السعودية/ نبأ- قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في تقرير صحفي، ان من المشكوك فيه أنه بقيت دول لم تعلن بشكل واضح وعلني أنها نقلت معلومات تحذيرية عن نية تنفيذ عملية في فرنسا. كان آخر هذه الدول السعودية والعراق، حيث أن العراق قالت عشية الهجمات في باريس إنها تعرف أن العمليات ستحدث. وقبلهما قالت تركيا إنها حذرت فرنسا مرتين من امكانية عملية ارهابية، والجزائر تحدثت عن تعاون استخباري مع فرنسا ونقل معلومات منهاجي للاستخبارات الفرنسية.
وأوضحت الصحيفة، من اللافت كيف أنهم عرفوا فجأة عن نوايا العملية في فرنسا أو اهداف في اوروبا عموما، ولم يعرفوا عن العمليات التي حدثت في اراضيهم. لم تعرف تركيا عن العمليتين اللتين نفذهما تنظيم الدولة الاسلامية داعش في حزيران وتشرين الاول. العراق لم يعرف متى ستنفجر السيارة المفخخة التالية في بغداد، والسعودية تستمر في معاناتها من العمليات وفي مصر نجح مخرب على ما يبدو في وضع عبوة في الطائرة الروسية. هذا لا يعني بالضرورة أن المعلومات الاستخبارية التي تصل من الدول العربية ليست دقيقة، لكنهم في الغرب يتعاملون معها باشتباه في أفضل الاحوال، أو أنها تهدف الى حث الدول الغربية على العمل ضد الاعداء السياسيين في هذه الدول.
الفرضية التي تقول إن الانظمة القمعية تسيطر على كل ما يحدث في دولها وتعرف من هو المشتبه المحتمل، ثبت خطأها. فهم ليسوا كذلك. فمصر مبارك لم تعرف كيف تمنع العمليات في الاماكن السياحية ولم تفهم أن الثورة ستحدث وكذلك تونس زين العابدين بن علي التي تفاجأت من غضب الجمهور. اضافة الى ذلك هناك تقديرات أمنية في الغرب استبعدت في السابق قدرة الاجهزة الاستخبارية في السعودية والكويت، رغم الأدوات القمعية التي تم استخدامها للحصول على المعلومات والمبالغ الطائلة (نحو مليار دولار في السعودية) التي استثمرتها هذه الدول في الاستخبارات. الاستخبارات الناجعة نسبيا هي الاستخبارات الاردنية، لكنها فشلت قبل عقد هجوم القاعدة على الفنادق في عمان.
في نفس الوقت، في الخزائن المغلقة لاجهزة الاستخبارات العربية، توجد معلومات كثيرة عن عشرات آلاف المواطنين الذين يرتبط بعضهم بالتنظيمات الارهابية أو المنظمات الاسلامية المتطرفة. هذه المعلومات التي يمكن أن تخدم الاجهزة الاستخبارية في اوروبا الآن بالذات، حيث أن آلاف اللاجئين يتفقدون الى حدودها. حسب مصدر دبلوماسي غربي لا يوجد اليوم فحص أمني لمئات آلاف اللاجئين الذين يصلون الى المانيا أو ايطاليا. “في البداية يتم استيعابهم وبعد ذلك يتم فحص جوازات سفرهم”، قال. “المشكلة أنه لا توجد لدينا القوة البشرية الكافية والمناسبة لفحص كل لاجيء بشكل معمق، وبالطبع فان التعاون مع دول عربية مثل سوريا والسعودية والعراق ولبنان غير موجود، حيث باستطاعتهم تقديم معلومات مهمة”.
الفحص الوحيد الممكن هو فحص المعلومات القائمة حول مشبوهين عند الاستخبارات الاوروبية. لكن فحصا كهذا يتم فقط في حالات استثنائية – عند الحديث عن مطلوبين معروفين – يتم فحص مقارن للمعلومات الموجودة مثلا في المانيا مع تلك التي تم جمعها في بريطانيا أو فرنسا.
يضاف الى صعوبات التعاون بين الاجهزة الاستخبارية الغربية والعربية – خصوصا أنه لدى الاستخبارات العربية لا يوجد تعاون منهجي – فان الاستخبارات الغربية تتعامل بشك مع التعاون القائم حيث ثبت ذلك احيانا بين الانظمة وبين التنظيمات الارهابية. ولا يجب المبالغة والحديث عن تعاون وثيق بين الاجهزة الاستخبارية في باكستان (التي تحظى بالمساعدة الامريكية) مع طالبان من اجل فهم أساس المفارقة.
في الحالات التي تم الكشف عنها في “ويكيليكس″ اشتكت هيلاري كلينتون من أن قطر هي الدولة الاسوأ من حيث التعاون الاستخباري مع الولايات المتحدة. فقطر مولت وتمول تنظيمات راديكالية تعمل في سوريا ومنها كما يبدو جبهة النصرة التابعة للقاعدة.
السعودية التي تبرعت بـ 100 مليون دولار لخطة الامم المتحدة لمحاربة الارهاب، هي ايضا تمول التنظيمات الراديكالية؛ الكويت المقربة من بريطانيا تسمح للجمعيات الخيرية المؤيدة للارهاب بالعمل على اراضيها؛ أما تركيا فقد تمت مراجعتها من قبل الولايات المتحدة حول الشبهات بأنها سمحت لنشطاء داعش الاسلاميين المتطرفين وغيرهم بالعبور من اراضيها الى سوريا.
لكل دولة من هذه الدول علاقات تجارية متشعبة مع الدول الغربية، الامر الذي يفرض “قواعد الأدب” الواضحة: لا يتم الضغط على دولة وهي تشتري منك طائرات أو سلاح بمليارات الدولارات.
“الاخوة في المصالح” قسّمت الدول العربية الى جناح مؤيد للغرب وجناح معادي للغرب وزرعت الكذبة بأن الطرفين يتفقان على محاربة الارهاب، أو على الأقل تحديد الراديكالية العنيفة. لكن لا يجب انتقاد الانظمة العربية فقط.
فالولايات المتحدة هي التي أوجدت مفهوم “التنظيمات المعتدلة” من اجل دعم المتمردين في سوريا، والشيوعيين الراديكاليين في العراق وطالبان في افغانستان، حيث أن لكل واحد من هذه التنظيمات تفسير مختلف لمفهوم “الاعتدال”.