اليمن/ نبأ- قالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في مقال للكاتب عامر محسن، أنه لو صحّت الأخبار عن موافقة السعودية على عقد محادثات سلام في اليمن، تحت اشراف الأمم المتحدة، وايقاف الحرب ــــ ولم يكن الإعلان مناورة أخرى من آل سعود ــــ فإن المأساة لن تقتصر على الدّمار الذي ألحقه العدوان باليمن، وأرقام الأمم المتحدة تقول إن ثمانين في المئة من أهله صاروا بحاجة الى اغاثة، وأكثر من نصف السكان تحت خطر الجوع، والآلاف من المدنيين قد قتلوا (وهذا كلّه بسبب عدوان خارجيّ خليجي، يحاصر اليمن ويدمّره بشكلٍ منهجي، ولا يوجد أي سببٍ آخر لهذه الكارثة أو زاوية أخرى لرؤية الموضوع).
وأوضح الكاتب، المأساة هي أنّ السعودية، بعد تعريض 25 مليون يمني لهذا الكابوس الطويل، عادت لتقبل بما كان يعرضه اليمنيون و»أنصار الله» قبل أن تبدأ الحرب. لا «تحرير» لصنعاء ولا «ابادة» للحوثيين ولا «كسرٌ لشوكة ايران»؛ قرّر أميرٌ مغامر، من دون أن يدرس العواقب ملياً، أن يدوس على شعبٍ بأكمله في طريقه الى العرش، فتبعه الإعلام وأكثر النخب العربية.
يعتبر البعض أن العلامة الحقيقية لتخلخل النظام العربي القائم، والبادرة الأولى على الاعصار الذي سيضرب منطقتنا، لم تكن مع البوعزيزي و»ثورات الربيع»، بل حرب صعدة عام 2009؛ حين تلاقى فشل الدولة العربية، وخروج قسمٍ كبير من المجتمع عن أي حاضنة «رسمية»، والتدخّل الخارجي، لإجبار السعودية على الدّخول في حربٍ منفردة، للمرة الأولى منذ عقود طويلة، في محاولة لإسناد «السلام السعودي» القائم الى جنوبها، وانقاذ نظام صالح (وقد فشلت المملكة في حملتها ــــ وهنا العلامة الأهمّ).
يومها، لم يكن هناك «اعلام حربي» وكاميرات دقيقة تنقل صورة ما يجري، وغاب عن قسمٍ كبيرٍ من الجمهور العربي (في ظلّ الهيمنة الخليجية على الاعلام) حجم ما يحصل في صعدة. وحتى حين خرجت وثائق «ويكيليكس» لتنقل، من وجهة نظر واشنطن، مقدار الوحشية السعودية مقترنة بالفشل العسكري (الى درجة أن السعوديين صاروا يستعجلون اميركا لفتح محادثات سلام)، لم يلتفت اليها كثيرون. أمّا اليوم، حين أصبح عنصر «الإعلام الحربي» عضواً اعتيادياً في المجموعات القتالية، كما المشاة ومضاد الدروع، يحمل كاميرته بيده وبندقيته على كتفه، فقد اختلفت الصورة.
قال «أنصار الله»، في 10 ــــ 11 من الشهر الجاري، أن صاروخاً لهم قد ضرب سفينةً معادية. هكذا حدثٌ لا يمكن توثيقه بالصورة، فهو يظلّ محلّ شكٍّ وقابلاً للنفي. الا أن معلومات جديدة تؤكّد بأنّ سفينة قد ضُربت بالفعل تلك الليلة، وأُغرقت، وهي سفينة امدادٍ بالنفط اسمها «بريدة» ومن فئة «دورانس» فرنسية الصنع. المصادر تؤكّد بأننا لن نرى «بريدة» مجدداً، ولو شاء السعوديون دحض الزّعم، فما عليهم الا اظهارها. انّ صح الخبر، تكون هذه فضيحة عسكرية حقيقية، فهذه السفن الضخمة (ازاحتها أكثر من 15000 طن) هي أوّل ما يجب أن تحميه في أسطولك وتبعده عن الأذى، ليس لأنها ضرورية فحسب، بل لأنّ الأساطيل لا تملك أعداداً كبيرة منها ــــ هناك سفينة أخرى فقط في البحرية السعودية تقوم بالدور نفسه ــــ ولا يمكن في غيابها تنفيذ عملياتٍ بعيدة المدى.
