نبأ/ (خاص) – تسعى السعودية إلى الخروج من عجزها الاقتصادي بإجراءات لا ترقى إلى مستوى خطط قوية يمكنها أن تنتشل بلداً غارقاً في اعتماده على النفط، ويغرقه أكثر البقاء في مستنقع العدوان على اليمن بكلفته المالية الباهظة.
عمدت الحكومة السعودية أخيراً إلى طرحٍ أول للسندات الدولية بلغ 17.5 مليار دولاراً أميركياً، أي 65.6 مليار ريال سعودي، تأمل من هذا الإجراء، بعد سياسة التقشف التي طالت حتى المرافق الطبية في السعودية، في التخفيف من الانحدار الملحوظ في الاقتصاد.
لكن الجانب الاقتصادي ليس المشكلة الوحيدة، فتكلفة العدوان المستمر على اليمن قدرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية بـ725 مليار دولار، وستزداد مع استمرار العدوان الذي زاد في انكشاف الأزمة التي ليس لدى الطبقة الحاكمة خطة متينة للتعامل معها، إذ أن “رؤية 2030” التي تبناها ولي ولي العهد محمد بن سلمان للنهوض بالاقتصاد مرهونة بوقف عوامل استنزافه مثل العدوان والفساد في العائلة الحاكمة والبذخ على حساب الشعب، حتى وصل الأمر إلى التقشف وآخر طرقه تحويل صرف الرواتب من التقويم الميلادي إلى.. التقويم الهجري الشمسي، طمعاً في قضم بعض الأيام لتوفِّر للحكومة مالاً من رصيد الشعب.
خسارة السعودية كبيرة منذ انخفاض أسعار النفط وعدم قدرتها على التوصل إلى اتفاق مع الدول المنتجة له على سقف محدد للإنتاج. ونتيجة لذلك، صرح نائب وزير الاقتصاد محمد التويجري بأنه إذا استمر سعر البرميل عند 40 إلى 45 دولاراً، ولم يتم اتخاذ إجراءات وقرارات اقتصادية وترشيد، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية السيئة، فإن “إفلاس المملكة أمر حتمي خلال ثلاثة إلى أربع سنوات”. يمثل هذا إقراراً واضحاً بضعف الاقتصاد السعودي المعتمد أبداً على النفط والذي يفتقر إلى بنية سليمة قوامها الصناعة والتخطيط.
ويجد حديث التويجري صدىً لدى صندوق النقد الدولي، الذي رأى أن تعافي أسعار النفط لا يكفي لسد العجز في موازنات دول الخليج. عجز الموازنة في السعودية بلغ 98 مليار دولار عام 2015م، بما يعادل 115 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب “رويترز”. وفي نهاية أغسطس/آب 2016م، بلغ الدين العام السعودي، الداخلي والخارجي، نحو 73 مليار دولار، مقارنة بـ37.9 مليار دولار نهاية 2015م، وفقاً لوكالة “الأناضول”. وهذه الأرقام دفعت السعودية إلى الاستعانة بالاحتياط المالي، وهو أمر تلجأ إليه الدول عندما تصل إلى أزمة اقتصادية.
كما أن وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني أكدت ارتفاع الديون المتعثرة للمصارف السعودية إلى 2.5 في المئة من إجمال القروض في عام 2017م، بدلاً من نحو 1.5 في يونيو/حزيران 2016م.
أضف إلى ذلك تراجع أرباح قطاعات سعودية عدة مثل الاتصالات بنسبة 13 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من 2016م، ومثل شركة الأسمدة العربية السعودية “سافكو” التي تراجعت أربلحها بنسبة 67.96 في المئة لتصل إلى 181.4 مليون ريال في الربع الثالث من 2016م، مقارنة مع الفترة المماثلة من عام 2015م. حتى أن القيمة السوقية للأسهم السعودية هبطت بنحو 260 مليار ريال (حوالي 71 مليار دولار) منذ بداية عام 2016م.
ما الذي سيفيده طرح الحكومة للسندات الدولية إذن؟ فهو لم يحدث لأول مرة، يذكّر الخبير الاقتصادي اللبناني إيلي يشوعي بأن السعودية “استدانت منذ عقد من الزمن لكن، وقت ذاك، كان هناك فائض من السيولة (في العالم)، أما اليوم فليس هناك فائض بل أزمة لدى دول العالم التي تحرص على قطاعاتها التي تأثرت بالأزمة”.
ويقول يشوعي لـ”نبأ” إنه “ليس من السهل الاستدانة بالدولار. والاحتمال أن تحصل المملكة على المبالغ التي تريدها هو 50 في المئة يساوي نسبة الاحتمال نفسها بأن لا تحصل عليها”.
وبحسب يشوعي، فإنه “لمّا بدأت المصاعب والعجوزات تكبر داخل المملكة، قامت باستنفاذ جزء من الاحتياط المالي حرصاً على ألا تهبط أسعار صرف العملات”. وإضافة إلى الاستدانة من الخارج، تلجأ المملكة إلى الصكوك الإسلامية أي التوجه إلى القطاعات الداخلية المصرفية بهدف الاستدانة أيضاً، وهو ما لا يعتبره يشوعي حلاً جذرياً، فـ”الحل هو ارتفاع سعر برميل النفط. المملكة دخلت في التزامات على أساس 110 دولار سعر للبرميل، ثم انخفض السعر إلى 40 دولاراً، فلن تستطيع أن تفي بالتزاماتها بعد ذلك”.
عدم تنوُّع الاقتصاد السعودي يمثل مشكلة لم تجد لها المملكة علاجاً بعد، وسببها الرئيس هو الاكتفاء بالنفط كمورد شبه وحيد للخزينة يمثل 90 في المئة من الواردات. تبيَّن أن هناك تأثير سلبي جداً لذلك على الاقتصاد، إذ يشير يشوعي إلى أنه “لا ينبغي أن يتأثر الاقتصاد إذا هبط السعر، لو كان الاقتصاد والإنتاج والصادرات متنوعة فلن يؤثر الهبوط”.
أما بشأن التقشف، فيرى يشوعي أنه “لا ينفع في بلد مثل السعودية يخفض العجز من 100 إلى 90 مليار دولار”. وإذا كانت التركيبة الهيكلية للاقتصاد السعودي هكذا، يتساءل يشوعي قائلاً: “ماذا سيفعل التقشف عندئذٍ؟”.
وساهم تمويل المملكة لحربين في اليمن وسوريا بكلفة تضيفها السعودية إلى خسائرها في تراجع أسعار النفط، بحسب يشوعي. كذلك، يضيف بأن تراجع الأسعار “جعلت المملكة تفرض ضرائب وهي بحاجة إلى واردات ووصلت الضرائب إلى القيمة المضافة وتفكر أيضاً بإعادة النظر في الاستثمارات”.
الأرقام والمعطيات في الاقتصاد السعودي لا تبشر بتحسن وشيك، خاصة إذا ما استمر العدوان على اليمن وراوحت أسعار النفط بين الهبوط والارتفاع القليل الذي لا تريده السعودية. يدعو يشوعي إلى إصلاح في النظام التعليمي السعودي، وأن تكون هناك “قمصان زرق لا قمصان بيض فقط، أي عمال مصانع وتقنيين”.