقوعها، لتصل إلى متابعة المسألة بعد حصولها.

تعدّ هذه الهواجس انعكاساً لاحتمالات ضمنية، تتراوح بين التقصير والقصور، اللذين بدورهما أدّيا إلى نتيجة واحدة يوم عيد الأضحى خلال رجم الجمرات. التقصير الذي ظهر في عدة نقاط ــ منها عدم إسعاف الجرحى مباشرة وترك بعضهم لأيام، ما أدى إلى وفاتهم ــ تطوّر خلال الأيام التي تلت إلى عدم التنسيق مع الدول التي ينتمي إليها الضحايا. أضف إلى ذلك، عدم إجراء تحقيق شفاف وعدم عرض اللقطات التي التقطتها الكاميرات أثناء الحادثة، فضلاً عن تأجيل إرسال الجثامين.

أما القصور الذي قد يكون نابعاً من عدم القدرة على إدارة الأزمات، فقد أدى إلى خلاصات كثيرة، منها ما مفاده أنه يجب على السعودية القبول بتشكيل إدارة جماعية للحج. وهو ما لم تعبّر عنه إيران وحدها، بل أشار إليه مسؤولون أتراك، منهم نائب رئيس حزب «العدالة والتنمية»، محمد علي شاهين، الذي أعلن أن بلاده يمكن أن تنظم الحج بشكل أفضل من السعودية. شاهين قال «هل يمكننا أن نتحدث عن القضاء والقدر في ما حدث؟ هنا إهمال في مجال السلامة وهذه الوفيات نجمت عن هذا الإهمال». وأضاف هذا الوزير السابق، الذي كان قد تولى رئاسة البرلمان أيضاً، «لو كلفت تركيا بالحج لنظمته من دون أن يصاب أحد بأذى بإذن الله». بيد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نأى بنفسه عن تصريحات شاهين، وبدا أكثر حذراً في سبيل الحفاظ على الخط الدبلوماسي بين تركيا والسعودية. وقال إن «من الخطأ توجيه الاتهام إلى السعودية التي تفعل ما بوسعها»، لضمان حسن سير مناسك الحج. وأضاف أن «إجراءات ستتخذ على الأرجح لتجنّب تكرار مثل هذه المأساة»، مؤكداً أنه «لا يتعاطف مع التصريحات المعادية للسعودية».

كل ذلك لا يلغي واقع أن سلوك السلطات السعودية في التعاطي مع الأزمة كان أقل بكثير ممّا يجب القيام به، أثناء وقوع أزمات مشابهة، وأن عدد الضحايا خلال الحوادث التي تقع في موسم الحج إلى ارتفاع في كل مرة، ما يعني وجوب اتخاذ تدابير لتجنّب المآسي في المواسم التالية.

ووسط كل هذه الاتجاهات، بدا واضحاً أن مواقف المسؤولين الإيرانيين ركزت على أمرين: استعادة الجثامين، وهو ما يعتبر حقاً طبيعياً، وتدارك أي حوادث مستقبلية من هذا النوع، وهو ما عبّر عنه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، أمس، مشدداً على ضرورة تشكيل لجنة تقصّي حقائق لدراسة أسباب حادثة منی، نظراً إلى وقوع ضحايا من 24 دولة فيه. وقال بروجردي إنه ينبغي علی الدول التي تضررت من الحادث متابعة مصير رعاياها، مؤكداً أن من المهم جداً البحث عن السبل الكفيلة بالحيلولة دون وقوع مثل هذه الأحداث مستقبلاً.

في هذا السياق أيضاً، أتت تصريحات رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، الذي رأى أن السعوديين قد أساؤوا إلى سمعتهم هم أنفسهم من خلال أدائهم في وقوع الكارثة وما بعدها. وقال إن أداء السعوديين کان سيئاً جداً في السيطرة علی الحادث، وما بعده، وأضاف أن «السلطات السعودية قد عملت بأسلوب سيّئ أيضاً حتى في مسألة الاحتفاظ بجثث الحجاج».

وفي أثناء ذلك، ظهر الخرق المتأخر، أمس، من خلال إشارة وزير الصحة الإيراني إلى تفقده البرادات التي تحفظ فيها جثامين كارثة منى، موضحاً أن «السلطات السعودية طمأنت إيران إلى أنها ستقوم بتسليم الجثامين». وذكر أن «أي بلد حتى الآن لم يتسلم أي جثة من ضحايا الحادث».

حسن هاشمي لفت إلى اجتماعه بالمسؤولين السعوديين، خلال زيارته، وقال «لقد عقد اجتماع في جدة بأمر من ولي العهد السعودي ومشاركة 5 من كبار المسؤولين لخمس وزارات وقادة الجيش وسائر المسؤولين السعوديين، حيث استغرق 3 ساعات تناول مختلف القضايا، وبعد ذلك كان لنا اجتماع مع وزير الصحة السعودي». وأضاف هاشمي أنه «خلال الاجتماعين مع المسؤولين السعوديين، تمّ نقل تعازي الملك والحكومة السعودية إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية ورئيس الجمهورية والحكومة والشعب الإيراني، وتمّ التأكيد أن الموضوع قيد الدراسة، وأن لجنة خاصة ستقوم بإعلان نتائج الموضوع».