الّا أنّ «الإعلام الحربي» قد تكفّل بنقل الصورة في البرّ، ونشر التسجيلات التي لا يمكن تكذيبها وتظهر، خلال أيام، تدمير ما يوازي كتيبة مدرعات، والجنود اليمنيين وهم يتجولون بحرية في الأراضي والقرى السعودية. لولا هذه الصور، لأخفى آل سعود كلّ ما يجري خلف حائط الإنكار وبروباغاندا الإعلام، كما جرى عام 2009. ولكن اليمنيين، اليوم، يجعلون من الدعاية السعودية مادة للسخرية. يعلن «أنصار الله» عن مقتل عقيد سعوديّ كبير، يرأس حرس الحدود في الجنوب، فينشر السعوديون بياناً يُظهر العقيد وكأنه قُتل في معركة بطولية على الجبهة، وقد سقط وهو يطلق النار ويطلب الإمداد. كشف اليمنيون، عندها، عن تسجيلٍ للموكب الضخم للعقيد، وقد دمّره كمين، ورجالهم يسيرون بحريّة بين العربات. بعدها بأيّامٍ قُتل جنرالٌ سعوديّ، وادّعت الرياض انّه جُرح «بنيران من الجانب اليمني» (كأنما بالصدفة)، وتوفي لاحقاً في المستشفى؛ فنشر اليمنيون في اليوم ذاته صوراً لشارات العميد العسكرية ورُتبه، وقد انتُزعت عن بزّته. وحين حاول السعوديون، أخيراً، تنفيذ هجومٍ مضادٍ حقيقي لاسترداد الخوبة والقرى المحيطة بها، كانت النتيجة شريطاً لـ «الاعلام الحربي» يعرض وحدة كاملة من العمليات الخاصة السعودية (يشير الى هويتهم سلاحهم الفردي المميز، AK-103) وقد أبادها «أنصار الله».
هذا الإحراج هو ما دفع الخليجيين الى إخراج أفلامٍ دعائية لقواتهم في اليمن، بعضها أنجزته «سكاي نيوز» بحرفية بصريّة وبراعة، ولكنها تظلّ دعاية مركّبة، لا تنقل صور انتصارات أو بطولات قتال ــــ والتسجيلات التي تصلنا بحالتها «الخام» من الميدان، من الجنود السعوديين أنفسهم،تظهرهم اما وهم يستعرضون، أو يرقصون ويطلقون النار في الهواء، أو وهم يتفننون بإهدار الذخيرة.
هذه الصّور تنقل بعض الحقيقة، وتشرح لماذا ستنكفىء السعودية وتطلب وقف الحرب. ولكن لا شيء يفسّر منطق من دعم هذا الغزو المشين. والمضحك أن الإعلام العربي، حين يبرّر، يعرض العدوان وكأنه حربٌ على ايران (كأن هذا تبرير)، ولا توجد الى اليوم دلائل على دعمٍ جديّ وكبير ــــ بالمال أو بالسلاح ــــ من ايران لـ «أنصار الله»، وقد اختلف الطرفان حول أكثر من مفصلٍ أساسيّ في الفترة الماضية (بينها دخول عدن)، خالف «أنصار الله» فيها ــــ وفق تقارير غربية ومحلية ــــ رأي حلفائهم في طهران.
بعيداً عن الشعارات، ما يحصل هو أن السعودية ستخرج من اليمن، والإمارات قبلها، بعد أن دمّرت مدنه وجوّعت شعبه، وصارت القاعدة تحكم زنجبار بعد أن سيطرت على المكلّا، وتقترب من الهيمنة على عدن (حيث تغتال الضباط الاماراتيين بشكلٍ شبه يومي). هم يعتقدون أن هناك، بعد كل هذا، عودةٌ الى «المربع الأول»؛ وقد غاب عنهم انه، مثلما كانت حرب 2009 تأبيناً لما هو قائم ومقدّمة لواقعٍ جديد أكثر تعقيداً وصعوبة، فإن هذه الحرب قد فتحت على من أشعلها أبواب زمنٍ جديدٍ، قاسٍ، لن يكون رحوماً بهم.